يقول شيخ الإسلام في "المجموع" (,3130/13): وكانت البدع الأولى مثل "بدعة الخوارج" إنما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه، فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب، إذا كان المؤمن هو البر التقي. قالوا: فمن لم يكن براً تقياً، فهو كافر، وهو مخلد في النار.ثم قالوا: وعثمان وعلي ومن والاهما ليسوا بمؤمنين، لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله، فكانت بدعتهم لها مقدمتان:
(الواحدة): ان من خالف القرآن بعمل أو برأي اخطأ فيه، فهو كافر.(والثانية): ان عثمان وعليا ومن والاهما كانوا كذلك.
ولهذا يجب الاحتراز من تكفير المسلمين بالذنوب والخطايا، فإنه أول بدعة ظهرت في الإسلام، فكفر أهلها المسلمين، واستحلوا دمائهم وأموالهم، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث صحيحة في ذمهم الأمر بقتالهم، أ. ه - قال رحمهُ اللهُ:
" أول البدع ظهورًا في الإسلام، وأظهرها ذَمًّا في السنة والآثار: بدعة الحرورية المارقة؛ فإن أولهم قال للنبي صلى الله عليه وسلم في وجهه: اعدل يا محمد، فإنك لم تعدل، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم وقتالهم، وقاتلهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع أمير المؤمنين على بن أبي طالب.
والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مستفيضة بوصفهم وذمهم والأمر بقتالهم. قال أحمد بن حنبل: صَحَّ الحديث في الخوارج من عشرة أوجه، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «يَحْقرُ أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرَّمِيَّة، أينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرًا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة».
ولهم خاصتان مشهورتان فارقوا بهما جماعة المسلمين وأئمتهم:
أحدهما: خروجهم عن السنة، وجعلهم ما ليس بسيئة سيئة، أو ما ليس بحسنة حسنة، وهذا هو الذي أظهروه في وجه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال له ذو الخُوَيْصِرَة التميمي: اعدل فإنك لم تعدل، حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم : «ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل؟ لقد خبتُ وخسرتُ إن لم أعدل». فقوله: فإنك لم تعدل جعل منه لفعل النبي صلى الله عليه وسلم سفهًا وترك عدل، وقوله: اعدل أمر له بما اعتقده هو حسنة من القسمة التي لا تصلح، وهذا الوصف تشترك فيه البدع المخالفة للسنة، فقائلها لابد أن يثبت ما نفته السنة وينفي ما أثبتته السنة، ويحسن ما قبحته السنة أو يقبح ما حسنت السنة، وإلا لم يكن بدعة، وهذا القدر قد يقع من بعض أهل العلم خطأ في بعض المسائل، لكن أهل البدع يخالفون السنة الظاهرة المعلومة.
والخوارج جوزوا على الرسول نفسه أن يجور ويضل في سنته، ولم يوجبوا طاعته ومتابعته، وإنما صدقوه فيما بلغه من القرآن دون ما شرعه من السنة التي تخالف بزعمهم ظاهر القرآن.
وغالب أهل البدع غير الخوارج يتابعونهم في الحقيقة على هذا؛ فإنهم يرون أن الرسول لو قال بخلاف مقالتهم لما اتبعوه، كما يحكى عن عمرو بن عبيد في حديث الصادق المصدوق، وإنما يدفعون عن نفوسهم الحجة؛ إما برد النقل، وإما بتأويل المنقول، فيطعنون تارة في الإسناد وتارة في المتن، وإلا فهم ليسوا متبعين ولا مؤتمين بحقيقة السنة التي جاء بها الرسول، بل ولا بحقيقة القرآن.
