عيد أضحى مبارك
تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: شهوة النساء

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي شهوة النساء

    شهوة النساء 1

    إن الناظر إلى واقعنا الحاضر يرى أنواعًا من التعلق بالشهوات والافتتان بها، فما أكثر المسلمين الذين أشربوا حب الشهوات من النساء والأموال، والملبوسات والمركوبات، والمناصب والرياسات، والولع بالألعاب والملاهي. وسوف نتحدث عن جملة من تلك الشهوات التي استحكمت بأفئدة كثير من الناس وعقولهم.

    ومن المناسب أن نتحدث ابتداءً عن الموقف الصحيح تجاه الشهوات إجمالًا قبل الحديث عن بعض أفرادها تفصيلًا.
    إن المسلك العدل إزاء الشهوات وسط: بين أهل الفجور ، وأصحاب الرهبانية؛ فأهل الفجور أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات؛ وأهل الرهبانية حرّموا ما أحل الله من الطيبات. ودين الله يراعي أحوال الناس، ويدرك ما هم عليه من الغرائز والشهوات؛ لذا فهو يبيحها ويعترف بها، لكنه يضبطها ويهذبها.
    يقول ابن القيم مقررًا ذلك: [لما كان العبد لا ينفك عن الهوى ما دام حيًا فإن هواه لازم له كان الأمر بخروجه عن الهوى بالكلية كالممتنع، ولكن المقدور له والمأمور به أن يصرف هواه عن مراتع الهَلَكة إلى مواطن الأمن والسلامة؛ مثاله أن الله لم يأمره بصرف قلبه عن هوى النساء جملة؛ بل أمره بصرف ذلك إلى نكاح ما طاب له منهن من واحدة إلى أربع، ومن الإماء ما شاء، فانصرف مجرى الهوى من محل إلى محل، وكانت الريح دبورًا فاستحالت صبًا][ روضة المحبين، ص11].
    واتباع الشهوات والانكباب عليها يؤول إلى استيلائها على القلب، فيصير القلب عبدًا وأسيرًا لتلك الشهوات، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: [إن المتبعين لشهواتهم من الصور والطعام والشراب واللباس يستولي على قلب أحدهم ما يشتهيه حتى يقهره ويملكه، ويبقى أسير ما يهواه يصرفه كيف تصرّف ذلك المطلوب...].
    وإذا كان الإفراط والانهماك في الشهوات مذمومًا شرعًا، كما قال عز وجل:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا[59]}[سورة مريم] . فكذلك اتباع الشهوات مذموم عقلًا؛ فإن العاقل البصير ينظر في عواقب الأمور، فلا يُؤْثِرُ العاجلة الفانية على الآخرة الباقية، بل ينهى نفسه عن لذةٍ يعقبها ألم، وشهوة تُورث ندمًا، وكفى بهذا القدر مدحًا للعقل وذمًا للهوى.
    وليعلم العبد أن الصبر عن الشهوات وما فيها من الإغراء والبريق والافتتان أيسر من الصبر على عواقب الشهوات وآلامها وحسراتها، كما بينه ابن القيم بقوله: [الصبر عن الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة، فإنها إما أن توجب ألمًا وعقوبة، وإما أن تقطع لذة أكمل منها، وإما أن تضيع وقتًا إضاعته حسرة وندامة، وإما أن تثلم عرضًا توفيره أنفع للعبد من ثلمه، وإما أن تُذهب مالًا بقاؤه خير له من ذهابه، وإما أن تضع قدرًا وجاهًا قيامه خير من وضعه، وإما أن تسلب نعمة بقاؤها ألذ وأطيب من قضاء الشهوة، وإما أن تطرق لوضيع إليك طريقًا لم يكن يجدها قبل ذلك، وإما أن تجلب همًا وغمًا وحزنًا وخوفًا لا يقارب لذة الشهوة، وإما أن تنسي علمًا ذكره ألذ من نيل الشهوة، وإما أن تُشمت عدوًا وتحزن وليًا، وإما أن تقطع الطريق على نعمة مقبلة، وإما أن تحدث عيبًا يبقى صفة لا تزول؛ فإن الأعمال تورث الصفات والأخلاق][الفوائد، ص131].

