إنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُه ُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أمَّا بَعْدُ:
فإن الكثير مِنَ الناس يحب أن يعرفَ حُكْمَ الفوائد والأرباح التي يحصل عليها نتيجة وضع أمواله في البنك، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
البنك عند علماء الاقتصاد:
يقول الدكتور إسماعيل محمد هاشم: يمكن تعريف البنك بأنه المنشأة التي تقبل الودائع من الأفراد والهيئات تحت الطلب أو لأجل، ثم تستخدم هذه الودائع في منح القروض والسُّلَف؛ (موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور السالوس صـ132 ).
ويقول الدكتور محمد يحيى عويس: تتلخص الوظيفة الرئيسية للبنوك في المجتمعات في الجملة التقليدية إن البنوك تقترض لكي تُقرض؛ (موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور السالوس صـ133 ).
يقول الدكتور علي السالوس بعد أن ذكر تعريفات عديدة للبنك عند علماء الاقتصاد: إن البنك يقوم بوظيفتين في إطار كونه تاجرًا للديون أو الائتمان، وهما: الاقتراض من المودعين، والإقراض للمقترضين، ويدفع للمودعين ثمنًا محددًا، وهو الفائدة على الودائع، ويتقاضى من المقترضين ثمنًا أعلى، هو فائدة الإقراض، والفرق بين الفائدتين، هو المصدر الأساسي لإيرادات البنك؛ ( موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة للدكتور السالوس صـ134 ).
أخي المسلم الكريم، هكذا حَكَمَ الاقتصاديون على طبيعة عمل البنوك، أنها تقوم على الاقتراض من المودعين والإقراض للمستثمرين وغيرهم.
تعريف شهادات الاستثمار: هي الورقة التي تُثبت الحق في المبلغ المُودَع لدى المَصْرِف وديعة خاضعة لنظام القرض وللنُّظُم الخاصة بها، وغالبًا ما تُصدرُ المصارفُ هذه الشهادات بتوجيه مِن الدولة لاستخدام حصيلتها في تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية؛ (ما لا يسع التاجر جهله ـ عبد الله المصلح ـ صـ 287).
معنى الربا:
الربا في اللغة:
الزِّيَادَةُ؛ قال ابن منظور: رَبا الشيءُ يَرْبُو رُبُوًّا ورِباءً: زاد ونما، وأَرْبَيْته: نَمَّيته؛ (لسان العرب، لابن منظور جـ3 صـ1572 ).
وفي التنزيل العزيز: ﴿ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴾ [الروم: 39]، ومنه أُخْذُ الربا الحرام.
الربا في الشرع: الزِّيَادَةُ فِي أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ؛ ( المغني لابن قدامة جـ1 صـ51 ).
حُكْمُ الربا:
الربا حَرَامٌ بدليل القرآن والسُّنَّة وإجماع عُلماء المسلمين.
أولًا: القرآن الكريم:
قَالَ الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275].
وقَالَ جل شأنه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [ البقرة: 278: 279].
ثانيًا: السنة:
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ)؛ ( البخاري حديث 2766/ مسلم حديث 89 ).
روى مسلمٌ عَنْ جَابِرِ بنِ عبدالله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ؛ (مسلم حديث 1598).
ثالثًا: الإجماع:
أجمعَ عُلماءُ الأمة قديمًا وحديثًا على أن الربا حَرَامٌ؛ (المغني لابن قدامة بتحقيق الدكتور التركي جـ6 صـ52 ).
عاقبة التعامل بالربا في الدنيا والآخرة:
لقد حذَّرنا الله تعالى من عاقبة التعامل بالربا، فأكَّد ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة، وسوف أتحدث عن عاقبة الربا في القرآن الكريم والسُّنة المطهرة بإيجاز:
أولًا: عاقبة التعامل بالربا في القرآن:
(1) قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275].
قال ابن جرير الطبري (رحمه الله): قال جَلَّ ثناؤُهُ عَنْ الذين يأكلون الربا: ﴿ لَا يَقُومُونَ ﴾ فِي الْآخِرَةِ مِنْ قُبُورِهِمْ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ؛ يَعْنِي بِذَلِكَ: يَتَخَبَّلُهُ الشَّيْطَانُ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ، فَيَصْرَعُهُ مِنَ الْمَسِّ، يَعْنِي مِنَ الْجُنُونِ؛ (تفسير ابن جرير الطبري ـ جـ3 ـ صـ101).
