خطبة المسجد النبوي - من طباع المسلم: البشرى والفأل الحسن


الفرقان



جاءت خطبة المسجد النبوي بتاريخ 24/4/1444هـ، الموافق 18/11/2022، بعنوان: من طباع المسلم: (البشرى والفأل الحسن)، للشيخ د. عبدالله بن عواد الجهني، وقد اشتملت الخطبة على عدد من العناصر كان أهمها: مهمة الرسل البشارة والنذارة، وهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في تبشير أصحابه، المؤمن مبشِّر ميسِّر، القَبول الحسن للمسلم عاجل بشرى له، التحذير من أن يكون المسلم مصدر تنفير وشؤم.
في بداية الخطبة أكد الشيخ الجهني على أنَّ الله -تعالى- بعثَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بشيرًا لأتباعه، نذيرًا لأعدائه، بل كانت مُهمَّةُ الرسلِ لا تَعدُو هذينِ الوصفينِ: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}(الْ أَنْعَامِ: 48).
من أساليب تبشير رسول الله - صلى الله عليه وسلم
وقد أمَر اللهُ -سبحانه- في كتابه الكريم بإيذان المؤمنين والصابرين، والمحسنين والمخبتين بالبشرى في آيات كثيرة، وكان من أساليب تبشير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه يختار الوقتَ المناسبَ، والقَدْرَ المناسبَ لأداء الموعظة والعِلْم؛ كي لا يُنَفِّر الصحابةَ، وفي ذلك يقول - صلى الله عليه وسلم - لأبي موسى الأشعري، ومعاذ -رضي الله عنهما- حين بعَثَهما إلى اليمن: «يسِّرا ولا تُعسِّرا، وبَشِّرَا ولا تُنَفِّرَا، وتَطَاوَعَا ولا تَختَلِفَا»
(رواه البخاري)، وعلَّق عليه ابن حجر -رحمه الله- بقوله: «»المرادُ تأليفُ مَنْ قَرُبَ إسلامُه، وتركُ التشديدِ عليه في الابتداء، وكذلك الزجرُ عن المعاصي، ينبغي أن يكون بتلطُّف ليُقبَل، وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج؛ لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سَهْلًا حُبِّبَ إلى مَنْ يَدخُل فيه، وتلقَّاهُ بانبساط، وكانت عاقبته -غالبًا- الازدياد» انتهى كلامه -رحمه الله.
منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - دائمًا
والتبشير كان من منهج النبي - صلى الله عليه وسلم تسليمًا دائمًا-، ومن هديه -عليه الصلاة والسلام- أنَّه كان يُثني على مَنْ ظهَر منه ما يستحقّ الثناءَ، ويُبشِّره بالخير والرفعة؛ فيكون ذلك دافعًا له ولغيره إلى طاعة الله -تعالى-؛ لذا لَزِمَ على المسلم الحرصُ على التبشير بالخير دائمًا، والتهنئة به، صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا- أنَّه قال لأبي هريرة -رضي الله عنه-: «اذْهَبْ بنعليَّ هاتينِ، فمَنْ لقيتَ من وراء هذا الحائط يَشهَد أن لا إلهَ إلَّا اللهُ، مستيقنًا بها قلبُه، فبشِّرْه بالجنة»(رواه مسلم).
التربية على التبشير بالخير
ومن الأمور المهمة التي تَحرِصُ التربيةُ الإسلاميةُ على غَرسِها في نفوس المتربينَ، التربية على التبشير بالخير، والتهنئة لِمَا تتركه من أثر طيب، ومِنْ تحفيزٍ على العمل، والاجتهادِ في الطاعة، ومن ذلك قوله -عليه الصلاة والسلام-: «بَشِّرِ المشائينَ في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التامّ يومَ القيامة»(رواه ابن ماجه)، وصلّى العشاءَ مرةً بأصحابه وقبل أن ينصرفوا قال لهم: «على رِسْلِكُمْ أَبشِرُوا، إنَّ من نعمة الله عليكم، أنَّه ليس أحدٌ من الناس يُصلي هذه الساعةَ غيرُكم»، قال أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه-: «فرَجَعْنا ففَرِحْنا بما سَمِعْنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -»(رواه البخاري).
والمؤمن محتاج في حال البلاء إلى مَنْ يكشِف همَّه، ويُبشِّره بما يَسُرُّه، إمَّا بفرجٍ عاجلٍ، أو بأجرٍ آجلٍ، ولقد وجَد رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أُمَّ العلاءِ مريضة فقال لها: «أَبْشِرِي يا أمَّ العلاء؛ فإنَّ مرضَ المسلمِ يُذهِب خطاياه، كما تُذهِبُ النارُ خَبَثَ الحديدِ»(رواه الترمذي).
المؤمنُ بشيرٌ في مواقف الأسى
المؤمنُ بشيرٌ في مواقف الأسى، يُسرِّي عن الناس أحزانَهم، بما يُدخِل البهجةَ إلى قلوبهم، ويُبعِد الكآبةَ عنهم، كتَب زيدُ بنُ أرقمَ إلى أنسِ بنِ مالكٍ زمنَ الحَرَّة يُعزِّيه فِيمَنْ قُتِلَ من ولدِه وقومِه فقال: «أُبَشِّرُكَ بِبُشْرَى مِنَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «اللهمَّ اغْفَرْ للأنصارِ، ولأبناءِ الأنصارِ، ولأبناءِ أبناءِ الأنصارِ»(أخرجه أحمد في مسنده)، وعَد اللهُ -تبارك وتعالى- الذين آمنوا وكانوا يتقون بأنَّ {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(يُون ُسَ: 64).
الشكر على الإحسان
ومِنَ البُشرى العاجلةِ في الحياة الدنيا: أن يَلقَى المسلمُ قَبولًا حسنًا من إخوانه، وأَنْ تَشكُرَه على إحسانه؛ فذلك من التبشير، وقد روى مسلمٌ في باب: (إذا أُثني على الصالح فهي بُشرى ولا تضرُّه) حديثًا جاء فيه: «قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أرأيتَ الرجلَ يَعمَل العملَ من الخير ويَحمَدُه الناسُ عليه؟ قال: تلكَ عاجلُ بُشرى المؤمنِ»، ومبنى هذا الخُلق وأساسُه أن يكون المسلمُ مَصدَرًا للفَأْلِ الحسَنِ، والأملِ الواسعِ، والعاقبةِ الخيِّرةِ، وألَّا يَرى أخوه منه ما يَكرَه.
لا تكن مصدرَ شؤمٍ
أفبعدَ كلِّ هذه الإشارات يَقبَل أحدُنا لنفسه أن يكون مصدرَ شؤمٍ، ومَظِنَّةَ تخذيلٍ، أو إحباطٍ أو تنفيرٍ، أو قتلٍ للقُدُرات، أم نُشيع البشرى، ونَنشُر التفاؤلَ، ونُحيي النفوسَ، ونُحرِّض على الخير، ونُعِين على المعروف، ونَستنهِض الهممَ، وأن يكون كلٌّ منا بشيرًا لإخوانه، يُحيي فيهم الأملَ، ويدفعهم إلى مزيدٍ من العمل، فاتقوا الله -أيها المؤمنون-، وقولوا للناس حسنًا، وبَشِّروا ولا تنفروا، وقَوُّوا صِلَتَكم بالله، وأحسِنُوا متابعتَكم لرسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا-، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِي * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}(ال زُّمَرِ: 17-18).