تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: هل يصح الاستدلال بتقسيم الإمام الشافعي البدعة إلى بدعة محمودة وبدعة مذمومة على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي؟!

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    الدولة
    أتريب, بنها, القليوبية, مصر
    المشاركات
    91

    افتراضي هل يصح الاستدلال بتقسيم الإمام الشافعي البدعة إلى بدعة محمودة وبدعة مذمومة على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي؟!

    هل يصح الاستدلال بتقسيم الإمام الشافعي البدعة إلى بدعة محمودة وبدعة مذمومة على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي؟!

    ابتداء وقبل هذا السؤال لا بد من سؤال آخر هو أصل المسألة، وهو:

    هل الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - يقسم البدعة (في الدين) إلى بدعة محمودة وبدعة مذمومة.

    فإن عنى الشافعي - رحمه الله تعالى - بأن البدعة (في الدين) منها ما يكون محمودًا ومنها ما يكون مذمومًا فقد ثبت بهذا الخلاف عند السلف في مسألة تقسيم البدعة في الدين إلى محمود ومذموم، ويتخرج بهذا الاستدلال لمن استدل به على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي، وإن عنى الشافعي - رحمه الله تعالى - بالبدعة المحمودة المعنى اللغوي من الابتداء والإنشاء على غير مثال سابق فقد بطل الاستدلال بهذا التقسيم على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي.

    يستدل البعض بما رواه أبو نعيم في الحلية بسنده عن الشافعي أنه قال: (البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة) على أن الشافعي - رحمه الله تعالى - يرى في الدين بدعة حسنة.

    وكلام الشافعي بتمامه في الحلية لأبي نعيم (١١٣/٩):
    "الْبِدْعَةُ بِدْعَتَانِ: بِدْعَةٌ مَحْمُودَةٌ، وَبِدْعَةٌ مَذْمُومَةٌ، فَمَا وَافَقَ السُّنَّةَ فَهُوَ مَحْمُودٌ، وَمَا خَالَفَ السُّنَّةَ فَهُوَ مَذْمُومٌ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ: نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هِيَ".

    وجاء عنه بلفظ أوضح منه، وهو ما رواه البيهقي في مناقب الشافعي (٤٦٩/١) أن الشافعي قال:
    المحدثات من الأمور ضربان:
    أحدهما: ما أحدث يخالف كتابًا أو سنة أو أثرًا أو إجماعًا؛ فهذه البدعة الضلالة.
    والثانية: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا؛ وهذه محدثة غير مذمومة.
    وقد قال عمر - رضي الله عنه - في قيام شهر رمضان: "نعمت البدعة هذه" يعني أنها محدثة لم تكن، وإذا كانت فليس فيها ردّ لما مضى.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (١٦٣/٢٠): رَوَاهُ البيهقي بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ فِي الْمَدْخَلِ.

    قال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم (١٣١/٢) - تحقيق الأرناؤوط -:
    وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ: أَنَّ الْبِدْعَةَ الْمَذْمُومَةَ مَا لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ مِنَ الشَّرِيعَةِ يُرْجَعُ إِلَيْهِ، وَهِيَ الْبِدْعَةُ فِي إِطْلَاقِ الشَّرْعِ، وَأَمَّا الْبِدْعَةُ الْمَحْمُودَةُ فَمَا وَافَقَ السُّنَّةَ، يَعْنِي: مَا كَانَ لَهَا أَصْلٌ مِنَ السُّنَّةِ يُرْجَعُ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا هِيَ بِدْعَةٌ لُغَةً لَا شَرْعًا، لِمُوَافَقَتِهَ ا السُّنَّةَ.

    قلت - العبد الفقير -: و مما يؤيد ما وجه به ابن رجب كلام الشافعي - رحمهما الله - الوجوه التالية:
    أولاها: حصر الشافعي - رحمه الله تعالى - معرفة الشرع لكل من كان دون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستدلال بالنصوص من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس وأن من استحسن بغيرها فقد أحدث شيئًا على غير مثال سابق فقال في كتاب الرسالة ص٢٥:
    وهذا يدل على أنه ليس لأحد دون رسول الله أن يقول إلا بالاستدلال بما وصفت في هذا، وفي العَدل، وفي جزاء الصيد، ولا يقول بما استحسن، فإن القول بما استحسن شيءٌ يُحدِثه لا على مثالٍ سبق.