• قال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ (رحمه الله): «يُبْعَثُ آكِلُ الرِّبَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَجْنُونًا يَخْنُقُ»؛ ( تفسير ابن جرير الطبري جـ3صـ102 ).
(2) قال سبحانه: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة: 276].
• قال ابن كثير (رحمه الله): يُخْبِرُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَمْحَقُ الرِّبَا، أَيْ: يُذْهِبُهُ، إِمَّا بِأَنْ يُذْهِبَهُ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ، أَوْ يَحْرمَه بَرَكَةَ مَالِهِ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ، بَلْ يُعَذِّبُهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَيُعَاقِبُهُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ ( تفسير القرآن العظيم لابن كثير جـ2 صـ494 ).
(3) قال جل شأنه: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة:279:278].
قال ابن كثير (رحمه الله): هَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ لِمَنِ اسْتَمَرَّ عَلَى تَعَاطِي الرِّبَا بَعْدَ الْإِنْذَارِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ)؛ أَيِ: اسْتَيْقِنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ رَبِيعَةَ بْنِ كُلْثُومٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابن عباس قَالَ: يُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِآكِلِ الرِّبَا: خُذْ سِلَاحَكَ لِلْحَرْبِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾؛ (تفسير القرآن العظيم لابن كثير جـ2 صـ496 ).
ثانيًا: عاقبة التعامل بالربا في السُّنَّة:
روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ؛ ( البخاري حديث 2766، ومسلم حديث 89 ).
روى البخاريُّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ، فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا، فَقَالَ: الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا؛ (البخاري حديث 2085 ).
روى مسلمٌ عَنْ جَابِرِ بنِ عبدالله رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ)؛ ( مسلم حديث 1598 ).
روى الطبرانيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا ظَهَرَ الزِّنَا وَالرِّبَا فِي قَرْيَةٍ، فَقَدْ أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عَذَابَ اللَّهِ؛ (حديث صحيح)، (صحيح الجامع للألباني حديث 679).
روى ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الرِّبَا سَبْعُونَ حُوبًا أَيْسَرُهَا أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ؛ (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه للألباني حديث 1844).
سبعون حوبًا: الحوب: الإثم، أي سبعون نوعًا من الإثم.
أيسرها: أي أخف تلك الآثام أن يجامِع الرَّجُل أمه.
روى ابن ماجه عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ الرِّبَا إِلَّا كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِ إِلَى قِلَّةٍ؛ (حديث صحيح)، (صحيح ابن ماجه للألباني حديث 1848).
أَكْثَرَ مِنْ الرِّبَا: أي أكثَر مالَه، وجمَعَه من الربا.
الفرق بين الربا والربح والأجر:
أولًا: الفرق بين الربا والربح:
الربح: هو الزيادة الحاصلة في المبايعة (أيْ نتيجة البيع)؛ (المفردات في غريب القرآن للراغب الأصبهاني صـ270).
ويختلف الربح عن الربا في أن الزيادة في التعامل الربوي ثابتة ومعلومة مسبقًا، وأما الربح في التجارة يكون غير ثابت وغير معلوم مسبقًا, بل هناك احتمال الخسارة, وهذه الخسارة يتحملها صاحب المال, وأما في المعاملات الربوية لا صلة لصاحب المال بالخسارة، يبذل صاحب المال الجهد في البيع والشراء, في حين لا يبذل صاحب المال في المعاملات الربوية أي جهد، بل يتقاضى زيادة مقابل الأجل الذي يبقى فيه ماله عند المقترض.
ثانيًا: الفرق بين الربا والأجر:
الأجر: هو ثمن المنفعة في العقد المتفق عليه بين طرفين، والأجر يكون مقابل خدمة يقوم بها شخصٌ، فلا يستحق هذا الأجر أحدٌ إلا بعد قيامه بالخدمة المطلوبة منه، وأما الربا فلا عبرة فيه بوجود هذه الخدمة، وإنما هو زيادة يأخذها صاحب المال مقابل الأجل؛ (التدابير الواقية من الربا لفضل إلهي صـ 32:30).
الأشياء التي يحرم فيها الربا:
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ، فَقَدْ أَرْبَى الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ؛ (مسلم ـ حديث 1584).
ويتَّضح من هذا الحديث الشريف أن أصول الأشياء الربوية ستة، هي: الذهب والفضة، والقمح والشعير، والتمر والملح.
