حكم إشهار النكاح


السؤال


الملخص:
رجل يسأل عن حكم كتمان عقد النكاح، مع العلم بأنه لم يدخل بزوجته.
تفاصيل السؤال:
أشهرت خطوبتي على الملأ منذ سنة، ثم إنه قبل العقد بشهر اتفقت مع زوجتي على أن نكتم أمر العقد، ولا نعلنه، وقد عقدنا منذ تسعة أشهر، فهل العقد صحيح عند العلماء؟ وما رأي الإمام مالك في هذا؟ أفتونا مأجورين.

الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: مرحبًا بك أيها الأخ الفاضل، ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: إشهار النكاح عند الإمام مالك مستحَبٌّ، كما هو الحال عند الجمهور، قال الحطاب المالكي في مواهب الجليل: (3/ 408): "قال في التوضيح: ويستحب إعلان النكاح وإشهاره، وإطعام الطعام عليه، روى الترمذي والنسائي عنه عليه الصلاة والسلام قال: ((أعلنوا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف)).
فلو لم يُعْلَن لم يؤثر ذلك على صحة النكاح، ولا يأثم تاركه، والحديث الذي أشار إليه رواه الترمذي وابن ماجه، ولم نجده في سنن النسائي، والحديث ضعيف، إلا لفظة: ((أعلنوا النكاح))، فقد رواها الحاكم: (2/ 183)، وأحمد: (16130)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي من حديث عبدالله بن الزبير مرفوعًا، وقال العراقي في تخريج الإحياء: "رواه الترمذي: (1089) من حديث عائشة، وحسنه، وضعفه البيهقي".
تنبيه: قال الحافظ في الفتح: (9/ 226): "استدل بقوله: ((واضربوا)) على أن ذلك لا يختص بالنساء، لكنه ضعيف، والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء، فلا يلتحق بهن الرجال، لعموم النهي عن التشبه بهنَّ".
ولا إشكال في أن يكون هذا الإشهار عند العقد، أو قبل الدخول، أو بعده؛ قال صاحب التاج والإكليل: (3/ 522): "قال مالك: أرى أن يُولِمَ بعد البناء، ويحتمل أن يكون قول مالك ذلك لمن فاته قبل البناء؛ لأن الوليمة لإشهار النكاح، وإشهاره قبل البناء أفضل".
والممنوع عند المالكية هو التواطؤ على كتمانه، وهذا هو نكاح السر عندهم؛ قال الخرشي في شرحه على مختصر خليل: (3/ 194): "والمشهور أنه المتواصَى بكتمه، ولو شهِد فيه جماعة مستكثرة".
فمن العلماء من يرى أنه لا بد من الإشهاد على العقد، ومنهم من يكتفي بالإعلان؛ قال الترمذي: "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم من التابعين وغيرهم، قالوا: لا نكاح إلا بشهود، لم يختلفوا في ذلك مَن مضى منهم، إلا قومًا من المتأخرين من أهل العلم"؛ [سنن الترمذي عقب حديث: (1103)].
وقال ابن حزم: "ولا يتم النكاح إلا بإشهاد عدلين فصاعدًا أو بإعلان عام، فإن استكتم الشاهدان لم يضر ذلك شيئًا"؛ [المحلى: (9/ 465)].
ومعنى: (استكتم): أي طلب منهما أن يكتما أمر الزواج؛ لأن هذا لا يكون نكاحَ سرٍّ، وقد حضره خمسة: الولي، والزوج، والزوجة، والشاهدان.
قال ابن تيمية: "ولهذا إذا كان النكاح في موضع لا يظهر فيه كان إعلانه بالإشهاد، فالإشهاد قد يجب في النكاح؛ لأنه به يُعلَن ويظهر، لا لأن كل نكاح لا ينعقد إلا بشاهدين ... وإذا اجتمع الإشهاد والإعلان فهذا الذي لا نزاع في صحته، وإن خلا عن الإشهاد والإعلان فهو باطل عند العامة"؛ [مجموع الفتاوى: (32/ 127)].
وعليه: إذا تم العقد بشروطه وأركانه، وانتفت الموانع، فهو صحيح، ولا يلزمك إعادته، وللنكاح ركنان؛ وهما:
1- الزوجان، ويشترط خلوهما من الموانع بسبب النسب أو المصاهرة، أو الرضاع أو اللعان.
2- صيغة العقد، وهو الإيجاب والقبول.
وله أربعة شروط:
1- تعيين الزوجين؛ أي: تحديدهما في صيغة العقد.
2- رضا الزوجين.
3- الولي.
4- الشهود.
ويجب فيه تسمية المهر، فإذا تم الزواج على هذا، فالنكاح صحيح، والله أعلم.
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.