مسرح شوقي والأدب المقارن 1
د. إبراهيم عوض
أما شكسبير فيصورها، حسبما كتب صاحب المادة الخاصة بها في الموسوعة المشباكية الحرة: "الويكيبيديا"، امرأة مغرورة متصنعة، تستثير الضيق والاحتقار، متهالكة لا تعرف الوفاء ولا ترعى العهود؛ فهي تخون أنطونيو في الحب وفي الحرب على السواء؛ إذ ما إن يأتيها رسول أوكتافيوس ليبلغها رسالة ذلك القائد خصم أنطونيو التي يطلب فيها منها أن تسلمه أنطونيو حتى تنسى أنطونيو وتشرع في مغازلة الرسول، كما أنها قد تخلت عنه في ميدان القتال مرتين، وانسحبت بسفنها تاركة إياه يواجه عدوه وحده رغم ما كان بينها من اتفاق بأن يحارباه معًا، وعزم أنطونيو على أن ينتقم منها لتلك الخيانة ويقتل تلك المصرية الدنسة، كما جاء في المسرحية، إلا أنها تشيع أنها قد انتحرت، وأن اسمه كان آخر ما تلفظت به، وذلك بغية استحثاثه على الإسراع إليها والترامي على عتباتها بحبه القديم، إلا أن خطتها فشلت بانتحار أنطونيو حزنًا عليها، أما في مسرحية شوقي فالمسؤول عن إشاعة الانتحار هو الطبيب لا كليوباترة، وقد أراد أمير الشعراء إبراءها من تهمة دفع أنطونيو إلى الانتحار.
ولقد أشرنا من قبل إلى ما كتبه صاحب النظرات التحليلية الملحقة بمسرحية شوقي من أن الصورة السئية التي اشتهرت لكليوباترة سببها ما كتبه المؤلفون الرومان عنها بعد هزيمتها، وبالذات بلوتارك، ويا ويل التاريخ من أقلام المنتصرين! ومعروف أن شكسبير إنما اعتمد في صياغة مسرحيته على ما كتبه بلولتارك عن كليوباترة في كتابه: "Lives of rhe noble Grwciams and Romams Compared Together"، وهذا هو السبب في اختلاف النظرتين إلى تلك المرأة؛ فقد أراد شوقي أن يقدم للقراء والمشاهدين كليوباترة أخرى غير التي كتب عنها بلوتارك وأمثاله من المؤلفين الرومان، فرسم صورة ملكة مصرية تحب بلادها، وتعمل بكل سبيل لمصلحتها، وتضحي بنفسها في سبل رفعتها، وهو لا يستند في هذا الموقف إلى شيء سوى رغبته في تقديم صورة مغايرة للملكة البطليموسية؛ إذ ليس فيما بين أيدينا من الكتابات التاريخية ما يقول شيئًا من هذا، ولو على سبيل التلميح (انظر "النظرات التحليلية" في نهاية مسرحية "مصرع كليوباترة"/ 118 - 121).
أما شكسبير فلم تشغله مسألة الدفاع عن كليوباترة على الإطلاق، بل رأيناه يرسم لها صورة امرأة غادرة لا تبالي بمبدأ أو تحترم قيمة، وقد علق د. محمد غنيمي هلال على موقف كتَّاب الغرب الزاري على كليوباترة عازيًا إياه إلى أنهم كانوا يرون فيها صورة للعقلية الشرقية في نظرهم، التي تميل إلى لذة العيش ومتاعه والانتصار بالخديعة لا الجهد، وسلوك سبل المكر والحيلة، وأنهم طالما هاجموا الشرق فيها وهاجموا مصر في القديم (انظر كتابه: "الأدب المقارن"/ 312)، والعجيب أنها لم تكن مصرية، بل لم تكن شرقية البتة؛ إذ كانت من بلاد اليونان، فهي إذًا أوربية صرفة، وكان ينبغي أن يضعوا هذا في حسبانهم، لكنهم إنما كانوا يريدون الزراية على الشرق، وكأنهم طول تاريخهم ناس متحضرون ورَاقُون، وكأن الشرق كان على الدوام متخلفًا منحطًّا، وذلك رغم أنهم، إلى ما قبل عدة قرون، كانوا في غاية التخلف والتوحش والانحطاط، في الوقت الذي كنا فيه سادة لهم في مختلف مناحي الحضارة.