    الثاني:
    ثبوت ذم الشافعي لمحدثات لا أصل لها في الشريعة كالتغبير؛ فقد روى أبو نعيم في الحلية (١٤٦/٩) بإسناده عن الشافعي قال:
    «خَلَّفْتُ بِالْعِرَاقِ شَيْئًا أَحْدَثَتْهُ الزَّنَادِقَةُ يُسَمُّونَهُ التَّغبِيرَ، يَشْتَغِلُونَ بِهِ عَنِ الْقُرْآنِ».

    قال الأزهري في تهذيب اللغة (١٢٣/٨):
    وَقد يسمّى مَا يقْرَأ بالتّطريبِ من الشِّعرِ فِي ذِكرِ الله تَعَالَى تَغبِيرًا كَأَنَّهُمْ إِذا تَنَاشَدوها بالألحان طَربوا فَرقصوا وأرْهَجوا، فَسمُّوا مُغبِّرَةً بِهَذَا الْمَعْنى.
    وَقد رُوِي عَن الشَّافِعِي أَنه قَالَ: أَرَى الزَّنَادِقَةَ وضعُوا هَذَا التغبِيرَ لِيَصدُّوا النَّاس عَن ذكرِ الله وَقِرَاءَة الْقُرْآن.
    وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق النحويُّ: سمِّي هَؤُلَاءِ مغبِّرين لِتَزْهِيدِهِم الناسَ فِي الفَانيَةِ الماضِيَةِ وتَرْغيبِهِمْ فِي الغابِرَةِ، وَهِي الْآخِرَة الْبَاقِيَة.

    الثالث: جَعَلَ الشافعيُّ - رحمه الله تعالى - الاستحسانَ سببًا لتجرؤ عامة المسلمين من غير أهل الذكر على الكلام في دين الله عز وجل بغير علم، فقال في كتاب الأم (٥٠٤/١):
    وهذا يبين أن حرامًا على أحد أن يقول بالاستحسان إذا خالف الاستحسانُ الخبرَ، والخبرُ - من الكتاب والسنة - عينٌ يتأخَّى معناها المجتهدُ ليصيبه، كما البيتُ يتأخَّاه مَن غاب عنه ليصيبه، أو قَصَدَه بالقياس ....... ولو جاز تعطيلُ القياس جاز لأهل العقولِ من غير أهل العلم أن يقولوا فيما ليس فيه خبر بما يحضرهم من الاستحسان.

    الرابع:
    أن الشافعي - رحمه الله تعالى - صنف كتابًا سماه (إبطال الاستحسان) طبع مع كتاب الأم (٣٠٩/٧).

    أفيقال من أحد - بعد هذا البيان -: إن المحدثات في الدين عند الشافعي - رحمه الله تعالى - منها ما يكون حسنًا ومنها ما يكون مذمومًا؟!!!!!

    رحم الله تعالى الإمام الشافعي، وجزاه عن الإسلام وأهله خيرًا.

  2. #2

    افتراضي رد: هل يصح الاستدلال بتقسيم الإمام الشافعي البدعة إلى بدعة محمودة وبدعة مذمومة على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي؟!

    جزاك الله خيرا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    May 2009
    الدولة
    أتريب, بنها, القليوبية, مصر
    المشاركات
    91

    افتراضي رد: هل يصح الاستدلال بتقسيم الإمام الشافعي البدعة إلى بدعة محمودة وبدعة مذمومة على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي؟!

    بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، وبعد:

    فقد وقفت على أصل كلام الشافعي رحمه الله تعالى، والذي يتبين منه مناسبته ومعناه.

    فأصل كلام الشافعي - كما رواه البيهقي في معرفة السنن والآثار - في كتابه الأم برواية الربيع بن سليمان، في كتاب الجمعة، في باب من أسمع الناس تكبير الإمام.

    وقد يتسآل البعض كيف يكون هذا النص في كتاب الأم وليس موجودًا في شيء من النسخ المطبوعة.

    وهذا التساءل نرجئ الإجابة عنه في مقال يتبع هذا المقال بعد ذكر قول الشافعي - إن شاء الله تعالى -؛ مخافة السآمة على القارئين.