الفرق الثاني في الخوارج وأهل البدع: أنهم يكفرون بالذنوب والسيئات. ويترتب على تكفيرهم بالذنوب استحلال دماء المسلمين وأموالهم، وأن دار الإسلام دار حرب، ودارهم هي دار الإيمان. وكذلك يقول جمهور الرافضة، وجمهور المعتزلة، والجهمية، وطائفة من غلاة المنتسبة إلى أهل الحديث والفقه ومتكلميهم. فهذا أصل البدع التي ثبت بنص سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف أنها بدعة، وهو جعل العفو سيئة وجعل السيئة كفرًا.-الإيمان" الفتاوى (19/ 73)
-ثم بين -رحمه الله- ما يتولد من هذين الأصلين الخبيثين، فقال: (فينبغي للمسلم ان يحذر من هذين الأصلين الخبيثين، وما يتولد عنهما من بغض المسلمين وذمهم ولعنهم واستحلال دمائهم وأموالهم. وهذان الأصلان هما خلاف السنة والجماعة، فمن خالف السنة فيما أتت به أو شرعته، فهو مبدع خارج عن السنة، ومن كفر المسلمين بما رآه ذنبا، سواء كان ديناً أو لم يكن ديناً وعاملهم معاملة الكفار، فهو مفارق للجماعة وعامة البدع والأهواء إنما تنشأ من هذين الأصلين --------------------------------------------قلت: وقد تجتمع في الرجل أكثر من بدعة، بل قد تجد التكفير بغير مكفر في المرجئة، وطائفة ممن يرون الإيمان هو التصديق، ولا يكفر إلا بالجحود؛ تراه يكفر أهل السنة المثبتة للصفات، بحجة التجسيم!لكن بدعة الإرجاء غطت على غلوهم، وهذا حال سائر الطوائف --------------يقول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في (المجموع) (355/3):
(وإذا عرف أصل البدع، فأصل قول الخوارج أنهم يكفرون بالذنب، ويعتقدون ذنباً ما ليس بذنب، ويرون اتباع الكتاب دون السنة التي تخالف ظاهر الكتاب. وان كانت متواترة، ويكفرون من خالفهم، ويستحلون منه لارتداده عندهم مالا يستحلونه من الكافر الأصلي، كما قال صلى الله عليه وسلم فيهم: (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل والأوثان) ولهذا كفروا عثمان وعليا وشيعتهما، وكفروا أهل صفين - الطائفتين - في نحو ذلك من المقالات الخبيثة) أ.ه-- ---------------------------------قال رحمه الله في "المجموع" (73/19): "والخوارج جوزوا على الرسول نفسه ان يجور ويضل في سنه، ولم يوجبوا طاعته ومتابعته، وإنما صدقوه فيما بلغه من القرآن دون ما شرعه من السنة التي تخالف -بزعمهم- ظاهر القرآن".الأمر الثاني: تفسير القرآن بفهمهم وآرائهم: لم يقف الأمر عند اتباع القرآن دون اتباع السنة فحسب، بل تعداه إلى تفسير القرآن بفهمهم وآرائهم وأهوائهم، لا سيما نصوص الوعيد، حيث غلطوا في فهمها.
وايضاً فالخوارج كانوا يتبعون القرآن بمقتضي فهمهم، وهؤلاء انما يتبعون الامام المعصوم عندهم الذي لا وجود له، فمستند الخوارج خير من مستندهم وقال ايضاً في "المجموع" ( 491/28): "وايضاً فإن الخوارج كانوا ينتحلون اتباع القرآن بآرائهم، ويدعون اتباع السنن التي يزعمون انها تخالف القرآن، والرافضة تنتحل اتباع اهل البيت، وتزعم ان فيهم المعصوم الذي لا يخفى عليه شيء من العلم ولا يخطئ لا عمداً ولا سهواً ولا رشداً -- -----------------------------------
يقول شيخ الاسلام -رحمه الله تعالى- في "المجموع" (48/13- 49): "(والخوارج) لا يتمسكون من السنة إلا بما فسر مجملها دون ما خالف ظاهر القرآن عندهم، فلا يرجمون الزاني، ولا يرون للسرقة نصاباً، وحينئذ فقد يقولون: ليس في القرآن قتل المرتد، فقد يكون المرتد عندهم نوعين.و(أقوال الخوارج) انما عرفناها من نقل الناس عنهم لم نقف لهم على كتاب مصنف، كما وقفنا على كتب المعتزلة والرافضة، والزيدية، والكرامية، والاشعرية، والسالمية، واهل المذاهب الاربعة، والظاهرية، ومذاهب اهل الحديث، والفلاسفة، والصوفية، ونحو هؤلاء.