    من أنواع الشهوات:
    1- شهوة النساء:
    وأما عن شهوة النساء، أو بالأحرى شهوة الجنس عمومًا فإن المتأمل في أحوال المسلمين فضلًا عمن دونهم يرى سُعارًا تجاه هذه الشهوات، وولوغًا في مستنقعاتها الآسنة، فما أكثر المسلمين العاكفين على متابعة الأطباق الفضائية وشبكة الإنترنت، وقد سمّروا أعينهم في سبيل ملاحقة برامج الفحش، وما أكثر الذين يشدّون رحالهم إلى بلاد الكفر والفجور في سبيل تلبية شهواتهم المحرمة.
    لقد تكالب شياطين الإنس والجن مع النفوس الأمّارة بالسوء على إفساد عفاف المسلمين وأخلاقهم، قال سبحانه: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا[27]}[سورة النساء].
    ومن أرخى لشهوته العنان؛ فإن سعار هذه الشهوة لا حد له ولا انقضاء، والمولع بشهوة الجنس بدون ضابط، أو رادع؛ لا يقف ولا يرعوي، يقول الشيخ علي الطنطاوي: [لو أوتيتَ مال قارون، وجسد هرقل، وواصلتك عشر آلاف من أجمل النساء من كل لون وكل شكل، وكل نوع من أنواع الجمال، هل تظن أنك تكتفي؟ لا، أقولها بالصوت العالي: لا.. أكتبها بالقلم العريض..ولكن واحدة بالحلال تكفيك. لا تطلبوا مني الدليل؛ فحيثما تلفّتم حولكم وجدتم في الحياة الدليل قائمًا ظاهرًا مرئيًا][فتاوى علي الطنطاوي، ص146].
    وفي الأدب الكبير، لابن المقفع: [اعلم أن من أوقع الأمور في الدين، وأنهكها للجسد، وأتلفها للمال، وأجلبها للعار، وأزراها للمروءة، وأسرعها في ذهاب الجلالة والوقار: الغرام بالنساء. ومن العجب أن الرجل لا بأس بلبّه ورأيه يرى المرأة من بعيد متلففة في ثيابها، فيصوّر لها في قلبه الحُسن والجمال حتى تعلق بها نفسه من غير رؤية ولا خبر مخبر، ثم لعله يهجم منها على أقبح القبح، وأدمّ الدمامة، فلا يعظه ذلك؛ ولا يقطعه عن أمثالها، ولا يزال مشغوفًا بما لم يذق، حتى لو لم يبق في الأرض غير امرأة واحدة، لظن أن لها شأنًا غير شأن ما ذاق، وهذا هو الحمق والشقاء والسفه].
    إن أشد الفتن وأعظمها: الفتنة بالنساء، فعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ» (رواه البخاري ومسلم) . قال الإمام طاووس عند قوله:{...وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا[28]}[سورة النساء] : [إذا نظر إلى النساء لم يصبر]. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: [لم يكن كفر من مضى إلا من قِبل النساء، وهو كائن كفر من بقي من قِبل النساء]. وهاك أخي القارئ حكايتين واقعيتين تكشفان أن من أسباب الكفر بالله: عشق النساء.
    فأما الحكاية الأولى: فقد ساقها أبو الفرج ابن الجوزي بقوله: [بلغني عن رجل كان ببغداد يُقال له: صالح المؤذن، أذّن أربعين سنة، وكان يُعرف بالصلاح، أنه صعد يومًا إلى المنارة ليؤذن، فرأى بنت رجل نصراني كان بيته إلى جانب المسجد، فافتتن بها، فجاء فطرق الباب، فقالت: من؟ فقال: أنا صالح المؤذن، ففتحت له، فلما دخل ضمها إليه، فقالت: أنتم أصحاب الأمانات فما هذه الخيانة؟ فقال: إن وافقتني على ما أريد وإلا قتلتك. فقالت: لا؛ إلا أن تترك دينك، فقال: أنا بريء من الإسلام ومما جاء به محمد، ثم دنا إليها، فقالت: إنما قلت هذا لتقضي غرضك ثم تعود إلى دينك، فكُلْ من لحم الخنزير، فأكل، قالت: فاشرب الخمر، فشرب، فلما دبّ الشراب فيه دنا إليها، فدخلت بيتًا وأغلقت الباب، وقالت: اصعد إلى السطح حتى إذا جاء أبي زوّجني منك، فصعد فسقط فمات، فخرجت فلفّته في ثوب، فجاء أبوها، فقصّت عليه القصة، فأخرجه في الليل فرماه في السكة، فظهر حديثه، فرُمي في مزبلة][ ذم الهوى، ص 409].