ولقد سماها أنطونيو بـ: "المصرية"؛ إذ قال: "إن هذه المصرية القذرة قد خانتني: "The foul Eguptian harh betrayed me"، لكن دون أن يدل هذا بالضرورة على أنها مصرية بالمعنى الذي قصده شوقي؛ إذ قد يكون كل المقصود هو الإشارة إلى أنها تعيش في مصر وتحكم المصريين، لا أنها تنتمي إليهم، ولقد عرفنا شكسبير بها في بداية المسرحية فقال: "ملكة مصر: "Clepatra، Queen of Egypt"، كما أنها هي أيضًا تسمي نفسها: "ملكة مصر: Egypts queeen"، وعلى نفس الشاكلة نسمع ألكساس يناديها بـ: "عاهلة مصر: Sovereign of Egypt"، وهذا كل ما نجده لدى شكسبير.
ومع هذا فمن الغريب في مسرحية الشاعر الإنجليزي أن كليوباترة التي قُدمت لنا بوصفها امرأة لا تبالي بأية قيمة كريمة، تؤثر أن تقتل نفسها على أن تستسلم لأوكتافيو؛ كيلا يذلها بعَرضها أسيرة في موكبه الانتصاري في روما، وأغرب منه كثيرًا أن يصورها شكسبير في موتها سعيدة رغم أنها ماتت في المسرحية بلدغة صِلٍّ مصري، فهل يمكن أن يستعلي المنتحر بهذه السهولة على آلام السم البشعة التي لا تحتمل، ويموت ميتة نشوى كما جاء في مسرحية شكسبير، فضلًا عن أن يكون ذلك المنتحر هو كليوباترة الملكة المترفة التي لم تتعود تحمل الآلام قط؟ وهذا ما صنعه شوقي أيضًا؛ فقد أنطقها، عقب لدغ الأفعى لها في صدرها، بأبيات تخاطب فيها وصيفتيها اللتين كانتا حاضرتين تنفيذ الانتحار، وتشف عن فرح خالص لا شائبة فيه، ويؤكد هذا ما قاله في نفس المعنى الكاهن أبوبيس حين رآها عقب موتها بسم الصل، فهل هذا كله توارد خواطر؟ أم هل تأثر شوقي بمسرحية نظيره الإنجليزي؟
فإذا ما عدنا إلى ما أراد شوقي إقناعنا به من أن كليوباترة إنما كان يحركها حبها لمصر لا رغبتها في الرجال والعبث بألبابهم، رأينا أمير الشعراء العرب لا يعُدُّ تركها أنطونيو في المعركة يواجه غريميه وحده خيانة وغدرًا، بل سياسة تستهدف مصلحة مصر، وهو ما كتبه صاحب النظرات التحليلية في ذلك الموضوع (ص142 - 147)، ولقد كانت كليوباترة في مسرحية شوقي تتوقع ما سوف يقال عنها بعد مماتها حسبما تذكر هي ذلك تفصيلاً وفي وضوح تام يخلو تمامًا من أية غمغمة في أواخر المسرحية.
