فضائل التوحيد


د.أحمد الجسار


قال اللهُ -تعالى-: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (الإخلاص)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ تُفْلِحُوا» (رواه أحمد)، إنه حقُّ اللهِ عليكم يا عبادَ الله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «حَقُّ اللهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» (متفق عليه).

لا إله إلا الله: هي كلمة التوحيد، فلا معبودَ بحقٍّ إلا الله، وهي أساسُ العباداتِ كلِّها، فلا تُقبلُ الأعمالُ من دونها، وهي دعوةُ كلِّ الرسلِ -عليهم السلام-، فبها يعملون، وإليها يدعون: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء 25).

أَوَّلُ ما يُدعَى إليه من فرائض الإسلام

لا إله إلا الله: هي أَوَّلُ ما يُدعَى إليه من فرائِضِ الإسلام، قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمعاذٍ - رضي الله عنه - عندما بعثه إلى اليمن: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ -تعالى» (متفق عليه)، وكلمةُ التوحيد، هي أَوَّلُ ما يُدْخَلُ به في الإسلام، ومن كانت آخرَ كلامِه دخل دارَ السلام، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» (رواه أحمد وأبو داود)، ولا إله إلا الله: تعني إفرادَ اللهِ بالعبادة، فلا تُصرفُ إلا لله، وَكُلُّ ما كانَ عبادةً فَلا يَستحقُّه غَيْرُ الله -جل في علاه.

الإقرار بأنَّ اللهَ -تعالى- واحدٌ في ألوهيته

وكلمةُ التوحيد ليست مجردَ الاعتقادِ بأنَّ اللهَ هو خالقُ كُلِّ شيءٍ، فَإِنَّ عُبَّادَ الأَصْنَامِ كَانُوا مُقِرِّينَ بِذَلِكَ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ} (العنكبوت 61)، وَلَكِنَّهُمْ مَعَ هَذَا كَانُوا مُشْرِكِينَ؛ لأَنَّهُمْ عَبَدُوا مَعَ اللهِ غَيْرَهُ، قَالَ -تعالى-: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (يوسف 106)، لكننا عندما نقول لا إله إلا الله، فإننا نُقِرُّ بأنَّ اللهَ -تعالى- واحدٌ في ألوهيته، فلا نصرفُ شيئا من عبادتنا لغيره -سبحانه.

الإقرار بأن اللهَ -تعالى واحدٌ في ربوبيته

وعندما نقول لا إله إلا الله، فإننا نقر بأنَّ اللهَ -تعالى- واحدٌ في ربوبيته، فهو الربُّ الخالقُ الرازقُ المدبر، لا يشاركه في ذلك أحدٌ مِنْ خَلْقِهِ، فالملكُ والتدبيرُ لله، لا يشاركُه في ذلك سواه: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} (سبأ 22).

الإقرار بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا

وعندما نقول لا إله إلا الله، فإننا نُقِرُّ بأن اللهَ -تعالى- له الأسماءُ الحسنى والصفاتُ العُلا، كما وصف نفسَه، وكما وصفه رسوله -صلى الله عليه وسلم -: {وَللهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} (الأعراف: 180)، هذا هو التوحيدُ الذي مَنَّ اللهُ به عليكم أيها المؤمنون، {فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ} (الأنبياء: 80).

فضائل التوحيد

إنَّ التوحيدَ له الفضائلُ العظيمةُ في الدنيا والآخرة ومن تلك الفضائل:

عليه يُبْنَى ثوابُ الأعمال

فعليه يُبْنَى ثوابُ الأعمال، ومن دونه تَحْبَطُ الأعمالُ وإن كانت كالجبال، قال اللهُ في كتابه المبين: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الزمر 65).

به تُفَرَّجُ كُرُبَاتُ الدنيا

وبالتوحيدِ تُفَرَّجُ كُرُبَاتُ الدنيا، فهذا نبيُّ اللهِ يُونُسُ -عليه السلامُ-، التقمه الحوتُ وهو مُليم: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} (الأنبياء: 87-88).

به تنال شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم

وأهلُ التوحيدِ هم أهلُ شفاعةِ النبيِّ يومَ القيامة، كما قال -صلى الله عليه وسلم -: «أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ» (رواه البخاري).

به تفرج كربات يوم القيامة

وبالتوحيدِ تُفَرَّجُ كُرُبَاتُ الآخرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللهِ» (متفق عليه).

أهلَ التوحيدِ هم أهلُ الحياةِ الطيبةِ

وبالجملةِ فإنَّ أهلَ التوحيدِ هم أهلُ الحياةِ الطيبةِ في الدنيا، وأهلٌ لأفضلِ الجزاءِ في الآخرة، قال اللهُ -تعالى-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل 97).

حماية التوحيد وصيانته


إنَّ أمرًا له هذا الشأنُ العظيم، لَهُوَ حَريٌّ بأن يُحمى ويُصان، فحافظوا على صفاء التوحيدِ ونقائه، فلا تخْدِشُوهُ بِشِرْكٍ أصغر، ولا تَنْقُضُوهُ بِشِرْكٍ أكبر، فإنه حقُّ اللهِ عليكم أيها الناس، أنزل إليكم بذلك القرآنَ كُلَّه، من أوله إلى آخره، كُلُّهُ دعوةٌ إلى توحيد الله، فآياتُهُ إِمَّا خَبَرٌ عن اللهِ وكمالِهِ وجلالِهِ، وإما دعوةٌ إلى توحيدِه، وإما خَبَرٌ عن أهل التوحيد وكرامتهم وما لهم من حسنِ الثواب، وإما خَبَرٌ عمن كفروا وأشركوا فاستحقوا العقاب.

الشجرةُ الطيبة في القلوب

فحافظوا على كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، فإنَّ بها نجاتَكم، وهي الشجرةُ الطيبة في قلوبكم أيها المؤمنون: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (إبراهيم 24-25)، فاللهم أَحْيِنَا على التوحيد، وَأَمِتْنَا على التوحيد، والحمد لله رب العالمين.