    أما الحكاية الثانية: فذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في حوادث سنة ثمان وسبعين ومائتين ما يلي:
    [وفيها توفي عبده بن عبد الرحيم قبحه الله، ذكر ابن الجوزي أن هذا الشقي كان من المجاهدين كثيرًا في بلاد الروم، فلما كان في بعض الغزوات والمسلمون يحاصرون بلدة من بلاد الروم، إذ نظر إلى امرأة من نساء الروم في ذلك الحصن، فهويها، فراسلها: ما السبيل إلى الوصول إليك؟ فقالت: أن تتنصر وتصعد إليّ، فأجابها إلى ذلك، فما راع المسلمين إلا وهو عندها، فاغتم المسلمون بسبب ذلك غمًا شديدًا، وشق عليهم مشقة عظيمة، فلما كان بعد مدة مروا عليه وهو مع تلك المرأة في ذلك الحصن، فقالوا: يا فلان ما فعل قرآنك؟ ما فعل علمك؟ ما فعل صيامك؟ ما فعل جهادك؟ ما فعلت صلاتك؟ فقال: اعلموا أني أُنسيت القرآنَ كله إلا قوله:{رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ[2]ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ[3]}[سورة الحجر]. وقد صار لي فيهم مال وولد][ البداية والنهاية، 11/64].
    إن الولوغ في الفواحش وارتكابها له وسائل متعددة وأسباب كثيرة، وأدناها: سماع الأغاني؛ فإن الغناء رقية الزنا، وداعية الفاحشة.
    وقال يزيد بن الوليد: [يا بني أمية! إياكم والغناء؛ فإنه ينقص الحياء، ويزيد في الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل السّكْر، فإن كنتم لا بد فاعلين فجنّبوه النساء؛ فإن الغناء داعية الزنا][ انظر: إغاثة اللهفان، 1/369]. وقال ابن القيم: [ومن الأمر المعلوم عند القوم أن المرأة إذا استصعبت على الرجل اجتهد أن يُسمعها صوت الغناء، فحينئذٍ تعطي الليان]؛ [أما إذا اجتمع إلى هذه الرقية الدّف والشبابة والرقص بالتخنث والتكسر، فلو حبلت المرأة من صوت لحبلت من هذا الغناء.
    فلعمر الله كم من حرة صارت بالغناء من البغايا، وكم من حرّ أصبح به عبدًا للصبيان أو الصبايا، وكم من غيور تبدّل به اسمًا قبيحًا بين البرايا، وكم من معافى تعرّض له فأمسى وقد حلّت به أنواع البلايا][ إغاثة اللهفان، 1/370، 371].
    ومن أشد الوسائل فتكًا: النظر المحرم: فكم من نظرة إلى صورة جميلة في السوق، أو في شاشة، أو مجلة؛ أعقبت فواحش وآلامًا وحسرات. يقول ابن الجوزي: [اعلم-وفقك الله- أن البصر صاحب خبر القلب ينقل إليه أخبار المبصرات، وينقش فيه صورها، فيجول فيها الفكر، فيشغله ذلك عن الفكر فيما ينفعه من أمر الآخرة. ولما كان إطلاق البصر سببًا لوقوع الهوى في القلب، أمرك الشارع بغضّ البصر عما يُخاف عواقبه. قال الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ...[30]وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ.. .[31]}[سورة النور] . ثم أشار إلى مُسبب هذا السبب، ونبّه على ما يؤول إليه هذا الشر بقوله:{ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ...[30]... وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ...[31]}[سورة النور].][ ذم الهوى، ص106].

