تتابع الكلمات عند المتنبي
د. إبراهيم عوض
تراكيب تكثر في شعر المتنبي
(تتابع عدد من الكلمات من جنس واحد، من غير عطف)
عدد مثل هذه الكلمات عند المتنبي كبير نسبيًّا، ويصل أحيانًا إلى أكثر من عشرين، وليس ذلك بالأمر الشائع، وهذه الكلمات قد تكون أسماءً، أو صفاتٍ، أو أفعالًا، أو مناديات... إلخ.
وقد يتفنَّن المتنبي في إيرادها، بأن يوفر لها نوعين من التقسيم يضفي عليها تقابلًا وتوازنًا، فيتوهم القارئ (أو السامع) أنها ليست عدة كلمات يقفو بعضها بعضًا، بل كلمتان كلمتان، كل اثنتين منها لا علاقة لهما بالكلمات الأخرى، أو يُحدث فيها رنينًا موسيقيًّا يخلع عليهما جمالًا صوتيًّا؛ مثل:
مُتلفٍ مخلفٍ وفيٍّ أبيٍّ
عالمٍ حازمٍ، شجاعٍ جوادِ
♦♦ ♦♦
قدَروا عَفَوْا، وعدوا وفَوْا سُئِلوا
أغنوا، عَلَوْا أعلَوا، وَلُوا عَدَلُوا
♦♦ ♦♦
مباركُ الاسمِ، أغرُّ اللقبْ
كريمُ الجرشَّى، شريفُ النسبْ
أما البيت التالي، فإن فيه توافقًا موسيقيًّا بين كلمتَيْه الأُوليَين، ومخالفة بين الإضافة في المنادى الرابع والإفراد في المناديات الخمسة الباقية، مما يخفف شيئًا من رداءة التتابع في مثل هذا العدد من الكلمات التي من جنس واحد:
يا بدرُ، يا بحرُ، يا غمامةُ، يا ♦♦♦ ليثَ الشرى، يا حمامُ، يا رجلُ
وأحيانًا يكون الرنين الموسيقي خافتًا ولا يجري على نظام؛ مثل:
الأديبُ المهذَّبُ الأصيدُ الضَّرْ ♦♦♦ ـبُ الذكي الجعدُ السريُّ الهمامُ
وأحيانًا لا يوجد في العبارة تقابل ولا رنين، فتشعر فيها بشي من القلق؛ مثل:
أطعنها بالقناةِ، أضربُها
بالسيفِ، جحجاحها، مسودُها
شمسُ ضحاها هلالُ ليلتها
درُّ تقاصيرِها زبرجدُها
♦♦ ♦♦