كذلك من الغريب أن ينقلب أوكتافيو، الذي كان قد أغراها من قبل بالتخلي عن أنطونيو في الحرب وإسلامه إياه له، فيمجدها هي وأنطونيو، ويأمر بدفنهما في قبر واحد قائلاً: إنه ليس ثمة قبر في الدنيا يضم مثل هذين الحبيبين، فضلًا عن أن يتم الدفن بمراسم رسمية تكريمية، كما هو الأمر في المسرحية الشكسبيرية، وبالمثل نرى أوكتافيو في مسرحية شوقي يغير موقفه من أنطونيو فور تحققه من موته، ويشرع في تمجيده ووصفه بكل كريم من الفعال، ومرة أخرى هل كان هذا توارد خواطر بين الشاعرين الكبيرين؟ أم هل كان شوقي يجري في أعقاب الشاعر الإنجليزي، الذي قرأ مسرحيته قبل أن يضع هو "مصرع كليوباترة"؟
وبالإضافة إلى هذه الملاحظات التي قمنا بها يذكر د. محمد غنيمي هلال ملاحظات أخرى، منها: أن شوقي في مشهد الوليمة، وهو يشغل معظم الفصل الثاني من مسرحيته، قد تأثر بشكسبير، الذي جعل جوها كله مرحًا وشرابًا ورقصًا، وإن اختلف زمان الوليمة ومكانها بين المسرحيتين: فعلى حين نجدها في مسرحية شكسبير مصنوعة في إيطاليا فوق ظهر سفينة، فإنها في مسرحية شوقي قد صنعت في الإسكندرية في قصر كليوباترة، كذلك نسمع أحد الجنود الرومان ينال من الملكة واصفًا إياها بـ: "البغي"؛ لما تلفظت به من إهانة لروما، وهو ما نجده أيضًا في مسرحية الشاعر الإنجليزي؛ إذ يدعوها أحدهم في الفصل السادس والسابع من تلك المسرحية: "بغيًّا"، وللوليمة، كما ذكر د. هلال، أصل فيما سجله قلم بلوتارك في كتابه المعروف (انظر د. محمد غنيمي هلال/ الأدب المقارن/ دار نهضة مصر/ 344 - 350).
وهناك فرق آخر، وهو أن شكسبير قد وسع رقعة مسرحيته بحيث شملت مصر وروما معًا، أما شوقي فقد اقتصرت جغرافية مسرحيته على مصر وحدها، وبالتحديد على الإسكندرية وأرباضها، ولا أظن السبب في هذا تمسك شوقي بوحدة المكان المقننة في المسرح الكلاسيكي، كما يقول بعض من كتبوا عن هذه المسرحية؛ إذ إنه لم يتقيد في أي من مسرحياته عمومًا بالوحدات الثلاث على ما هو معروف، ولو كان يتقيد بهذه الوحدات لحصر أحداث مسرحيته هذه في أربع وعشرين ساعة، ولكنه مطها أطول من ذلك فغطت الأيام التي تشمل وقعة أكتيوم البحرية بين أنطونيو وكليوباترة وبين أوكتافيو وما تلا ذلك، وصولاً إلى انتحارها.
أما بالنسبة إلى المناظر التي أبدع فيها شوقي شعرًا يمكن تحويله إلى قصائد غنائية شجية مستقلة إذا أحببنا، وهو ما فعله في بعض الأحيان محمد عبدالوهاب، فليس له نظير في مسرحية شكسبير، التي تخلو تمامًا من مثل تلك القصائد الغنائية، بل إن المسرحية كلها قد صِيغت بأسلوب الشعر المرسل؛ أي: الشِّعر الموزون غير المقفى.
هذا، وقد كتب الناقد الإنجليزي وليم هازلت عن المسرحية قائلاً:
"This is a vety noble play، Though not in the forst class of shakespaeres productions، it stands next to then، and is، we think، the fimest of hisl historical plays، thtis، of those in which he made poetry the organ of history"، إلا أن د. جمال الدين الرمادي قد ترجم حكم هازلت على المسرحية الشكسبيرية على النحو التالي: "إن مسرحية شكسبير: "أنطوني وكليوباترة" لتعد في المرتبة الأولى من إنتاج شكسبير..." (د.جمال الدين الرمادي/ مسرحية كليوباترة بين الأدب العربي والأدب الإنجليزي/ دار الفكر العربي/ 25) رغم أن الناقد الإنجليزي لم يقل كذلك، بل قال، كما هو بين تمامًا من النص الإنجليزي الذي أمامنا، إنها، وإن لم تأتِ في المرتبة الأولى بين مسرحيات الشاعر، تجيء تالية لها، لكن الدكتور الركادي سها، فيما يبدو، ولم يتحرز تحرز هازلت.
وبتلك المناسبة نشير إلى ما يذكره التاريخ من أن أستاذ الأدب الإنجليزي في الجامعة المصرية في ثلاثينيات القرن الماضي قد حاول أن ينال من اللغة العربية أمام طلبته المصريين قائلاً: إنها لا يمكن أن تتسع للإبداع المسرحي الشعري؛ نظرًا لما يلتزم به شعرها من قيود الوزن والقافية، فما كان من الطالب علي أحمد باكثير إلا أن أتاه في اليوم التالي وقد ترجم في أسلوب شعري، ولكن دون التقيد بالوزن والقافية على النحو القديم، بل بطريقة ما صار يسمى بعد ذلك بـ: "الشعر الجديد" أو "شعر التفعيلة"، بعض مشاهد من المسرحية التي كانوا يدرسونها أوانذاك مع هذا الأستاذ لوليم شكسبير.