    قال البيهقي في معرفة السنن والآثار (٤/ ٤٠٨/ت. قلعجي):
    مَنْ أَسْمَعَ النَّاسَ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ
    ٦٦٣٤ - أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ [التَّسْمِيعَ] فِي التَّكْبِيرِ وَالسَّلَامَ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا مُحْدَثًا، وَلَا أَرَاهُ قَبِيحًا [مِمَا] أُحْدِثَ إِذَا [كَثُرَ] النَّاسُ.

    قَالَ: وَالْمُحْدَثَات ُ مِنَ الْأُمُورِ ضَرْبَانِ:
    أَحَدُهُمَا: مَا أُحْدِثَ مُخَالِفًا كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ أَثَرًا أَوْ إِجْمَاعًا، فَهَذِهِ الْبِدْعَةُ الضَّلَالَةُ.
    وَالثَّانِيَةُ: مَا أُحْدِثَ مِنَ الْخَيْرِ لَا خِلَافَ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَا، وَهَذِهِ مُحْدَثَةٌ غَيْرُ مَذْمُومَةٍ.

    ٦٦٣٥ - وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ: "نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ"، يَعْنِي: أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ لَمْ تَكُنْ، وَإِذْ كَانَتْ فَلَيْسَ فِيهَا رَدٌّ لِمَا مَضَى.

    ٦٦٣٦ - قَالَ أَحْمَدُ: قَدْ رُوِّينَا فِي حَدِيثِ مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَاتِهِمْ خَلْفَهُ؛ قَالَ: وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ.
    فَصَارَ هَذَا أَصْلًا لِمَا أُحْدِثَ فِي الْجُمُعَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

    أخرجه البيهقي بنفس الإسناد في كتاب المدخل (٢٥٣)، وفي مناقب الشافعي (١/ ٤٦٨: ٤٦٩).

    قلت [البنهاوي]: جاء الأول مما بين المعقوفتين في كلام الشافعي في الطبعة المعزو إليها: "التسبيح"، وهو كذلك في طبعة دار الكتب العلمية (٢/ ٥٢١)، وكذلك في النسخة الخطية برقم (٢٧١/ ٢) في مكتبة أحمد ثالث بتركيا في (ق٧٢/أ).
    قلت [البنهاوي]: وهو تصحيف من الناسخ، والمثبت هو الصواب، ويشهد اسمُ الباب لما أثبته.

    وجاء الثاني مما بين المعقوفتين في الطبعة المعزو إليها: "مهما"، والمثبت من النسخة الخطية المشار إليها قريبًا وطبعة دار الكتب العلمية.

    وجاء الثالث مما بين المعقوفتين في الطبعة المعزو إليها: "كبر"، وجاء في طبعة دار الكتب العلمية: "أكثر"، والمثبت من النسخة الخطية المشار إليها قريبًا.

    قلت: قوله: "وَلَا أَرَاهُ قَبِيحًا مِمَا أُحْدِثَ إِذَا كَثُرَ النَّاسُ"، يعني: إذا دعت إليه الحاجة بكثرة الناس وعدم سماعهم تكبيرَ وسلامَ الإمام في الصلاة فلا يكون من المحدثات القبيحة المذمومة.

    قلت: فإن انتفى ما جعله شرطًا - وهو كثرة الناس - انتفى جوابه - وهو نفي القبح عنه -.

    فجواب الشرط فيه نفيُّ النفي فيصير إثباتًا، أي: يصير قبيحًا مذمومًا.

    فتأويل الكلام على ذلك: والتسميع في التكبير والسلام في الصلاة من المحدثات القبيحة المذمومة إذا لم تدع إليه الحاجة لقلة الناس ولسماعهم تكبيرَ وسلامَ الإمام في الصلاة.

    قلت: فكلام الشافعي رحمه الله تعالى على هذا التأويل من باب المصالح المرسلة التي لا يتم الواجب إلا بها ولم يثبت فيها عنده دليل معين، ويكون ذلك رفعًا لحرج لازم في الدين لكي لا يلحق بالمكلفين ضررٌ.

    وذلك أنه إن كثر الناس ولم يسمعوا تكبير وسلام الإمام في الصلاة تعذر عليهم متابعته في الصلاة، فوقع عليهم الحرج بذلك في الدين، ولحقهم الضرر في عدم صحة صلاتهم لعدم متابعتهم للإمام، فيجب تعيين من يُسمعهم تكبير الإمام رفعًا لهذا الحرج.