المحور الرابع: منشأ الغلط عند الخوارج (مسوغات بدعتهم):-----------------------------------------يقول شيخ الاسلام في "المجموع" (110/20- 111):"مثال ذلك: ان الوعيدية من الخوارج وغيرهم فيما يعظمونه من امر المعاصي والنهي عنها، واتباع القرآن وتعظيمه احسنوا، لكن انما اتوا من جهة عدم اتباعهم للسنة، وايمانهم بما دلت عليه من الرحمة للمؤمن وان كان ذا كبيرة -قال شيخ الإسلام في "المجموع" (35/69-70): "وأهل الضلال يجعلون الخطأ والإثم متلازمين: فتارة يغلون فيهم؛ ويقولون: إنهم معصومون. وتارة يجفون عنهم؛ ويقولون: إنهم باغون بالخطأ، وأهل العلم والإيمان لا يعصمون، ولا يؤثمون.
ومن هذا الباب تولد كثير من فرق أهل البدع والضلال. فطائفة سبت السلف ولعنتهم؛ لاعتقادهم أنهم فعلوا ذنوباً، وأن من فعلها يستحق اللعنة؛ بل قد يفسقونهم؛ أو يكفرونهم، كما فعلت الخوارج الذين كفروا علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان، ومن تولاهما، ولعنوهم وسبوهم، واستحلوا قتالهم " ---------------------------------------- يقول شيخ الإسلام: "وهؤلاء خرجوا على عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقتل الذين قاتلوه جميعهم مع كثرة صومهم وصلاتهم وقراءتهم، فأخرجوا عن السنة والجماعة وهم قوم لهم عناء وورع وزهد لكن بغير علم فاقتضى ذلك عندهم أن العطاء لا يكون إلا لذوي الحاجات، وأن إعطاء السادة المطاعين الأغنياء لا يصلح لغير الله بزعمهم، وهذا من جهلهم فإنما العطاء إنما هو بحسب مصلحة دين الله، فكلما كان لله أطوع ولدين الله أنفع كان العطاء فيه أولى، وعطاء محتاج إليه في إقامة الدين وقمع أعدائه وإظهاره وإعلائه أعظم من إعطاء من لا يكون كذلك، وإن كان الثاني أحوج" الكبرى(4/ 228) ------------------------------يقول شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (28/128) –: " والفريق الثاني: من يريد أن يأمر وينهى إما بلسانه وإما بيده مطلقاً؛ من غير فقه وحلم وصبر ونظر فيما يصلح من ذلك وما لا يصلح، وما يقدر عليه وما لا يقدر فيأتي بالأمر والنهي معتقداً أنه مطيع في ذلك لله ورسوله وهو معتد في حدوده؛ كما انتصب كثير من أهل البدع والأهواء؛ كالخوارج والمعتزلة والرافضة، وغيرهم ممن غلط فيما أنه من الأمر والنهي والجهاد على ذلك، وكان فساده أعظم من صلاحه؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على جور الأئمة؛ ونهى عن قتالهم ما أقاموا الصلاة، وقال: "أدوا إليهم حقوقهم، وسلوا الله حقوقكم".
وقد بسطنا القول في ذلك في غير هذا الموضع" أ.هـ--------------
قال شيخ الاسلام -رحمه الله- في "مجموع الفتاوى " (356/13): فالذين اخطأوا في الدليل والمدلول -مثل طوائف من اهل البدع- اعتقدوا مذهباً يخالف الحق الذي عليه الامة الوسط الذين لا يجتمعون على ضلاله كسلف الامة وائمتها، وعمدوا الى القرآن، فتأولوه على آرائهم:
تارة يستدلون بآيات على مذهبهم ولا دلالة فيها، وتارة يتأولون ما يخالف مذهبهم بما يحرفون به الكلم عن مواضعه ومن هؤلاء فرق الخوارج، والرافضة، والجهمية، والمعتزلة، والقدرية، والمرجئة، وغيرهم