كذلك لا ينبغي أن يفوتنا دلالة العنوان في كل من المسرحيتين: فمسرحية شوقي تسمى: "مصرع كليوباترة"، أما شكسبير فأعطى مسرحيته عنوان "أنطونيو وكليوباترة"، وواضح أن التركيز في مسرحية شوقي على كليوباترة، وهذا صحيح؛ إذ المسرحية تدور حول تلك المرأة التي لعبت بألباب ثلاثة من قادة روما الكبار، أما باقي أبطال المسرحية فيأتون في المركز الثاني، على عكس مسرحية شكسبير؛ إذ كان تركيزها على أنطوينو، الذي أتى اسمه في العنوان قبل اسم كليوباترة، علاوة على أنه هو وحده الذي ورد ذكره في المسرحية من بين من أرادت كليوباترة أن توقعهم في عشقها.
.. ولقد لاحظت في "مصرع كليوباترة" أن أنوبيس الكاهن يحلف بإيزيس بوصفها إلهة يقسم باسمها، وهو ما لاحظته أيضًا في مسرحية شكسبير؛ إذ كان يتم القسم فيها بإيزيس كذلك، فهل تم ذلك عند شوقي عفوًا وتوارد خواطر ليس إلا؟ أم هل أخذها عن شكسبير حتى لو كان تأثرًا دون قصد واعٍ؟ من الصعب علي أن أتصور شوقي لا يخطر على باله من آلهة مصر القديمة إلا إيزيس، وبالذات بالنسبة إلى عصر كليوباترة غير المصرية من جهة، والمتأخر كثيرًا جدًّا جدًّا عن عصر إيزيس وأوزيريس من جهة أخرى، وبخاصة أن المصريين القدماء كان لهم آلهة متعددة، ولم تكن إيزيس أشهرهم، ولا من أشهرهم، بل إن الوعي بألوهيتها عند الناس بوجه عام ليس حاضرًا، ولو كان شوقي قد استبدل رع بها مثلًا لما بدا الأمر غريبًا على الإطلاق، ومن هنا نجد برنارد شو في مسرحيته عن كليوباترة: "Caesar and Cleopatr" يأتي بالإله رع في أول المسرحية كي يلقي على الجمهور خطبة عصماء، وإن جاء ذكر إيزيس لدى ذلك الأيرلندي الساخر رغم هذا مرة، وذلك في قول فتاتاتيتا: "we shall see Whom Isis loeves best: her setvant Ftatateeta or a dog of a Roman".
كذلك نرى أنوبيس الكاهن في مسرحية شوقي يبتهل إلى إيزيس امتثالاً لأمر كليوباترة، التي طلبت منه الدخول إلى الهيكل والصلاة من أجلها، كما نسمعه في ختام مسرحية شوقي يبتهل أيضًا إليها، وبالمثل يجري على لسان كلوباترة اسمها أول ما رأت الأفاعي التي أطلعها عليها ذلك الكاهن حين صارحته بأنها تعتزم الانتحار وسألته عن أفضل وسيلة لذلك، كما جرى اسمها على لسان الكاهن جوابًا على طلب كليوباترة منه أن يكون مستعدًّا بالأفاعي عندما تقرر الانتحار فعلاً، كذلك نراها، حين تهم كليوباترة بتنفيذ الانتحار، تجثو أمام تمثال إيزيس وتأخذ في الابتهال إليها، وبالمثل نسمع كليوباترة، في مسرحية شكسبير، تقسم بها قائلة: "By Isis، I will jive thee bloodu teethe، If thou with Caesar paragon again My man of mem"، وتقول شيرميان في مسرحية شكسبير مبتهلة لإيزيس: "O، let him matty a woman that cannot go، sweet Isis، Ibeseech thee!"، و"Good Isis، hear me this prayer، though thou deny me a matter of more weight; good Isis، Ibesee thee!".
