شرح كان وأخواتها
أبو أنس أشرف بن يوسف بن حسن
والراجح من هذين القولين هو - بلا شك - مذهب الجمهور، أن (ليس) فعل ماضٍ؛ وذلك لقَبولها:
1- تاء التأنيث الساكنة؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ ﴾ [البقرة: 113]، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما بالُ أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله؟!)).
2- وتاء الفاعل؛ كما في قوله تعالى: ﴿ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ [الأنعام: 66]، وقوله عز وجل: ﴿ لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 159]، وقوله تبارك وتعالى: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ﴾ [الأحزاب: 32]، وقوله سبحانه: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ ﴾ [المائدة: 68][20].
المبحث الثالث: شروط عمل (كان) وأخواتها الرفع في المبتدأ، والنصب في الخبر:
تنقسم (كان) وأخواتها بحسب شروط عملها الرفع في المبتدأ، والنصب في الخبر، إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما يرفع المبتدأ، وينصب الخبر، بلا شرط، وهو الأفعال الثمانية الأولى، وهي:
1- كان.
2- أمسى.
3- ظل.
4- أصبح.
5- أضحى.
6- بات.
7- صار.
8- ليس.
وقد تقدَّمت الأمثلة على هذه الأفعال الثمانية، وعلى عملها في المبتدأ الرفع، وفي الخبر النصب.
القسم الثاني: ما يرفع المبتدأ، وينصب الخبر، بشرط أن يتقدم عليه نفي، أو شبه نفي[21]، وهو الأفعال: برح، فتئ، زال، انفك.
القسم الثالث: ما يرفع المبتدأ، وينصب الخبر، بشرط أن يتقدم عليه (ما) المصدرية الظرفية أو الوقتية، وهو الفعل (دام).
أولًا: ما يرفع المبتدأ وينصب الخبر، بشرط أن يتقدم عليه: نفي، أو شبه نفي، وهو يشمل النهي والدعاء([22])، وهو - كما تقدم - الأفعال الأربعة: برح، فتئ، زال، انفك([23]).
وذاكم أمثلة على شرطية تقدم النفي وشبهه على هذه الأفعال الأربعة، لعمَلها الرفع في المبتدأ، والنصف في الخبر:
مثال تقدم النفي عليها قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ [هود: 118]، وقوله سبحانه: ﴿ قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ ﴾ [طه: 91][24].
ومثال تقدم شبه النفي: شبه النفي - كما أشرنا - إما أن يكون:
نهيًا، ومثال تقدمه على الفعل (يزال) قول الشاعر:
صاح شمِّر ولا تزل ذاكر المو ♦♦♦ تِ فنسيانه ضلال مبينُ[25]
أو دعاء، ومثال تقدم الدعاء على فعل من هذه الأفعال الأربعة: لا انفكَّ بيتكم عامرًا بطاعة الله - وما زلت بخير - لا يبرح الله محسنًا إليك[26].
ثانيًا: مما يُشترط فيه شروط حتى يرفع المبتدأ، وينصب الخبر: الفعل (دام):
ذكر النُّحاة أن الفعل (دام) حتى يرفع المبتدأ اسمًا له، وينصب الخبر خبرًا له - لا بد أن يتقدم عليه (ما) المصدرية الظرفية([27])، والمقصود بـ(ما) المصدرية الظرفية؛ أي: التي تؤول وتسبك مع الفعل بعدها بمصدر وظرف معًا[28].
فعلى سبيل المثال: قول الله تعالى: ﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾ [مريم: 31]، نقول: إن (ما) في هذه الآية مصدرية ظرفية؛ لأنها تؤول مع الفعل (دام) بمصدر وظرف معًا؛ إذ التقدير: مدة دوامي حيًّا، فالمصدر هو (دوامي)، والظرف هو (مدة).
المبحث الرابع: أقسام (كان) وأخواتها من جهة التصرُّف وعدمه[29]:
اعلم - رحمك الله - أن (كان) وأخواتها تنقسِمُ من جهة التصرف وعدمه إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما يتصرف في الفعلية تصرفًا مطلقًا؛ بمعنى: أنه يأتي منه: الماضي، والمضارع، والأمر، وهو سبعة أفعال؛ هي: (كان، ظل، أمسى، بات، أصبح، صار، أضحى).
ومن أمثلة عمل الفعل (كان):
ماضيًا قول الله تعالى: ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 96].
ومضارعًا قول الله عز وجل: ﴿ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 193].
وأمرًا قول الله سبحانه: ﴿ قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا ﴾ [الإسراء: 50].
والقسم الثاني: ما يتصرف في الفعلية تصرفًا ناقصًا؛ بمعنى: أنه يأتي منه الماضي والمضارع، ليس غير[30]، وهو أربعة أفعال؛ هي: (زال، فتئ، انفكَّ، برح).
ومِن أمثلة عمل الفعل (زال):
ماضيًا قول الله تعالى: ﴿ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ﴾ [الأنبياء: 15].
ومضارعًا قول الله عز وجل: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ [هود: 118].
والقسم الثالث: ما لا يتصرف أصلًا بحال، وإنما يأتي ماضيًا فقط[31]، وهو يشمل الفعلين:
1- (ليس)، وهذا بالاتفاق، فـ(ليس) فعل ماضٍ، ولا يأتي منه مضارع ولا أمر، ومثال عمله عمل (كان) قوله سبحانه: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ﴾ [الرعد: 43][32].
2- (دام) على الأصح، وهو قول الجمهور، فـ(دام) فعل ماضٍ، ولا يأتي منه مضارع ولا أمر، ومثال عمله عمل (كان) قوله سبحانه: ﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾ [مريم: 31].
المبحث الخامس: أنواع اسم (كان) وأخواتها:
اعلم - رحمك الله - أن كل ما تقدم من أحكام الفاعل وأقسامه يعطى لاسم (كان) وأخواتها؛ لأن له حكمَه[33].
وبِناءً على ذلك نقول: إن اسم (كان) وأخواتها قد يكون:
اسمًا ظاهرًا: سواء كان مفردًا، أم مثنى، أم جمعًا، وسواء كان مذكرًا، أم مؤنثًا.
ومن أمثلة وقوع اسم (كان) اسمًا ظاهرًا من كتاب الله تعالى قوله سبحانه: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ [البقرة: 213]، وقوله عز وجل: ﴿ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا ﴾ [مريم: 5]، وقوله تبارك وتعالى: ﴿ لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [الأنبياء: 99].
وقد يكون مضمرًا[34]، واسم (كان) وأخواتها المضمر إما أن يكون:
ضميرًا مستترًا[35]، ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ﴾ [الإسراء: 3]، وقوله عز وجل: ﴿ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ﴾ [النساء: 11]، وقوله سبحانه: ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ﴾ [يوسف: 85]، وقوله تبارك وتعالى: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ } [القصص: 17]، وقوله عز وجل: ﴿ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ﴾ [طه: 65][36].
وإما أن يكون ضميرًا متصلًا من الضمائر الستة التي تكون في محل رفع[37]؛ نحو قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ [هود: 118]، وقوله عز وجل: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ﴾ [المائدة: 68]، وقوله عز وجل: ﴿ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ ﴾ [النساء: 176][38].
يتبع