علة تحريم الربا:
يقول السيد سابق (رحمه الله): هذه الأعيان الستة التي خصها الحديث بالذكر تنتظم الأشياء الأساسية التي يحتاج الناس إليها، ولا غنى لهم عنها، فالذهب والفضة هما العنصران الأساسيان للنقود تنضبط بهما المعاملة والمبادلة، فهما معيار الأثمان الذي يرجع إليه في تقويم السلع، وأما بقية الأعيان الأربعة، فهي عناصر الأغذية وأصول القوت الذي به قوام الحياة، فإذا جرى الربا في هذه الأشياء كان ضارًّا بالناس، ومفضيًا إلى الفساد في المعاملة، فمنع الشارع منه رحمة بالناس ورعاية لمصالحهم؛ (فقه السنة للسيد سابق ـ جـ4 ـ صـ79).
قال ابن قدامة (رحمه الله): مَا اجْتَمَعَ فِيهِ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ وَالطَّعْمُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَفِيهِ الرِّبَا رِوَايَةً وَاحِدَةً، كَالْأُرْزِ، وَالدُّخْنِ، وَالذُّرَةِ، وَالْقُطْنِيَّا تِ، وَالدُّهْنِ، وَالْخَلِّ، وَاللَّبَنِ، وَاللَّحْمِ، وَنَحْوِهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ (رحمه الله): هَذَا قَوْلُ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ، سِوَى قَتَادَةَ، فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّهُ شَذَّ عَنْ جَمَاعَةِ النَّاسِ، فَقَصَرَ التَّفَاضُلِ عَلَى السِّتَّةِ الْأَشْيَاءِ، وَمَا انْعَدَمَ فِيهِ الْكَيْلُ، وَالْوَزْنُ، وَالطَّعْمُ، وَاخْتَلَفَ جِنْسُهُ، فَلَا رِبَا فِيهِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ (المغني لابن قدامة جـ6 صـ58).
خلاصة القول:
إن عِلَّة تحريم الربا هي الثمنية، أو الكيل والوزن مع المطعومية، والادخار.
الثمنية:
كُلُّ ما يَصلح أن يكون ثمنًا لشراء الأشياء.
المطعومية:
كُلُّ ما يَقتات منه الإنسانُ غالبًا ويعيش عليه.
فإذا وجدت عِلَّة الثمنية في غير الذهب والفضة - كالأوراق النقدية الموجودة في وقتنا الحاضر - أخذ حكمهما، فلا يباع إلا مِثْلًا بمثل ويدًا بيد في نفس المجلس.
فإذا وجدت عِلَّة المطعومية مع الادخار في طعام آخر غير القمح والشعير والتمر والملح، أخذ حُكْمها، فلا يُباع إلا مِثْلًا بمثل ويدًا بيد في نفس المجلس؛ (المغني لابن قدامة جـ6 صـ58)، (فقه السنة للسيد سابق جـ4 صـ79).
قواعد مهمة لتجنب الربا المحرم:
هناك قواعد مهمة يجب على المسلم أن يتعلمها؛ لكي يتجنب الوقوع في الربا المحَرَّم، ونوجزها في الآتي:
القاعدة الأولى:
إذا اتفق البدلان في الجنس والعلة (الثمنية والمطعومية مع الادخار)، حَرُمَ التفاضل (أي الزيادة)، وحرُم النسيئة (أي تأجيل التقابض)؛ (المغني لابن قدامة، جـ6، صـ53)، (فقه السنة للسيد سابق، جـ4 ـ صـ79).
فائدة مهمة:
المقصود بالجنس: هو الشامل لأشياء مختلفة بأنواعها، فكل نوعين اجتمعا في اسم خاص، فهما جنس واحد، كأنواع التمر، وأنواع القمح، فالتمور كلها جنس واحد؛ لأن الاسم الخاص يجمعها، وهو التمر، وإن كثُرت أنواعه؛ (المغني لابن قدامة جـ6 صـ76).
ولتوضيح هذه القاعدة أقول: إذا بيع ذهب بذهب أو فضة بفضة، أو قمح بقمح، فإنه يُشترط لصحة هذا البيع شرطان:
الشرط الأول: التساوي في الوزن أو الكمية بصرف النظر عن الجودة والرداءة.
الشرط الثاني: التقابض في نفس المجلس، بمعنى آخر أنه يحرم تأجيل أحد البدلين، وذلك بدليل ما يلي:
روى الشيخان عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا, أي: لا تزيدوا, بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ أي: الفضة بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ؛ (أي: حاضر)، (البخاري حديث 2177 / مسلم حديث 1584).