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,908

    افتراضي رد: شهوة النساء

    شهوة النساء 2

    وقد تحدث شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن النظر المحرم، وما يؤول إليه من الوقوع في الفواحش.. بل وقد ينتهي بصاحبه إلى الشرك بالله تعالى فكان مما قاله: [وأما النظر والمباشرة فاللمم منها مغفور باجتناب الكبائر، فإن أصر على النظر أو على المباشرة صار كبيرة، وقد يكون الإصرار على ذلك أعظم من قليل الفواحش؛ فإن دوام النظر بالشهوة وما يتصل به من العشق والمعاشرة والمباشرة أعظم بكثير من فساد زنا لا إصرار عليه؛ ولهذا قال الفقهاء في الشاهد العدل: أن لا يأتي كبيرة، ولا يصر على صغيرة. بل قد ينتهي النظر والمباشرة بالرجل إلى الشرك، كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ...[165]} [سورة البقرة]. ولهذا لا يكون عشق الصور إلا من ضعف محبة الله وضعف الإيمان. والله تعالى إنما ذكره في القرآن عن امرأة العزيز المشركة، وعن قوم لوط المشركين] (مجموع الفتاوى، 15/292، 293).
    وقال ابن القيم رحمه الله: وقد جعل الله سبحانه العين مرآة القلب فإذا غضّ العبد بصره، غضّ القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق بصره أطلق القلب شهوته...- إلى أن قال-: والنظرة إذا أثّرت في القلب، فإن عجل الحازم، وحسم المادة من أولها؛ سهُل علاجه، وإن كرر النظر، ونقّب عن محاسن الصورة ونقلها إلى قلب فارغ فنقشها فيه؛ تمكنت المحبة، وكلما تواصلت النظرات كانت كالماء يسقي الشجرة، فلا تزال شجرة الحب تنمو حتى يفسد القلب، ويعرض عن الفكر فيما أمر به، فيخرج بصاحبه إلى المحن، ويوجب ارتكاب المحظورات والفتن (روضة المحبين، ص92، 94، 95).
    ومن أشد الوسائل ضررًا وشرًا: اختلاط النساء بالرجال: فإن هذا الاختلاط أنكى وسيلة في الانغماس في الفواحش والقاذورات، وقد كثر في هذا الزمان من يطالب بهذا الاختلاط ويدعو إليه؛ حيث ينادون بمزاحمة النساء للرجال في جميع المجالات والأعمال، زاعمين أنهم يريدون الخير والإصلاح لمجتمعاتهم، ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون.
    قال ابن القيم متحدثًا عن مفاسد الاختلاط: ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة.. وهو من أسباب الموت العام والطواعين المهلكة. ولما اختلط البغايا بعسكر موسى عليه السلام، وفشت فيهم الفاحشة أرسل الله عليهم الطاعون فمات في يوم واحد سبعون ألفًا، والقصة مشهورة في كتب التفسير؛ فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات (الطرق الحكمية، ص259).
    الانكباب على الشهوات سببه ضعف التوحيد: فإن القلب كلما كان أضعف توحيدًا، وأقل إخلاصًا لله تعالى كان أكثر فاحشة وشهوة (انظر: الفوائد، لابن القيم، ص75). يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة: [وهذا-أي: العشق والشهوات- إنما يبتلى به أهل الإعراض عن الإخلاص لله الذين فيهم نوع من الشرك، وإلا فأهل الإخلاص، كما قال الله تعالى في حق يوسف عليه السلام: ...كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ[24]} [سورة يوسف]. فامرأة العزيز كانت مشركة فوقعت مع تزوجها فيما وقعت فيه من السوء، ويوسف عليه السلام مع عزوبته، ومراودتها له، واستعانتها عليه بالنسوة، وعقوبتها له بالحبس على العفة، عصمه الله بإخلاصه له؛ تحقيقًا لقوله: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُ مْ أَجْمَعِينَ[82]إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ[83]} [سورة ص]، قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ[42]} [سورة الحجر]. والغي هو اتباع الهوى(مجموع الفتاوى، 51/421).

