محبة خلق الله -تعالى-









كتبه/ ياسر عبد التواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فهذا الحب الإلهي الذي تحدثنا عنه لا يتنافى مع محبة غير الله -تعالى-: كالوالدين، والزوجة، والولد، والأهل، والعشيرة، ما دامت هذه المحبة تابعة له، وغير مانعة له من النمو والسمو، والوصول إلى الكمال.

فمحبة الوالدين، والزوجة، والولد والعشيرة، فطرية ولصيقة بقلب الإنسان وعاطفته، وقد وصى الله -تعالى- بهؤلاء جميعًا فكيف يظن بعد ذلك أن يلام الإنسان على محبته لهم؛ قال -تعالى-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا) (الإسراء:23).

وقال -سبحانه-: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ... ) إلى أن قال: (آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا) (النساء:11).

وقال -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6).

فهو يقيم العلاقة الزوجية على أساس من المودة المشتركة بين الزوجين، والتي يظهر أثرها في التعاون والتعامل، وفي أسرة كل منهما.

قال -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21).

ويجعل الإسلام الولد من رياحين الله:

ففي تحفة الأحوذي: "قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الرَّيْحَانُ يُطْلَقُ عَلَى الرَّحْمَةِ وَالرِّزْقِ وَالرَّاحَةِ بِالرِّزْقِ سُمِّيَ الْوَلَدُ رَيْحَانًا اِنْتَهَى. وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ: وَيَجُوزُ إِرَادَةُ الرَّيْحَانِ الْمَشْمُومِ؛ لأَنَّهُمْ يُشَمُّونَ وَيُقَبَّلُونَ، وَهُوَ مِنْ بَابِ الرُّجُوعِ، ذَمَّهُمْ أَوَّلا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدْحِ أَيْ مَعَ كَوْنِهِمْ مَظِنَّةً أَنْ يَحْمِلُوا الآبَاءَ عَلَى الْبُخْلِ وَالْجُبْنِ عَنْ الْغَزْوِ، مِنْ رَيْحَانِ اللَّهِ أَيْ رِزْقِهِ اِنْتَهَى. وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ: وَجْهُ التَّشْبِيهِ أَنَّ الْوَلَدَ يُشَمُّ وَيُقَبَّلُ، فَكَأَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الرَّيَاحِينِ".

وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (أَو َأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ) (متفق عليه).

وهكذا يساير الإسلام الفطر، ويعطى كل ذي حق حقه، ويفتح القلب الإنساني لحب الله الذي لا حياة له إلا به؛ فمحبة الخلق ومحبة من أحسن إليك، ومن قرب منك، ومن صاحبك محمودة بكل حال إلا إذا صرفت الإنسان عن العلي الأعلى، وعوَّقته عن النهوض لخدمة دينه؛ فحينئذ يضحي بها من أجل الوصول إلى المثل الأعلى، وخدمة الدين.


فإن شئت أن تحيا سعيدًا فمت به شهيدًا وإلا فالغرام له أهل

فهذا هو الحب الذي سعد به المحبون، وشغلوا به عن كل ما سواه.