إن في حادثة الإسراء والمعراج درسا عظيما من دروس التعامل مع الناس، ففيها أنموذج حي للصاحب الصالح، والصديق المخلص الناصح، فعندما رجع النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذه الرحـلة، وحكى للناس ما حدث له انقسم الناس بين مصدق موقن، ومكذب أو مشكك، وظنها المغرضون فرصة للإيقاع بين الخل وخليله، والصاحب وصديقه، فهرعوا إلى أبي بكر -رضي الله عنه- يخبرونه بما أتاهم به صاحبه من عجب عجاب، مما لم تتصوره عقولهم القاصرة، ولم تقتنع به قلوبهم الكافرة، فقال الصاحب المخلص، والمؤمن الموقن ما رد كيد الحساد، وكان جوابه -رضي الله عنه-: «إن كان قال فقد صدق».


كلمات قصيرة، وجمـلة يسيرة، حملت معاني لها وزنها في موازين الأخوة، ودروسا عظيمة في فنون الأخلاق، وهكذا هي الشدائد، تبين معادن الرجال، وتبين للإنسان صديقه من عدوه، وخليله من خصمه، فمن السهـل أن يجد الإنسان صاحبا له في رخائه عند التفاف الناس حوله، وإقبال الدنيا عليه، وما أكثر الأصدقاء حول الإنسان إن أقبلت عليه النعم، ولكن عندما يقسو عليه الزمن، أو تحيط به الشدائد، أو تحوم حوله التهم الملفقة، تنفض من حوله الجموع، ويبـقى الصاحب المخلص إلى جوار صاحبه مناصرا ومؤازرا.


وهذا ما كان من سيدنا أبي بكر - رضي الله عنه -، فقد وقف وقفة المصدق الموقن، الذي لم يشك لحظة في صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، ولهذا منحه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لقبا من أفضل الألقاب، فسماه الصديق، كما أشاد بإيمانه في قوله -صلى الله عليه وسلم- : «لو وزن إيمان أهـل الأرض بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر».


إن من فوائد الشدائد أنها تقرب الصديق إلى صديقه، وتدني قلبيهما، حيث تشعل مشاعر الود، وتذكي عواطف الأخوة، ويكون لذلك ما بعده من الأثر الجميل، متمثلا في قوة الوفاق والوئام، ومترجما إلى المؤازرة والالتحام، إن الصاحب الحق هو من يحسن الظن بصاحبه، وإن حاول المغرضون إلقاء التهم عليه، أو التشكيك في عدالته ونزاهته، فيظل في حكمه له عادلا، متخذا التيقن والتعقل دليلا ومسلكا، حتى يكون لصاحبه الصدر الذي يلجأ إليه، والقلب الذي يثق فيه.