قال الشيخ عبد اللطيف ابن عبد الرحمن ابن حسن فى كتابه مصباح الظلام فى رده على عثمان ابن منصور وورثته من أدعياء العلم والدين
قال الشيخ عبد اللطيف ابن عبد الرحمن فى الرد
قال تعالى:
{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} .
فقد حكم تعالى في هذه الآية
بحكم لا مطمع بعده لمبطل مشرك أن يكون من أهل الجنة وأهل الاصطفاء المستحقين للثواب.
فإن قوله:
{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ}
.(يُخْرج كل مشرك يعدل بربه، ويسوي بينه وبين غيره في خالص حقِّه،
وقوله
{وَهُوَ مُحْسِنٌ} يخرج كل مبتدع لم يأتِ بما وجب من المتابعة،
والسير على المنهاج المحمدي في أصول الدين وفروعه،
وهذان الصنفان ليسوا من أهل الاصطفاء, والنزاع فيهم،
وفي قوله:
مِن عِبَادِنَا ما يشهد لهذا
فإن العباد في مقام المدح لا يدخل فيهم من عبد الصالحين والأنبياء ودعاهم مع الله؟
لأن الإضافة تقتضي توحيدهم وإخلاصهم العبادة،فهي إضافة تشريف،وهو الوجه الثالث.
وأما قول أبي العباس: (إنها ليست بعامة في الأمم كآية الواقعة) .
فهذا يدل على أن من ذكر في هذه الآية لا يدخل فيهم إلا من آمن بالله ورسوله وأفرده بالعبادة
بخلاف أهل الشرك والبدع المكفرة، فإنهم هم المذكورون في الآية بعدها،
ففيه أنَّ هذه الأمة منهم من كفر بالله ورسله كالمذكورين في آخر هذه الآية،
وكلام أبي العباس يدل عليه، إذ جعل الآيات هنا في هذه الأمة خاصة لا في غيرها من الأمم،
كما في آية الواقعة.
الوجه الرابع: أنه تعالى ذكر بعد هذا قسما رابعا لم يدخلوا في قوله: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} وذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ}
.وقد ذكر شيخ الإسلام الإجماع على كفر من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويعبدهم، ويتوكَّل عليهم،
والنزاع بيننا وبين هذا المعترض إنَما هو في هذا الصنف،
فهم بهذا القسم أليق، وإليه أقرب فالآية حجة لشيخنا رحمه الله، وليس فيها ما يتعلق به هذا المعترض بوجه من الوجوه.
وأمَّا قوله
-صلى الله عليه وسلم-: «لو لم تذنبوا لأتى الله بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم» ":
فالخطاب في هذا للمؤمنين الذين أفردوا الله بالعبادة، ولم يتخذوا معه آلهة أخرى،
وأما من دعا الأولياء والصالحين من أهل القبور والغائبين وجعلهم أندادا لله رب العالمين، فهذا مشرك شركا يَحول بينه وبين المغفرة.
قال تعالى: في موضعين من كتابه
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} .
وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} .إذا عرفت هذا فالمعترض جاهلي، بقي على جاهليته لم يميز بين الذنوب، ولم يعرف معنى الأحاديث النبوية،
ثم لو سلَّمنا أن الذنوب في الحديث يدخل فيها الشرك والمكفِّرات لكان في قوله:
( «فيستغفرون فيغفر لهم» )
دليل على أن الشرك لا يغفر إلا بالتوبة منه،
وإن الاستغفار إذا أطلق كان بمعنى التوبة التي تشتمل على الندم والإقلاع والعزم على ألا يعود.
هذا هو الاستغفار المراد عند الإطلاق في كلام الله وكلام رسوله.
وأما قوله تعالى:
{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} .
فقد أخبر تعالى بأنه سيكتبها {لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ - الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ}
.وأما وصف الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالرحمة: فهو لا يقضي الشفاعة لمن دعاه بعد موته -صلى الله عليه وسلم- وخرج عن سبيل المؤمنين،
وقد تقدَّم أنه يقول لمن يذاد عن الحوض من أصحابه إذا قيل له:
إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فيقول: " سحقا سحقا " .