    الافتتان بالنساء والولع بهن يورث أنواعًا من العقوبات والمفاسد في الدنيا والآخرة:
    تحدث شيخ الإسلام ابن تيمية عن عقوبات الشهوة المحرمة، فكان مما قاله: [فأما من استعبد قلبه صورة محرمة: امرأة أو صبي، فهذا هو العذاب الذي لا يَدان فيه، وهؤلاء من أعظم الناس عذابًا وأقلهم ثوابًا؛ فإن العاشق لصورة إذا بقي قلبه متعلقًا بها، مستعبَدًا لها، اجتمع له من أنواع الشر والفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد. ومن أعظم هذا البلاء إعراض القلب عن الله؛ فإن القلب إذا ذاق طعم عبادة الله والإخلاص له، لم يكن عنده شيء قط أحلى من ذلك، ولا ألذ ولا أطيب][ (مجموع الفتاوى، 10/187).
    وقال ابن القيم: [وليعلم اللبيب أن مدمني الشهوات يصيرون إلى حالة لا يلتذون بها، وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها؛ لأنها قد صارت عندهم بمنزلة العيش الذي لا بد لهم منه، ولهذا ترى مدمن الخمر والجماع لا يلتذ بهما عشر معشار من يفعله نادرًا في الأحيان](روضة المحبين، ص470).

    علاج شهوة النساء:
    بعد أن فصّلنا الحديث عن هذه الشهوة نورد علاجها وسبيل النجاة منها، وقد بسط أبو الفرج ابن الجوزي في 'ذم الهوى' وابن القيم في 'روضة المحبين' الحديث عن العلاج.
    قال ابن الجوزي: [فإن تكرار النظر قد نقش صورة المحبوب في القلب نقشًا متمكنًا؛ وعلامة ذلك: امتلاء القلب بالحبيب؛ فكأنه يراه حالاّ في الصدر، وكأنه يضمه إليه عند النوم ويحادثه في الخلوة، فاعلم أن سبب هذا الطمع في نيل المطلوب، وكفى بالطمع مرضًا، وقلّ أن يقع الفسق إلا في المطموع فيه؛ فإن الإنسان لو رأى زوجة الملك فهويها لم يكد قلبه يتعلق بها؛ لأجل اليأس من مثلها. فأما من طمع في شيء فإن الطمع يحمله على طلبه، ويعذّبه إن لم يدركه.. وعلاج هذا المرض: العزم القوي على البعد عن المحبوب، والقطع الجازم على غض البصر عنه، وهجران الطمع فيه، وتوطين النفس على اليأس منه].
    وقال في موضع آخر: ومما يُداوى به الباطن أن تفكّر، فتعلم أن محبوبك ليس كما في نفسك، فأعمل فكرك في عيوبه تَسْلُ؛ فإن الآدمي محشوّ بالأنجاس والأقذار، وإنما يرى العاشق معشوقه في حال الكمال، ولا يُصور له الهوى عيبًا؛ لأن الحقائق لا تنكشف إلا مع الاعتدال، وسلطان الهوى حاكم جائر يغطي المعايب، فيرى العاشق القبيح من معشوقه حسنًا. ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: (إذا أعجبت أحدَكم امرأةٌ فليذكر مناتنها).

