قال جل وعلا
{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}
ففي هذه الآية أعظم دلالة: على أعلى مقامات إظهار الدين، لأن الله بين هذا الحكم العميم، وأكد هذا المشهد العظيم،
الذي هو مشهد الأسوة بالأنبياء والرسل، معبرا بصيغة الماضي، وبقد التحقيقية الدالة على لزومه، ولزومه على البرية، ووصفه بالحسن، وضد الحسن القبيح; وأزال دعوى الخصومة بقوله: {وَالَّذِينَ مَعَهُ}، ترغيبا في معية أوليائه.
ثم صرح: بأنها هي القول باللسان، مع العداوة، والبغضاء; خلافا لمن قال: أبغضهم بقلبي، وأتبرأ من العابد والمعبود جميعا; وقدّم البراءة من العابد، تنويهاً بشناعة فعله، ثم أعادها بلفظ آخر أعم من البراءة، وهو قوله: {كَفَرْنَا بِكُمْ} أي: جحدناكم، وأنكرنا ما أنتم عليه; وكشف الشبهة بقوله: {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ} . ومعنى: {وَبَدَا}، ظهر؛ وقرن بين العداوة والبغضاء إشارة إلى المباعدة والمفارقة، بالباطن والظاهر معا، وأكد العداوة، وأيدها بقوله: {أَبَداً} معبرا بالظرف الزماني المستقبل المستمر، إلى غاية وهي الإيمان، وأتى بحتى الغائية، الدالة على مغايرة ما قبلها لما بعدها، المعنى: إن لم تؤمنوا فالعداوة باقية. [الدرر السنية - من رسالة الشيخ اسحاق بن عبد الرحمن بن حسن - عن حكم بلدان المشركين والسفر إليها ]