    قلت: واستدلال الشافعي بالمصالح المرسلة من المشهور عنه في أصول مذهبه.

    قال الشاطبي في الموافقات (١/ ٣٢: ٣٣):
    فَصْلٌ

    وَيَنْبَنِي عَلَى هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ مَعْنًى آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ كُلَّ أَصْلٍ شَرْعِيٍّ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ نَصٌّ مُعَيَّنٌ، وَكَانَ مُلَائِمًا لِتَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ، وَمَأْخُوذًا مَعْنَاهُ مِنْ أَدِلَّتِهِ؛ فَهُوَ صَحِيحٌ يُبني عَلَيْهِ، ويُرجع إِلَيْهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْأَصْلُ قَدْ صَارَ بِمَجْمُوعِ أَدِلَّتِهِ مَقْطُوعًا بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَدُلَّ عَلَى الْقَطْعِ بِالْحُكْمِ بِانْفِرَادِهَا دُونَ انْضِمَامِ غَيْرِهَا إِلَيْهَا كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَالْمُتَعَذِّر ِ.

    وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا ضَرْبُ الِاسْتِدْلَالِ الْمُرْسَلِ الَّذِي اعتمده مالك وَالشَّافِعِيُّ ؛ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لِلْفَرْعِ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ؛ فَقَدْ شَهِدَ لَهُ أَصْلٌ كُلِّيٌّ، وَالْأَصْلُ الْكُلِّيُّ إِذَا كَانَ قَطْعِيًّا قَدْ يُسَاوِي الْأَصْلَ الْمُعَيَّنَ، وَقَدْ يَرْبُو عَلَيْهِ بِحَسَبِ قُوَّةِ الْأَصْلِ الْمُعَيَّنِ وَضَعْفِهِ، كَمَا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَرْجُوحًا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ، حُكْمَ سَائِرِ الْأُصُولِ الْمُعَيَّنَةِ الْمُتَعَارِضَة ِ فِي بَابِ التَّرْجِيحِ.

    قلت [البنهاوي]: قوله: "والمحدثات مِنَ الْأُمُورِ ضَرْبَانِ" يعني: أن المصالح المرسلة التي لم يَرِد فيها دليل معين ولا يتم الواجب إلا بها قد تسمى محدثة لغةً، ولا يلحقها بذلك قبحٌ أو ذمٌ، وليست بتسميتها محدثة لغةً تصير محدثة شرعية ضلالة، فلزم التنبيه على التفريق بين المحدثة اللغوية والمحدثة الشرعية.

    قوله: "مَا أُحْدِثَ مُخَالِفًا كِتَابًا أَوْ سُنَّةً أَوْ أَثَرًا أَوْ إِجْمَاعًا، فَهَذِهِ الْبِدْعَةُ الضَّلَالَةُ" يعني: أن شرط قبول المصلحة المرسلة أن لا تكون مخالفة لكتاب أو سنة أو أثر أو إجماع، فإن خالفت واحدًا من هذا فهي في عِداد البدعة الشرعية التي كلها ضلالة، ولا يقبل حينئذ قول من زعم أنه لا يتم الواجب إلا بها لمجيء الدليل المعين على ذمها وقبحها، فهي ليست من الخير بحالٍ.

    قوله: "مَا أُحْدِثَ مِنَ الْخَيْرِ لَا خِلَافَ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَا، وَهَذِهِ مُحْدَثَةٌ غَيْرُ مَذْمُومَةٍ" يعني: أنه لا يُسَلَّم لكون المصلحة المرسلة من الخير إلا إذا كانت ثَمَّ مشقة أو حاجة، وقع بأحدهما ضرر أو حرج على المكلفين في دينهم، فيطلب بهذه المصلحة التي لم يدل عليها دليل معين - عند من غاب عنه أصل المسألة المعين - يطلب بها رفع هذا الضرر أو الحرج الواقع تخفيفًا على المكلفين، وكذلك لا يكون في هذه المصلحة خلاف لواحد من كتاب أو سنة أو أثر أو إجماع، فإن فَقَدَتْ أحد شرطيها فَهَذِهِ الْبِدْعَةُ الضَّلَالَةُ.

