- يقول البوصيري: وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من لولاه لم تُخرج الدنيا من العدم
ولا يخفى ما في هذا البيت من الغلو الشنيع في حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث زعم البوصيري أن هذه الدنيا لم توجد إلا لأجله صلى الله عليه وسلم،
وقد قال سبحانه: ({ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ})[الذاريات:56].
2- قال البوصيري: فاق النبيين في خَلق وفي خُلُق ولم يدانوه في علم ولا كرم
وكلهم من رسول الله ملتمس غرفاً من البحر أو رشفاً من الديم
أي: أن جميع الأنبياء السابقين قد نالوا والتمسوا من خاتم الأنبياء والرسل محمد صلى الله عليه وسلم فالسابق استفاد من اللاحق!
3- ثم قال: دع ما ادعته النصارى في نبيهم واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله منتقداً هذا البيت: ومن المعلوم أن أنواع الغلو كثيرة، والشرك بحر لا ساحل له، ولا ينحصر في قول النصارى؛ لأن الأمم أشركوا قبلهم بعبادة الأوثان وأهل الجاهلية كذلك، وليس فيهم من قال في إلهه ما قالت النصارى في المسيح -غالباً-: إنه الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة، بل كلهم معترفون أن آلهتهم ملك لله، لكن عبدوها معه لاعتقادهم أنها تشفع لهم أو تنفعهم فيحتج الجهلة المفتونون بهذه الأبيات على أن قوله في منظومته: دع ما ادعته النصارى في نبيهم مَخْلَصٌ من الغلو بهذا البيت، وهو قد فتح ببيته هذا باب الغلو والشرك لاعتقاده بجهله أن الغلو مقصور على هذه الأقوال الثلاثة.
4 - وقال أيضاً: لو ناسبت قدره آياته عِظماً أحيا اسمه حين يُدعى دارس الرمم
يقول بعض شرّاح هذه القصيدة: لو ناسبت آياته ومعجزاته عظم قدره عند الله تعالى وكل قربه وزلفاه عنده لكان من جملة تلك الآيات أن يحيي الله العظام الرفات ببركة اسمه وحرمة ذكره. 5- وقال أيضاً: لا طيب يعدل ترباً ضم أعظمه طوبى لمنتشق منه وملتثم
فقد جعل البوصيري التراب الذي دفنت فيه عظام رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب وأفضل مكان، وأن الجنة والدرجات العلى لمن استنشق هذا التراب أو قبَّله.
6- ثم قال: أقسمتُ بالقمر المنشق إنّ له من قلبه نسبةً مبرورة القسم
ومن المعلوم أن الحلف بغير الله تعالى من الشرك الأصغر.
7- قال البوصيري: ولا التمست غنى الدارين من يده إلا استلمت الندى من خير مستلم
فجعل البوصيري غنى الدارين مُلتَمساً من يد النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن الله عز وجل قال: (( ومَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ))[النحل:53].
8- قال البوصيري: فإن لي ذمة منه بتسميتي محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم
وهذا تخرُّص وكذب؛ فهل صارت له ذمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لمجرد أن اسمه موافق لاسمه ؟! فما أكثر الزنادقة والمنافقين في هذه الأمة قديماً وحديثاً الذين يتسمون بمحمد!
9- وقال البوصيري: إن لم يكن في معادي آخذاً بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم
والشاعر في هذا البيت ينزل الرسول منزلة رب العالمين؛ إذ مضمونه أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المسؤول لكشف أعظم الشدائد في اليوم الآخر.
10- وقال:
يا أكرم الرسل ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
يقول الشيخ سليمان بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعقيباً على هذا البيت: فتأمل ما في هذا البيت من الشرك: منها: أنه نفى أن يكون له ملاذ إذا حلت به الحوادث إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك إلا لله وحده لا شريك له، فهو الذي ليس للعباد ملاذ إلا هو. ومنها: أنه دعاه وناداه بالتضرع وإظهار الفاقة والاضطرار إليه، وسأل منه هذه المطالب التي لا تطلب إلا من الله، وذلك هو الشرك في الإلهية.
11- وقال البوصيري: ولن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلى باسم منتقم
قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: سؤاله منه أن يشفع له في قوله: ولن يضيق رسول الله... إلخ، هذا هو الذي أراده المشركون ممن عبدوهم وهو الجاه والشفاعة عند الله، وذلك هو الشرك، وأيضاً فإن الشفاعة لا تكون إلا بعد إذن الله فلا معنى لطلبها من غيره؛ فإن الله - تعالى - هو الذي يأذن للشافع أن يشفع لا أن الشافع يشفع ابتداءً.
12- وقال أيضاً: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
فجعل الدنيا والآخرة من عطاء النبي صلى الله عليه وسلم وإفضاله، والله سبحانه وتعالى يقول: {وإنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ والأُولَى} [الليل:13]. وقوله: ومن علومك علم اللوح والقلم. مضمون مقالته أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، وقد قال سبحانه: ({ قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ الغَيْبَ إلاَّ اللَّهُ })