قال ابن عثيمين رحمه الله
مِنْ حِكْمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ أنَّهُ لم يَبْعَثْ نَبِيًّا إلاَّ جَعَلَ لهُ أعْداءً مِن الإِنْسِ والجِنِّ،
وذلكَ أنَّ وجودَ العَدُوِّ يُمَحِّصُ الحقَّ ويُبَيِّنُهُ،
فإنَّهُ كُلَّما وُجِدَ المُعارِضُ قَوِيَتْ حُجَّةُ الآخَرِ،
وهذا الَّذي جَعَلَهُ اللهُ تعالى للأنبياءِ جَعَلَهُ أيْضًا لأتْباعِهم،
فكلُّ أتَباعِ الأنبياءِ يَحْصُلُ لهم مِثْلُ ما يَحْصُلُ للأنبياءِ،
قالَ اللهُ تعالى:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُورًا}، وقالَ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}[الفرقانُ: 31].
فإنَّ هؤلاءِ المُجْرِمِينَ يَعْتَدُونَ على الرُّسلِ وأَتْباعِهم وعلى ما جاءُوا بهِ بأمرَيْنِ:
الأوَّلُ: التَّشْكِيكُ.
الثَّاني: العُدْوانُ.
أمَّا التَّشكيكُ: فقالَ اللهُ تعالى في مُقَابَلَتِهِ:{كَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا} لِمَنْ أَرَادَ أنْ يُضِلَّهُ أعْداءُ الأنبياءِ.
وأمَّا العُدْوانُ: فقالَ اللهُ تعالى في مُقابَلَتِهِ: {وَنَصِيرًا} لِمَنْ أَرَادَ أنْ يَرْدَعَهُ أعداءُ الأنبياءِ
فاللهُ تعالى يَهْدِي الرُّسلَ وأَتْباعَهم ويَنْصُرُهم على أعدائِهم ولوْ كانوا مِنْ أَقْوَى الأعْداءِ،
فَعَلَيْنَا أنْ لا نَيْأَسَ لِكَثْرةِ الأعداءِ وقُوَّةِ مَنْ يُقَاوِمُ الحقَّ؛
فإنَّ الحَقَّ كما قالَ ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ:
والْــــــحَـــ ــــقُّ مَــــنْــــصُـ ــــورٌ ومُـــمْـــتَــ ـحَــــنٌ **** فلا تَعْجَبْ فَهَذِي سُنَّةُ الرَّحْمنِ
فلا يَجوزُ لنا أنْ نَيْأَسَ بلْ علينا أنْ نُطِيلَ النَّفَسَ، وأنْ نَنْتَظِرَ وستَكونُ العاقِبةُ لِلمُتَّقِينَ،
فالأمَلُ دافِعٌ قَوِيٌّ لِلمُضِيِّ فِي الدَّعوةِ والسَّعْيِ في إنْجاحِها، كما أنَّ اليَأْسَ سَبَبٌ لِلفَشَلِ والتَّأَخُّرِ في الدَّعوةِ.
أنَّ أعداءَ الرُّسلِ الَّذين يُجَادِلُونَهُم ويُكَذِّبُونهم قدْ يَكونُ عندَهم عُلومٌ كثيرةٌ وكُتُبٌ وشُبُهَاتٌ يُسَمُّونَها (حُجَجًا)،
يُلَبِّسونَ بِها على النَّاسِ، فَيَلْبِسُونَ الحقَّ بالباطِلِ،
كما قالَ تعالى: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ }
وهذا الفرحُ مَذْمومٌ؛ لأنَّهُ فَرِحٌ بغيرِ ما يُرْضِي اللهَ، فيَكونُ مِن الفرحِ المَذْمومِ.
وأَشَارَ المُؤلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى بهذهِ الجملةِ إلى أنَّهُ يَنْبَغِي أنْ نَعْرِفَ ما عندَ هؤلاءِ مِن العُلومِ والشُّبُهاتِ مِنْ أجْلِ أنْ نَرُدَّ عليهم بِسلاحِهم، وهذا مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ولهذا لمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إلى اليَمَنِ
قالَ لهُ: ((إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ)) وذلكَ مِنْ أجْلِ أنْ يَسْتَعِدَّ لهم، ويَعْرِفَ ما عندَهم مِن الكِتابِ حتَّى يَرُدَّ عليهم بِما جاءُوا بهِ.