    قال البيهقي في مناقب الشافعي (١/ ٤٦٣):
    فأما أهل السنة فمذهبهم في الأصول مبني على الكتاب والسنة، وإنما أخذ من أخذ منهم في العقل إبطالًا لمذهب من زعم أنه غير مستقيم على العقل.

    ثم قال في (١/ ٤٦٧):
    وفي كل ذلك دلالة على أن استحباب من استحب [من] أئمتنا ترك الخوض في الكلام إنما هو للمعنى الذي أشرنا إليه، وأن الكلام المذموم إنما هو كلام أهل البدع الذي يخالف الكتاب والسنة، فأما الكلام الذي يوافق الكتاب والسنة وبُيِّنَ بالعقل والعبرة فإنه محمود مرغوب فيه عند الحاجة، تكلم فيه الشافعي وغيره من أئمتنا - رضي الله عنهم - عند الحاجة، كما سبق ذكرنا له.

    قلت [البنهاوي]: قوله: "وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ: "نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ"، يَعْنِي: أَنَّهَا مُحْدَثَةٌ لَمْ تَكُنْ".

    قلت: فالبدعة المحمودة هي إحداث خير له أصل في الشرع وإن غاب هذا الأصل عن المستدل لهذا الإحداث بالاستدلال المرسل.

    قال البيهقي في السنن الصغير (٨١٧):
    قَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ إِنَّمَا مَنَعَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ فِي اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ، فَلَمَّا قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى رَحْمَتِهِ تَنَاهَتْ فَرَائِضُهُ، فَلَمْ يَخَفْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخَافُهُ، وَرَأَى أَنَّ جَمْعَهُمْ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ أَمْثَلُ فَجَمَعَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ فِيمَا صَنَعَ خِلَافُ مَا مَضَى مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ فَلَمْ يَكُنْ بِدْعَةَ ضَلَالَةٍ، بَلْ كَانَ إِحْدَاثَ خَيْرٍ لَهُ أَصْلٌ فِي السُّنَّةِ، وَهِيَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ عَائِشَةَ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَفِي خَبَرِ أَبِي ذَرٍّ زِيَادَةُ تَحْرِيضٍ عَلَيْهَا، وَذِكْرُ مَا فِيهَا مِنَ الْفَضْلِ وَزِيَادَةِ الْأَجْرِ.

    قلت [البنهاوي]: قوله: "وَإِذْ كَانَتْ فَلَيْسَ فِيهَا رَدٌّ لِمَا مَضَى" يعنى: فإذا كانت المحدثة مصلحة مرسلة حقيقية يطلب بها إزالة ضرر أو رفع حرج واقع فلن يكون فيها ردٌّ لشيء من كتاب أو سنة أو أثر أو إجماع، لأن الشرع لا يأمر إلا بما كانت مصلحته خالصة أو راجحة، وأما إذا كانت المحدثة يرجع أمرها إلى التحسين والتزيين فهي تتضمن لزامًا ردًّا لشيء من كتاب أو سنة أو أثر أو إجماع.

    قوله: "قَالَ أَحْمَدُ [وهو أبو بكر البيهقي]: قَدْ رُوِّينَا فِي حَدِيثِ مَرَضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَاتِهِمْ خَلْفَهُ؛ قَالَ: وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ. فَصَارَ هَذَا أَصْلًا لِمَا أُحْدِثَ فِي الْجُمُعَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

    قلت [البنهاوي]: فالصحيح أن ما من استدلالٍ مرسلٍ لشيءٍ بكونه مصلحةً إلا وفي الشرع ما يدل عليه من حيث لم يعلمه من استدل بهذا الاستدلال المرسل.

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (١١/ ٣٤٤: ٣٤٥):
    وَالْقَوْلُ الْجَامِعُ أَنَّ الشَّرِيعَةَ لَا تُهْمِلُ مَصْلَحَةً قَطُّ، بَلْ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَكْمَلَ لَنَا الدِّينَ وَأَتَمَّ النِّعْمَةَ، فَمَا مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُ إلَى الْجَنَّةِ إلَّا وَقَدْ حَدَّثَنَا بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَنَا عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلِهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدَهُ إلَّا هَالِكٌ، لَكِنْ مَا اعْتَقَدَهُ الْعَقْلُ مَصْلَحَةً وَإِنْ كَانَ الشَّرْعُ لَمْ يَرِدْ بِهِ فَأَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ لَهُ:
    إمَّا أَنَّ الشَّرْعَ دَلَّ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ هَذَا النَّاظِرُ
    أَوْ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْلَحَةِ وَإِنْ اعْتَقَدَهُ مَصْلَحَةً.