وكان بلوتارك قد ذكر، أثناء ترجمته لمارك أنطونيو في كتابه المذكور سابقًا، إيزيس عدة مرات، من بينها ما كتبه عن كليوباترة من أنها، خلال تتويجها على يد أنطونيو ملكة على مصر وغيرها، كانت ترتدي ملابس الإلهة إيزيس، وهذا هو نص ما قاله المؤرخ الإغريقي في الترجمة الإنجليزية التي أنجزها قلم الشاعر المعروف جون دريدان: "Cleopatra was then، as at other times when she appeared in public، dressed in the habit of the goddess Isis، and gave audience to the people under the mane of the New 2005، Annorared by Davide Trumbull and" "Isis Patreick McNamara"، وثم إشارة في الكتاب إلى وجود معبد لإيزيس: "the temple of Isis" في ذلك العصر، إلا أن مادة "Isis" في "معجم الآلهة والإلهات: "Dictionary of Gods and goddesses" (لمحرره Michaesl Jorden/ ط2/ 2004م) تحدد الفترة التي كانت تبعد فيها بأرض مصر بعام 2700 قبل الميلاد تقريبًا، وربما قبل ذلك، إلى العام 400 بعد الميلاد: "Eary dynasic period (crica 2700 BC) and jprobably earlier until the aend of Egyptioan history (circa AD 400)".
كذلك لاحظ النقاد أن كثيرًا من عبارات شكسبير في مسرحيته قد أخذها أخذًا مباشرًا من كتاب بلوتارك: "Lives of the Noble Greciand and Romans Comrared Together"، الذي اعتمد عليه في أحداث المسرحية ورسم شخصية كليوباترة، وهذا نص العبارة التي قرأتها في بعض المواقع عن مسرحية الشاعر الإنجليزي: "Large number of phrases taken directly from "lifes" of the Noble Gravians and Romans Compared Together translateon by sir theomas North - 1579".
أما شوقي فاقتبس من القرآن المجيد ومن الشعر العربي القديم جميعًا؛ كقوله:
يا سماء احفظي، ويا أرض صوني، أظهرت عطفها على زينون.
فالشطر الأول من البيت يذكرنا بقوة بقوله تعالى في سورة "هود": ﴿ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي ﴾ [هود: 44]، الذي استلهمه شوقي مع بعض التحويرات في السياق والتركيب والألفاظ، وكقول أنطونيوس:
جنود أكتاف، أدركوني يا ليتني مت قبل هذا.
فهو مأخوذ من قوله سبحانه على لسان العذراء مريم في السورة المسماة باسمها عليها وعلى ابنها ألف سلام: ﴿ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ﴾ [مريم: 23]، وكالبيت التالي:
لا ترى في المجال غير سبوح مقبل مدبر مكر مفر.
الجاري على نمط بيت امرئ القيس الشهير في معلقته:
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدبِرٍ معًا ♦♦♦ كجُلمودِ صخرٍ حطَّه السَّيلُ مِن عَلِ
وكالبيت التالي أيضًا:
اليوم شرب وغدًا حرب
وهو نفسه عبارة الملك الضليل حين جاءه نعي أبيه وهو يشرب الخمر، فكان المتوقع أن يترك ما هو فيه ويهب لأخذ ثأر أبيه، إلا أنه استمر في الشرب قائلاً قولته المشهورة: "اليوم خمر، وغدًا أمر"، فذهبت مثلًا، وفي الصفحة 84 وما بعدها من كتاب د. جمال الدين الرمادي: "مسرحية كليوباترة بين الأدب العربي والأدب الإنجليزي" يلفي القارئ شواهد أخرى غير قليلة، ويبقى ما قاله يسري عبدالغني من أن شوقي ينقل في مسرحيته عن شكسبير أحيانًا مشاهد كاملة، ولكن دون أن يورد على ما يقول شواهد تصدقه، فظل كلامه مجرد دعوى لا تستند إلى دليل يعضدها (انظر مقاله: "أثر المذاهب الأدبية الغربية على الأدب العربي الحديث - دعوة للمراجعة والتقييم" في "دنيا الوطن" الضوئية - قسم "الثقافة" بتاريخ 18/ 9/ 2008م).