وأما قول المعترض:
(ومع ذلك لا تزال علماء أمته ينكرون ويجددون) . فنعم؛
ولكن لا يزال المنافقون والملحدون يعادونهم ويردون ما جاؤوا به من الدين،
ويقولون:
هو ظاهر لا يحتاج لتجديد، ويلقبونهم بالألقاب الشنيعة،
وينسبون إليهم تكفير الأمة الوسط إذا أنكروا على عبَّاد القبور والمشركين،
فتعسا لمن هذا حرفته، وهذه صفته.
وأما قوله:
(ويدخلون عليها من الباب الواسع) .
فإن كان مراده أنهم يوسعون لمن دعا الصالحين وأشرك بالأموات والغائبين فقد كذب وافترى ، وبهت علماء الأمة،
بل شدَّدوا في ذلك وحكموا بأنه من الشرك الأكبر، ونهوا عن وسائله وذرائعه
عملا بقول نبيّهم -صلى الله عليه وسلم- ونصحا للأمة، ونهوا عما دون ذلك من شرك الألفاظ والأقوال،
كقول "ما شاء الله وشئت "، وكقول القائل "والله وحياتك؟ ولولا البط في الدار لأتانا اللصوص! ، ولم يرخصوا في ذلك ولم يوسعوا فيه،
فكيف بالشرك الأكبر وما فيه التسوية بين الله وبين عباده في خالص حقه؟
وبهذا تعرف ما تقدَّم مرارا من أن هذا المعترض فيه مشابهة برجال الجاهلية الأولى في عدم معرفة دين الأنبياء، وعدم قبوله وإيثاره على ما سواه.
وأمَّا قوله:
(ويتحاشون من الباب الضيق بتكفيرها، كما فعل هذا الرجل وذووه) .
فقد عرفت أنه جعل الباب النبوي المحمدي في تكفير من أشرك بالله، وسوى بينه وبين خلقه بابا ضيّقا،
ونسب فاعله إلى الابتداع والخروج والهوى الذي يتجارى بصاحبه كما يتجارى الكلب،
ولعمر الله
إن الحكم بهذا والذهاب إليه من أعظم المكفرات،
وموجبات الردَّة لمن عرف أن الرسول جاء به، وأن القرآن حكم على أهله بالشرك والكفر.
وأما الأعمى الذي لا يدري قول الرسول، ولا يعرف أحكام التنزيل،
ولم يبلغه عن الله ورسوله تكفير من عصى الرسل، ودعا الأموات والغائبين فيما لا يقدر عليه إلا الله،
فأهل العلم لهم في مثله كلام ليس هذا محله ...
قال المعترض:
(ولهذا قال الإمام أحمد: صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من خمسة أوجه أنه قال: " «الخوارج كلاب النار» " .والجواب:
أما ما جاء في الخوارج عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو حق لا ريب فيه،
والخوارج لا يعرفهم هذا وأمثاله من الضُلاَّل،
فإنهم قوم خرجوا على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكفَّروهم، وفسَّقوهم بتحكيم الحكمين، ووضع الهدنة بين المسلمين في قتالهم، فكروهم بأمور ظنُّوها ذنوبا وسيئات متأولين قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ}
.وقوله تعالى: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
قالوا: (فلا حكم لأحد ولا هدنة بعد براءة، وقصتهم معروفة) ،
وقد قاتلهم أمير المؤمنين وقتلهم، وبقيت منهم بقية صارت لهم صولة وجماعة في خلافة بني أمية فقاتلهم ابن الزبير، وقاتلهم الحجاج، وقاتلهم المهلب بن أبي صفرة.
فهؤلاء كفروا أهل الإيمان والإسلام بأمورِ ظنُّوها ذنوبا وسيئات.
وأما أهل العلم والإيمان وأتباع الرسل:
فهم يفرقون بين الذنوب وغيرها،
ويفصلون في الذنوب المحققة بين ما يكفر ويوجب الردَّة وما يوجب الفسوق فقط،
وما لا يوجبه من الصغائر المكفّرة باجتناب الكبائر،
فهم على صراطٍ مستقيم،
ومنهج مستبين؛
يأتمُّون بكتاب الله، ويقتدون برسول الله،
ويعتصمون بحبل الله،
قد فصلوا وبيَّنوا الذنوب المكفِّرة لأصحابها، وقرروها بأدلتها في كتب الحديث، كالصحيحين والسنن الأربع والمسانيد الثمانية، والمعاجم، ونحوها من دواوين الإسلام التي يرجع إليها في سائر الأحكام،
ولذلك عقد أهل المذاهب المتبوعين أبوابا مستقلة في حكم الردَّة،
وذكروا ما يكفر به المسلم من الأقوال والأفعال،
وكلهم قرر أن الشرك الأكبر يوجب الردَة كما يوجبها السحر والاستهزاء بالله وبكلامه ورسله،
وذكروا (أنَّ من كَفَر بحرف من القرآن، أو فرع مجمع عليه أنه مرتد، ويخرج عن الإسلام بذلك،
وذكروا أشياء كثيرة قد أفردها ابن حجر وغيره بالتصنيف،
فإن كان هؤلاء كلهم خوارج،
فليس في الأمة إلا خارجي مبتدع، وإمامهم ورئيسهم أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه الذي كفر وقاتل مانع الزكاة، وإن لم يكن هؤلاء من الخوارج وأهل البدع؛
فالشيخ رحمه الله واحد من الجملة وفرد من آحاد العلماء، ولم يخرج عن سبيل أهل العلم في مسألة من المسائل، والمسألة التي فيها النزاع- وهي دعاء الأموات والغائبين للشفاعة أو غيرها من المطالب مسألة إجماعية لا نزاع فيها بين علماء الأمة،
وقد حكى شيخ الإسلام الإجماع على كفر من جعل بينه وبين الله وسائط، يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم،
بل حكى في رده على النصارى:
أنَّ النبوَّات اتَّفقت على تكفير من دعا الأموات والغائبين،
وقرَّر أن هذا من العبادات التي لا تصرف لغير الله ولا يستحقها أحد سواه.
إذا عرفت هذا:
فالمعترض وأمثاله[من أدعياء الدين ورثة عثمان ابن منصور] صالوا على أتباع الرسل قديما وحديثا بأنهم خوارج، وأن هذا دين الخوارج،
وقالت قريش قبلهم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنه الصابئ. والصابئ قريب من معنى المعتزلي والخارجي،
قال ابن القيِّم رحمه الله في نونيته
.ومن العجائب أنهم قالوا لمن ... قد دان بالآثار والقرآن
أنتم بذا مثل الخوارج أنهم ... أخذوا الظواهر ما اهتدوا لمعاني
فثبت أن هذا الدا قديم،
صدَّ به إبليس الرجيم أمما [فى الماضى والحاضر المعاصر]لم يفرّقوا بين ما كفرت به الرسل وأتباعهم، وما كفَّرت به الخوارج وأشياعهم،
فكم هلك في هذا من جاهل، وكم زاغ به من زائغ.
ثم يقال لهذا
إذا ثبت أن الخوارج كلاب أهل النار؟ لأنهم كفروا أهل الإسلام بالذنوب- على زعمهم-
فكيف ترى بمن كفَّر أئمة الدين وعلماء الأمة وورثة الرسول بمتابعته، وتجريد التوحيد، والبراءة من الشرك وأهله؟
فأي الفريقين أحق أن يكون من كلاب النار:
من كفَّر بالذنوب والسيئات،
أو من كفر بمحض الإيمان والحسنات؟
الله أكبر. ما أضل هذا الرجل عن سواء السبيل.[وما أضل ورثته المعاصرين كتبه محمد عبد اللطيف]-
من كتاب مصباح الظلام للشيخ الامام عبد اللطيف ابن عبد الرحمن
وما أشبه الليلة بالبارحة ولكل قوم وارث