    وأما ما حرّره ابن القيم في سبيل التخلص من شراك هذه الشهوات، فنختار منها بعضها:
    فمن ذلك قوله: [التفكر في أنه لم يُخلق للهوى، وإنما هُيّئ لأمر عظيم لا يناله إلا بمعصيته للهوى كما قيل:
    قد هيؤوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ
    "أن يأنف لنفسه من ذل طاعة الهوى؛ فإنه ما أطاع أحد هواه قط إلا وجد في نفسه ذلاّ، ولا يغتر بصولة أتباع الهوى وكِبرهم؛ فهم أذل الناس بواطنَ، قد جمعوا بين خصلتي الكبر والذل"
    أن يعلم أن الهوى ما خالط شيئًا إلا أفسده، فإن وقع في العلم أخرجه إلى البدعة والضلالة وصار صاحبه من جملة أهل الأهواء، وإن وقع في الزهد أخرج صاحبه إلى الرياء ومخالفة السنة، وإن وقع في الحكم أخرج صاحبه إلى الظلم وصدّه عن الحق، وإن وقع في الولاية والعزل أخرج صاحبه إلى خيانة الله والمسلمين حيث يولّي بهواه ويعزل بهواه.
    إن اتباع الهوى يغلق عن العبد أبواب التوفيق، ويفتح عليه أبواب الخذلان، فتراه يلهج بأن الله لو وفّقه لكان كذا وكذا، وقد سدّ على نفسه طرق التوفيق باتباعه هواه. قال الفضيل بن عياض: من استحوذ عليه الهوى واتباع الشهوات انقطعت عنه موارد التوفيق.
    إن التوحيد واتباع الهوى متضادان، فإن الهوى صنم ولكل عبد صنم في قلبه بحسب هواه، وإنما بعث الله رسله بكسر الأصنام وعبادته وحده لا شريك له، وليس مراد الله تعالى كسر الأصنام المجسّدة وترك الأصنام التي في القلب، بل المراد كسرها من القلب أولًا.
    إن لكل عبد بداية ونهاية، فمن كانت بدايته اتباع الهوى، كانت نهايته الذل والصغار والحرمان والبلاء المتبوع بحسب ما اتبع هواه، بل يصير له ذلك في نهايته عذابًا يُعذّب به في قلبه كما قال القائل:
    مآرب كانت في الشباب لأهلها عِذابًا فصارت في المشيب عَذابًا
    فلو تأملت حال كل ذي حالة سيئة زرية لرأيت بدايته الذهاب مع هواه وإيثاره على عقله، ومن كانت بدايته مخالفة هواه وطاعة داعي رشده كانت نهايته العز والشرف والغنى والجاه عند الله وعند الناس. قيل للمهلب ابن أبي صفرة: بِمَ نلت ما نلت؟ قال: بطاعة الحزم وعصيان الهوى. فهذا في بداية الدنيا ونهايتها، وأما الآخرة فقد جعل الله سبحانه الجنة نهاية من خالف هواه، والنار نهاية من اتبع هواه.
    وبالجملة: فإنه ما من داء إلا وله دواء عَلِمه من علمه، وَجهِله من جهله، والمتعيّن على من ابتلي بشيء من هذه الشهوات أن يبادر إلى أسباب النجاة ووسائلها.. بالعزيمة الصادقة، والصبر والمصابرة، وعلو الهمة، والاشتغال بمعالي الأمور، والابتعاد عن سفاسفها، والمجاهدة في ذات الله، ونهي النفس عن الهوى وإصلاح الخواطر والإرادات، وصحبة الصالحين، ودوام التضرع إلى الله والانكسار بين يديه سبحانه.
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
    منقول





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •