تشييب الإنسان لغيره
محمد حمادة إمام
أولا: تشييب المرء لبني جنسه:
كما شاب المرء، تعدت سطوته وتجاوزت سيطرته، فشاب أو شب [1] على يديه غيره، وإذا كان هذا بمستغرب، فتابعُه - تشييب المرء لغير بني جنسه - أعجب وأغرب.
قال القسطلي (ت 421 هـ) يمدح الوزير أبا الأصبغ عيسى بن سعيد بأبيات يرفع بها أحبابه، ويضع فيها من خصومه؛ استدرارًا لشفقته وعطفه، فيقول كاشفًا عن إذعان الجميع - حسيًّا كان أو معنويًّا - لقوله وفعله: [2] [من الطويل]:
وأذْعَنَ صَرْفُ الدَّهْرِ سَمْعًا وطاعة ♦♦♦ لما فُهت من قول، وأَمْضَيْتَ من فِعْلٍ
إلى أن يقول:
ولم تَثْنِ عَنِّي فِي مَواطِنَ جَمَّةٍ
سُيُوفًا حِدادًا قَدْ سُللْنَ عَلَى قَتْلِي
ولم أَطْوسنَّ الاكتِهَال مُحاكمًا
إِلَيْكَ خُطُوبًا شَيّبَتْ مَفْرِقَ الطِّفْلِ
وكُنْتَ ومِفْتَاحُ الرغائب ضائعٌ
ملاذي فهذا بَابُها ضَائِعُ القُفْلِ
وإنِّي فِي أَفْيَاءِ ظِلّكَ أَشْتَكِي
شَكِيَّةَ مُوسى إذْ تَولّى إِلَى الظِّلِّ
فيذكر القسطلي ممدوحه بما ناله، وما تعرض له من صعاب وشدائد في سبيله شيَّبته وآلمتْه، ثم انتقل إلى بيان عناد الزمان له؛ حيث كانت الأبواب - في وقت لم يكن فيه إليه محتاجًا - مفتحة، أما وقد احتاج إلى معروفه، فهي موصدة، وهذا عتب جميل لمن يحب وإليه يميل.
وجل معاني هذه الأبيات من القرآن الكريم، فقوله: "خطوبًا شيَّبت مفرق الطفل" من قوله تعالى:﴿ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا ﴾ [المزمل: 17]، والبيت الأخير من قوله تعالى: ﴿ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ [القصص: 24].
وما يزال ابن دراج في تصوير غلبة ممدوحه على خصمه، وقدرته على من حوله، بعظيم جوده، وعلو شأنه، مما أعاد الشباب إلى الكبير، وشيب الوليد، فيقول: [3] [من المتقارب]:
بِفَتْحِ الفُتُوح، وسَعْدِ السُّعُود ♦♦♦ وعِزِّ العزِيزِ، وحَمْدِ الحَمِيدِ
إلى أن يقول:
بِطَوْلٍ يُعيد شَبَابَ الكبيرِ ♦♦♦ وهَوْلٍ يُشَيِّبُ رَأْسَ الوَلِيدِ [4]
وكما شب، وشاب بنو آدم من ولدان وشيب على يد الممدوح كان.
ثانيًا: تشييب ابن آدم لغير بني جنسه:
هذا الفن وما سبقه يقوم على جانب كبير من المبالغة والإطراء، فهذا "ابن هانئ الأندلسي" [5]، يرى أن ممدوحه لا عدل له جودًا وبأسًا ونسبًا وحنكة، فلم تقف البحار أمامه في المفاضلة جودًا وهولًا، وأكبر دليل معه شيب الدهر على يديه، فيقول: [6] [من الكامل]:
يتبعآليتُ أُصدر عن بحارك بعدما
قست البحار بها فكن سرابَا[7]
لم تدنني أرضٌ إِلْيك وإنَّما
جِئْتُ السَّماءَ فَفُتِّحَتْ أَبْوابَا