روى الشيخانِ عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، (أي: خذ وهات), وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ؛ ( البخاري حديث 2174 / مسلم حديث 1586).
روى الشيخانِ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ بِلَالٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ قَالَ بِلَالٌ: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيٌّ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ؛ لِنُطْعِمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: أَوَّهْ أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا عَيْنُ الرِّبَا لَا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعْ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِهِ؛ ( البخاري حديث 2312 / مسلم حديث 1594 ).
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ، فَمَنْ زَادَ أَوْ اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا؛ (مسلم، حديث 1588).
القاعدة الثانية:
إذا اختلف البدلان في الجنس واتَّحدا في العلة ( الثمنية أو المطعومية مع الادخار)، جاز التفاضل، أي: الزيادة، وحَرُمَ النَّساء (أي: تأجيل التقابض)؛ (المغني لابن قدامة جـ6 صـ61)، (فقه السنة للسيد سابق جـ4 صـ80 ).
فإذا بيع ذهب بفضة أو قمح بشعير، جازت الزيادة بشرط أن يتمَّ التقبض في نفس المجلس، وذلك بدليل ما يلي:
روى مسلمٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ؛ (مسلم ـ حديث 1587).
القاعدة الثالثة:
إذا اختلف البدلان في الجنس والعلة (الثمنية أو المطعومية مع الادخار)، جاز التفاضل، أي: الزيادة، والنسيئة، أي: تأجيل التقابض؛ (مسلم بشرح النووي جـ6 صـ14)، (فقه السنة للسيد سابق جـ4 صـ81 ).
فإذا بيع قمح أو شعير أو تمر أو طعامٍ بفضة، جاز التفاضل، أي: الزيادة، وجازت النسيئة (أي: تأجيل التقابض)، وذلك لما يلي:
روى البخاريُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ فَرَهَنَهُ دِرْعَهُ؛ (البخاري حديث 2200).
• قال الإمامُ النووي (رحمه الله): أَجْمَع الْعُلَمَاء عَلَى جَوَاز بَيْع الرِّبَوِي بِرِبَوِيٍّ لَا يُشَارِكهُ فِي الْعِلَّة مُتَفَاضِلًا وَمُؤَجَّلًا، وَذَلِكَ كَبَيْعِ الذَّهَب بِالْحِنْطَةِ، وَبَيْع الْفِضَّة بِالشَّعِيرِ وَغَيْره مِنْ الْمَكِيل؛ (مسلم بشرح النووي جـ6 صـ14).
بيع العينة:
المقصود ببيع الْعِينَةِ هو أن يبيعَ المسلم شيئًا ما بثمن محدد إلى أجلٍ مُسَمَّى إلى شخص ما، ويسلمها إليه، ثم يشتريه البائع مِن نفس المشتري (قبل قبض المال) بثمنٍ نقدٍ أقل مِن الثمن المؤجل، وسُميت بالْعِينَةِ؛ لأن البائع يشتري نفس العين التي باعها؛ (نيل الأوطار للشوكاني ـ جـ5 ـ صـ294).
هذا البيع حرامٌ؛ لأنه ذريعة إلى الربا وإن كان في صورته بيع وشراء؛ روى أبو داودَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ؛ (حديث صحيح)، (صحيح أبي داود للألباني حديث 2956).
البيع بالتقسيط:
يجوز بيع سلعة بالتقسيط مع الزيادة في ثمن السلعة عن ثمنها الحالي مقابل الزيادة في الأجل؛ (فتاوى دار الإفتاء المصرية ـ جـ 7 ـ رقم 1013 ـ صـ 2344:2341).
(فتوى مجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامي ـ رقم 53/2/6 لعام 1410هـ /1990 مـ )
بيع وشراء الذهب والفضة:
الكثيرُ مِن المسلمين يقعون في الربا المحرم عند بيع وشراء الذهب والفضة، وذلك لعدم معرفتهم بأحكام الربا، ولذا سوف أوضِّح بعض الأمور الهامة التي يجب على المسلم أن يكون على معرفة بها عند بيع وشراء الذهب والفضة، فأقول وبالله التوفيق: لا يجوز استبدال الحُلي القديم من الذهب أو الفضة بحلي مثله جديد، مع دفع فرق الصنعة؛ روى الشيخانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا, (أي لا تزيدوا) بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ؛ أي: الفضة، بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ؛ (أي: حاضر)؛ (البخاري حديث 2177 / مسلم حديث 1584).
روى مسلمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ؛ (مسلم حديث 77).
يتبع