    قلت [البنهاوي]: فبطل بذلك الاستدلال بكلام الشافعي على أن مراده به هو تقسيم البدعة الشرعية إلى بدعة ضلالة مذمومة، وبدعة حسنة غير مذمومة، إذ أن مراده كما فهمه البيهقي - وهو أعلم أصحاب الشافعي بالحديث وأنصرهم للشافعي - فهم أنه من باب المصالح المرسلة التي لم يقف فيها الشافعي على دليل معين، وتحتاج إلى تخريج على أصل من السنن والآثار.

    قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (٢٠/ ٤١):
    وَأَمَّا البيهقي فَكَانَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ مُنْتَصِرًا لَهُ فِي عَامَّةِ أَقْوَالِهِ.

    وقال في نفس المصدر السابق (٣٢/ ٢٤٠):
    وَالْبَيْهَقِي أَعْلَمُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ بِالْحَدِيثِ وَأَنْصَرُهُمْ لِلشَّافِعِيِّ.

    قال ابن عساكر في تبيين كذب المفتري (ص٢٦٦):
    سَمِعت الشَّيْخ أَبَا بكر مُحَمَّد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حبيب العامري بِبَغْدَادَ، يَقُول: سَمِعت من يَحْكِي عَن الإِمَام أَبِي الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ، أَنه قَالَ:
    مَا من شَافِعِيّ إِلَّا وَللشَّافِعِيّ عَلَيْهِ منَّة، إِلَّا أَحْمد الْبَيْهَقِيّ فَإِن لَهُ على الشَّافِعِي مِنَّة؛ لتصانيفه فِي نصْرَة مذْهبه وأقاويله، أَو كَمَا قَالَ.

    قلت [البنهاوي]: وقد ذكر أبو إسحاق الشاطبي الفرق بين البدعة الشرعية، والمصلحة المرسلة بكلام مفصل في كتابه الاعتصام (٣/ ٥: ٤٣/ط. دار ابن الجوزي)، فقال:

    الْبَابُ الثَّامِنُ

    فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْبِدَعِ وَالْمَصَالِحِ المرسلة والاستحسان

    هَذَا الْبَابُ يُضْطَرُّ إِلَى الْكَلَامِ فِيهِ عِنْدَ النَّظَرِ فِيمَا هُوَ بِدْعَةٌ وَمَا لَيْسَ بِبِدْعَةٍ؛ فإن كثيرًا من الناس عدُّوا أكثر صور الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ بِدَعًا، وَنَسَبُوهَا إِلَى الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَجَعَلُوهَا حُجَّةً فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ اخْتِرَاعِ الْعِبَادَاتِ.

    وَقَوْمٌ جَعَلُوا الْبِدَعَ تَنْقَسِمُ بِأَقْسَامِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ؛ فَقَالُوا: إِنَّ مِنْهَا مَا هُوَ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ، وعدُّوا مِنَ الْوَاجِبِ كَتْبَ الْمُصْحَفِ وَغَيْرِهِ، وَمِنَ الْمَنْدُوبِ الِاجْتِمَاعُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ.

    وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمَصَالِحَ الْمُرْسَلَةَ يَرْجِعُ مَعْنَاهَا إِلَى اعْتِبَارِ الْمُنَاسِبِ الَّذِي لَا يَشْهَدُ لَهُ أَصْلٌ مُعَيَّنٌ، فَلَيْسَ لَهُ عَلَى هَذَا شاهد شرعي على الخصوص، ولا كونه مناسبًا بِحَيْثُ إِذَا عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ تَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ. وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الْبِدَعِ الْمُسْتَحْسَنَ ةِ؛ فَإِنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى أُمُورٍ فِي الدِّينِ مَصْلَحِيَّةٍ ـ فِي زَعْمِ وَاضِعِيهَا ـ فِي الشَّرْعِ عَلَى الْخُصُوصِ.

    .......

    فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَوْضِعُ مَزَلَّةَ قَدَمٍ لِأَهْلِ الْبِدَعِ أَنْ يَسْتَدِلُّوا عَلَى بِدْعَتِهِمْ من جهته، كان من الْحَقِّ الْمُتَعَيَّنِ النَّظَرَ فِي مَنَاطِ الْغَلَطِ الْوَاقِعِ لِهَؤُلَاءِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَصَالِحَ الْمُرْسَلَةَ لَيْسَتْ مِنَ الْبِدَعِ فِي وِرْدٍ وَلَا صَدْرٍ، بِحَوْلِ الله، والله الموفق.

    فنقول: الْمَعْنَى الْمُنَاسِبُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ الْحُكْمُ لَا يخلو من ثلاثة أقسام:

    أَحَدُهَا: أَنْ يَشْهَدَ الشَّرْعُ بِقَبُولِهِ، فَلَا إِشْكَالَ فِي صِحَّتِهِ، وَلَا خِلَافَ فِي إِعْمَالِهِ، وَإِلَّا كان مناقضة للشريعة كشرعية الْقِصَاصِ حِفْظًا لِلنُّفُوسِ وَالْأَطْرَافِ وَغَيْرِهَا.

    وَالثَّانِي: مَا شَهِدَ الشَّرْعُ بِرَدِّهِ فَلَا سَبِيلَ إِلَى قَبُولِهِ، إِذِ الْمُنَاسَبَةُ لَا تَقْتَضِي الْحُكْمَ لِنَفْسِهَا، وَإِنَّمَا ذلك مذهب أهل التحسين والتقبيح الْعَقْلِيِّ، بَلْ إِذَا ظَهَرَ الْمَعْنَى وَفَهِمْنَا مِنَ الشَّرْعِ اعْتِبَارَهُ فِي اقْتِضَاءِ الْأَحْكَامِ، فَحِينَئِذٍ نَقْبَلُهُ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَصْلَحَةِ عِنْدَنَا: مَا فُهِمَ رِعَايَتُهُ فِي حَقِّ الْخَلْقِ مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَقِلُّ الْعَقْلُ بِدَرْكِهِ عَلَى حَالٍ، فَإِذَا لَمْ يَشْهَدِ الشَّرْعُ بِاعْتِبَارِ ذلك المعنى، بل برده كان مردودًا باتفاق المسلمين.

    .......

    القسم الثَّالِثُ: مَا سَكَتَتْ عَنْهُ الشَّوَاهِدُ الْخَاصَّةُ، فَلَمْ تَشْهَدْ بِاعْتِبَارِهِ وَلَا بِإِلْغَائِهِ، فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

    أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرِدَ نَصٌّ عَلَى وَفْقِ ذَلِكَ المعنى، كتعليل منع القاتل الميراث بالمعاملة بِنَقِيضِ الْمَقْصُودِ - عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَمْ يَرِدْ نَصٌّ عَلَى وَفْقِهِ -، فَإِنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ لَا عَهْدَ بِهَا فِي تَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ بِالْفَرْضِ وَلَا تلائمها بِحَيْثُ يُوجَدُ لَهَا جِنْسٌ مُعْتَبَرٌ، فَلَا يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهَا، وَلَا بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا بِاتِّفَاقٍ، وَمِثْلُ هَذَا تَشْرِيعٌ مِنَ الْقَائِلِ بِهِ فَلَا يمكن قبوله.

    وَالثَّانِي: أَنْ يُلَائِمَ تَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ، وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ لِذَلِكَ الْمَعْنَى جِنْسٌ اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ فِي الْجُمْلَةِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ مُعَيَّنٍ، وَهُوَ الِاسْتِدْلَالُ الْمُرْسَلُ الْمُسَمَّى بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ.

    وَلَا بُدَّ مِنْ بَسْطِهِ بالأمثلة حتى يتبين وجهه بحول الله تعالى.

    ولنقتصر على عشرة أمثلة:

    .......

    فَصْلٌ

    فَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ عَشَرَةٌ تُوَضِّحُ لَكَ الْوَجْهَ الْعَمَلِيَّ فِي الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ، وَتُبَيِّنُ لَكَ اعْتِبَارَ أُمُورٍ:

    أَحَدُهَا: الْمُلَاءَمَةُ لِمَقَاصِدِ الشَّرْعِ بِحَيْثُ لَا تُنَافِي أَصْلًا مِنْ أُصُولِهِ، وَلَا دَلِيلًا مِنْ أدلته.

