قال الشيخ صالح ال الشيخ
هذه الكلمة هي كلمة التوحيد ولها ركنان :
النفي - والإثبات
النفي المستفاد من قوله لا إله ، والإثبات المستفاد من قوله إلا الله.
النفي نفي استحقاق العبادة عن كل أحد ، وإثبات استحقاق العبادة لله جل وعلا .
فركنا هذه الكلمة النفي والإثبات .
فمن نفى ولم يثبت لم يكن قد أتى بهذه الشهادة بهذه الكلمة على صحتها إذ أتى بركنٍ ولم يأتي بالثاني .
وكذلك من أثبت ولم ينف ، فإنه لم يأتي بما دلت عليه هذه الشهادة .
فلا بد أن يجتمع في حق الشاهد أنه ينفي استحقاق العبادة عن أحدٍ ، ويثبت استحقاق العبادة لله جل وعلا وحده دون ما سواه .
والمشركون كانوا يثبتون ولا ينفون .
يقولون إن الله جل جلاله مستحقٌ للعبادة ، فهو مستحقٌ لأن يُعبد ، لكنهم لا ينفون ، ولهذا لما قال النبي صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ لما قال لأبي طالب قل كلمة أحاج لك بها عند الله فأبى أن يقول ، فقال للمشركين ذلك ، فقالوا نقول عشر كلمات ، فلما قال لهم قولوا لا إله إلا الله أبوا ذلك لأنهم يعلمون أنه لا يصلح الإقرار بهذه الكلمة إلابالجمع بين بالنفي والإثبات وهم إنما يثبتون لله جل وعلا أنه معبود وأنه يُعبد لكن ينفون كونه جل وعلا أحداً في استحقاقه العبادة
قال سبحانه ?إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ {35} وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ? وقال جل وعلا في سورة ص مخبراً عن قولهم ?أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً?
وهذا هو الذي صنعه المشركون فيما بعدهم من مشركي هذه الأمة فإنهم أتوا بركنٍ من ركني كلمة التوحيد ألا وهو الإثبات .
قالوا إن الله جل جلاله مستحقٌ للعبادة لكن قالوا يمكن أن يكون معه من يستحق شيئاً من أنواع العبادة لكن لا على وجه الأصالة ولكن على وجه الواسطة.
وهذا من الأمور المهمة التي ينبغي العناية بها ، وهي أنَ كلمة التوحيد لها ركنان :
- ركن النفي- وركن الإثبات
أما معناها فإن معنى الإله في قوله لا إله هو المعبود عن محبةٍ وتعظيم .
لأن مادة أَلَهَ في اللغة التي جاء ت والتي جاء بها القرآن معناها العبادة .
ألهَ بمعنى عَبَدَ مع المحبة والتعظيم و الأُلُوهة العبادة مع المحبة والتعظيم .
فـ الإله هو المعبود مع المحبة والتعظيم .
ويدل له من قول العرب قول الشاعر في رجزه المشهور :
لله دَرُّ الغانيات المُدَّهي ...سبَّحْنَ وَاسْتَرْجَعْنَ من تَأَلُّهِ
يعني من عبادة وعليه قراءة ابن عباس في آية الأعراف في قوله تعالى (ويذرك وإلهتك) يعني وعبادتك .
فإذن معنى الإلهة و الألوهة في كلام العرب العبادة مع المحبة والتعظيم .
وهذا ينبئ ويثبت أن قول الأشاعرة والماتريدية والمتكلمين في معنى الإله أنه قولٌ باطل حيث انهم قالوا إن معنى الإله هو القادر على الاختراع .
الإله عند المتكلمين ومن حذا حذوهم ونحا نحوهم من الأشاعرة والماتريدية ونحوهم يقولون الإله هو القادر على الاختراع .
وهذا هو معنى الرب وأما الإله فليس فيه معنى الخلق ولا القدرة على الخلق ولا القدرة على الاختراع وإنما فيه معنى العبادة .
ويقول آخرون من الأشاعرة والماتريدية ونحوهم إن الإله هو المستغني عما سواه المفتقر إليه ما عداه كما قالها السنوسي في عقيدته المشهورة التي يسميها أصحابها أم البراهين يقول فيها ما نصه :
يقول (فالإله هو المستغني عما سواه المفتقر إليه كل ما عداه ، فمعنى لا إله إلا الله ..... لا مستغنياً عما سواه ولا مفتقراً إليه كل ما عداه إلا الله) .
ففسر الألوهية بالربوبية ، وهذا من مناهج المتكلمين ومن عقيدة أهل الكلام إذ أنهم يفسرون الإله بالرب.
يفسرون الألوهية بالربوبية ، وعلى هذا - عندهم - من اتخذ مع الله جل وعلا إلهاً آخر يعبده يرجوه يخافه يدعوه يستغيث به ينذر له يذبح له فإنه لا يكفر بذلك عندهم - لأنه لم يخالف ما دلت عليه كلمة التوحيد إذا كان معتقداً - عندهم - بأن الله جل وعلا هو المتفرد وحده بالقدرة على الاختراع وبالاستغناء عما سواه وبافتقار كل شيء إليه جل وعلا .
فإذن معنى لا إله ليس معناها الربوبية ، وإنما معناها لا معبود ، وخبر لا النافية للجنس محذوف .
والعرب تحذف خبر لا النافية للجنس إذا كان المراد مع حذفه ظاهراً واضحاً لا إشكال فيه .
وهذا على ما قال ابن مالك - رحمه الله - في الألفية يقول :
وشاع في ذا الباب (يعني باب لا النافية للجنس) :
وشاع في ذا الباب إسقاط الخبر ....إذا المراد مع سقوطه ظهر
وهنا في قوله لا إله إلا الله ، ما خبر لا ؟
لم يُذكر لأنه معروف .
لأن المعركة بين الرسول صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ ومن بُعِثَ إليهم كانت معروفة أنها لم تكن في نفي آلهة موجودة ، وإنما كانت في نفي استحقاق شيء من هذه الآلهة للعبادة .
ولهذا قَدَّرَ أهل العلم الخبر المحذوف بأنه كلمة حق .
لا إله حقٌ إلا الله ، أو لا معبود بحقٍّ إلا الله .
ومعنى ذلك أن كل معبودٍ سوى الله جل وعلا فإنه معبودٌ بغير الحقِّ ، معبود بالباطل بالبغي بالظلم بالعدوان ليس بحق ، وإنما المعبود بحق هو الله جل وعلا .
ثم قال إلا الله و إلا هذه إما أن تكون أداة حصر ، وإما أن تكون أداة استثناء ملغاة .
ولفظ الجلالة بعدها بدل من لا مع اسمها لأنه في محل رفع بالابتداء .
تحقيق لا إله إلا الله بألا يعبد إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله وشهد بها يحققها إذا لم يعبد إلا الله جل وعلا .
لم يتوجه بشيءٍ من أنواع العبادة إلا إلى الله جل وعلا .
لهذا نقول تحقيق الشهادتين يكون بتحقيق لا إله إلا الله محمد رسول الله :
- وتحقيق الأولى بألا تعبد إلا الله جل وعلا .
- وتحقيق الثانية بألا يُعبَد الله إلا بما شرعه رسوله صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ
[ شرح العقيدة الواسطية للشيخ صالح ال الشيخ]