حوار من القرآن












الأستاذة سميرة بيطام

ربي...كلما شعرت بالحزن يجول بخاطري مسكن الغربة في سكينة و هدوء لاضطراب قلبي و الذي تواسيه دموع عيوني ، يبدو علي الحزن يذوب بداخلي و يتفوق على آهاتي في أن خوفي منك يا الله يزلزل فكري و طموحي، رهبا و وطوعا لك يا رب.

أرى جميل صنعك في نفسي و في غيري و في كل شيء يحيط بي..تتقاذفني الأقدار حتى اتعب من تفسير الأحداث بتعاقب الآلام و تكالب صفوف المراقبين لما ضممت مصحفي إلى صدري ...لأني أستمد قوتي من هذه الضمة و أترجم الغاز الحياة من آياتك ، فرحت أناجيك في وحدة الغربة و ظلمة الوحدة...فلم تغنني البلاغة عن خفة لساني و لم ترضني فرص الدنيا عن كمال عجزي.

فقد علمتني الحياة أن أتلقى كل ألوانها رضا و قبولا ،لأني رأيت أن الرضى يخفف أثقال صدري، أن رضيت بما قسمته لي يا الله، فرحت امزج الحمد و الشكر حمدا جزيلا لأني لم أخش من اللئيم أذاه و لا من النبيل انقطاع عن الإحسان، لأن في قلبي مكان لكل ضيف و لا يهمني إن كان مؤنسا آو ثقيلا ، فلا يضيق صدري بغم عند حادثة ،لأني أدركت أن في الغم أحيانا خيرا كثيرا ، فكم من مسرات لي انقلبت عذابا منغصا ، و إليك لجأت يا الله أسعى بالدعاء و الترجي بكرة و أصيلا ، فكيف لي أن أكف عن مناجاتك و أنت من وهبتني القوة و الشجاعة لأغير ما تقدر يدي على تغييره ، فأمسيت أميز بين هذا وذاك بعد أن أعجزني الصبح أن أميز بين شظايا اليوم الزاهي و نسمات الليل السائحة.

كلما توكلت عليك يا رحمان ، يرحل الندم من أوج إصراره إلى ضعف تأكيده من أني في الحياة أسكن ببواطن الصعاب لأولد من جديد دون أن يلفني الغضب تمردا من الحرمان.
بالأمس كنت ابكي حينما أغرق في بحر التيه و لكني اليوم امسح دمعي حينما أستشعرك بداخلي في كل اللحظات أكثر من ساعات الأمس ، فيتولد لهيب المقاومة لكل ما هو رديء ، فقد كانت لي هفوات أقر أنها غيرت مجرى حياتي ، فأيقنت أن في المحنة منحة جميلة خفية ، لو لم أتعلم ثقافة الابتلاء لما عرفت ما جهلت من فضلك.

يقودني الخيال إلى أن أسبح في متاهات هذا الكون الواسع ، كم يبدو الاستخفاف من ظلي و ولم أكن أدري. فهل من الضعف و العجل لم انتبه لنقادي من خلفي أم لتركيزي على التسبيح أكثر من تفاهة النقد الهدام؟.

بالأمس و إلى غاية اليوم رفضتني خواطر أحبابي في انه لا مكان لي بين أشعارهم ، فانسحبت بكبريائي عنهم و أنا ارتدي رداء العزة و الزهد لأستظل في ظلال القرآن فوجدت " يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم و لا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن..."الآية 11 من سورة الحجرات ، فرحت أنهل من البيان ما كان لي حجة لي من أن ما عندك يا الله خير مما يملكون " و ما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا و زينتها و ما عند الله خير و أبقى" الآية 60 من سورة القصص.

لكم كبرت أمام نفسي حينما استصغرني الغير أمامهم فكان النداء من " الذين تتوافهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون" الآية من سورة 32 من سورة النحل، فكان لإيماني متاع ووقف لمتاع الغرور فرحت أرتل " لكيلا تأسوا على ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم و الله لا يحب كل مختال فخور " الآية 23 من سورة الحديد.

كان ترتيلا أبديا دونما فواصل ، فالصوت كان يلتحق برنة التجويد مرة و بغنة الترتيل مرة أخرى.
لكم تمتعت بنشوة الوعد ، و حتى لا أصاب بالغرور تذكرت قصة سيدنا داوود أن ناداه الله في قوله" يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق و لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ، إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب " الآية 26 من سورة ص.
الآن اعرف جيدا مقصدي من هذا الحوار القرآني بمعية الله في رحلة العبودية و بعد أن استيقظت من غفلة الحزن لك الحمد يا رب.

فليتك تحلو و الحياة مريــــرة و ليتك ترضى و الأنام غضاب
وليت الذي بيني و بينك عامر و بيني و بين العاملين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين و كل الذي فوق التراب تراب


اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلبي و نور صدري و جلاء حزني و ذهاب همي و غمي.