    والثاني: أَنَّ عَامَّةَ النَّظَرِ فِيهَا إِنَّمَا هُوَ فِيمَا عقل معناه وجرى على ذوق المناسبات المعقولة المعنى الَّتِي إِذَا عُرِضَتْ عَلَى الْعُقُولِ تَلَقَّتْهَا بِالْقَبُولِ، فَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِي التَّعَبُّدَاتِ ، وَلَا مَا جَرَى مَجْرَاهَا مِنَ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ، لِأَنَّ عَامَّةَ التَّعَبُّدَاتِ لَا يُعْقَلُ لَهَا مَعْنًى عَلَى التَّفْصِيلِ، كَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ فِي زَمَانٍ مَخْصُوصٍ دُونَ غيره، والحج، ونحو ذلك.

    .......

    والثالث: أَنَّ حَاصِلَ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ يَرْجِعُ إِلَى حِفْظِ أَمْرٍ ضَرُورِيٍّ، وَرَفْعِ حَرَجٍ لَازِمٍ فِي الدِّينِ، وأيضًا فرجوعها إلى حفظ الضروري من بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهِيَ إِذًا مِنَ الْوَسَائِلِ لَا مِنَ الْمَقَاصِدِ، وَرُجُوعُهَا إِلَى رَفْعِ الْحَرَجِ رَاجِعٌ إِلَى بَابِ التَّخْفِيفِ لَا إِلَى التَّشْدِيدِ.

    أَمَّا رُجُوعُهَا إِلَى ضَرُورِيٍّ فَقَدْ ظَهَرَ مِنَ الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُورَةِ.

    وَكَذَلِكَ رُجُوعُهَا إِلَى رَفْعِ حَرَجٍ لَازِمٍ، وَهُوَ إِمَّا لَاحِقٌ بِالضَّرُورِيِّ ، وَإِمَّا مِنَ الْحَاجِيِّ، وَعَلَى كُلِّ تقدير فليس فيها ما يرجع إلى التحسين وَالتَّزْيِينِ الْبَتَّةَ.

    .......

    إِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ، عُلِمَ أَنَّ الْبِدَعَ كَالْمُضَادَّةِ لِلْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ، لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ مَا عُقِلَ مَعْنَاهُ عَلَى التَّفْصِيلِ، وَالتَّعَبُّدَا تُ مِنْ حَقِيقَتِهَا أَنْ لَا يُعْقَلَ مَعْنَاهَا عَلَى التَّفْصِيلِ.

    .......

    فَإِذَا ثبت أن المصالح المرسلة ترجع إما إِلَى حِفْظِ ضَرُورِيٍّ مِنْ بَابِ الْوَسَائِلِ أَوْ إِلَى التَّخْفِيفِ، فَلَا يُمْكِنُ إِحْدَاثُ الْبِدَعِ مِنْ جِهَتِهَا وَلَا الزِّيَادَةُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ ، لِأَنَّ الْبِدَعَ من باب المقاصد لا مِنْ بَابِ الْوَسَائِلِ، لِأَنَّهَا مُتَعَبَّدٌ بِهَا بِالْفَرْضِ، ولأنها زيادة في التكليف، وهو مضاد لِلتَّخْفِيفِ.

    فَحَصَلَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنْ لَا تَعَلُّقَ لِلْمُبْتَدِعِ بِبَابِ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ إِلَّا الْقِسْمَ الْمُلْغَى بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَحَسْبُكَ بِهِ مُتَعَلِّقًا، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

    وَبِذَلِكَ كُلِّهِ يُعْلَمُ مِنْ قَصْدِ الشَّارِعِ أَنَّهُ لَمْ يَكِلْ شَيْئًا مِنَ التَّعَبُّدَاتِ إِلَى آرَاءِ الْعِبَادِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْوُقُوفُ عِنْدَ مَا حَدَّهُ، وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ؛ كَمَا أَنَّ النُّقْصَانَ مِنْهُ بِدْعَةٌ، وَقَدْ مَرَّ لَهُمَا أَمْثِلَةٌ كثيرة وستأتي أخرٌ، في أثناء الكتاب بحول الله.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •