( لا يصر على ترك الصلاة إصرارا مستمرا من يصدق بأن الله أمر بها اصلا فإنه يستحيل في العادة والطبيعة أن يكون الرجل مصدقا تصديقا جازما أن الله فرض عليه كل يوم وليلية خمس صلوات وأنه يعاقبه على تركها أشد العقاب وهو مع ذلك مصر على تركها
هذا من المستحيل قطعا فلا يحافظ على تركها مصدق بفرضها أبدا فإن الايمان يأمر صاحبه بها
وتأمل في الطبيعة بأن يقوم بقلب العبد إيمان بالوعد والوعيد والجنة والنار وأن الله فرض عليه الصلاة وأن الله يعاقبه معاقبة على تركها وهو محافظ على الترك في صحته وعافيته وعدم الموانع المانعة له
من الفعل
وهذا القدر هو الذي خفي على من جعل الإيمان مجرد التصديق وإن لم يقارنه فعل واجب ولا ترك محرم وهذا من امحل المحال ان يقوم بقلب العبد إيمان جازم لا يتقاضاه فعل طاعة ولا ترك معصية
ونحن نقول الإيمان هو التصديق ولكن ليس التصديق مجردا اعتقادا صدق المخبر دون الانقياد له
ولو كان مجرد اعتقاد التصديق إيمانا لكان إبليس وفرعون وقومه وقوم صالح واليهود الذين عرفوا أن محمدا رسول الله كما يعرفون أبناءهم مؤمنين مصدقين وقد قال تعالى
( فإنهم لا يكذبونك ) اي يعتقدون أنك صادق ( ولكن الظالمين بايات الله يجحدون )
والجحود لا يكون إلا بعد معرفة الحق قال تعالى ( وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم ظلما وعلوا ) وقال موسى لفرعون ( لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر )
وقال تعالى عن اليهود ( يعرفونه كما يعرفون ابناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون )
وأبلغ من هذا قول النفرين اليهوديين لما جاءا إلى النبي وسألاه عما دلهما على نبوته فقالا نشهد أنك نبي فقال ما يمنعكما من اتباعي قالا إن داود دعا أن لا يزال في ذريته نبي وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود فهؤلاء قد اقروا بألسنتهم إقرارا مطابقا لمعتقدهم أنه نبي ولم يدخلوا بهذا التصديق والإقرار في الإيمان لأنهم لم يلتزموا طاعته والانقياد لأمره ومن هذا كفر أبي طالب فإنه عرف حقيقة المعرفة أنه صادق وأقر بذلك بلسانه وصرح به في شعره ولم يدخل بذلك في الإسلام
فالتصديق إنما يتم بأمرين أحدهما اعتقاد الصدق والثاني محبة القلب وانقياده
ولهذا قال تعالى لإبراهيم
( ياإبراهيم قد صدقت الرؤيا ) وإبراهيم كان معتقدا لصدق رؤياه من حين رآها فإن رؤيا الأنبياء وحي وإنما جعله مصدقا لها بعد أن فعل ما أمر به
وكذلك قوله ( والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه )
فجعل التصديق عمل الفرج لا ما يتمنى القلب والتكذيب تركه لذلك وهذا صريح في ان التصديق لا يصح إلا بالعمل
وقال الحسن ( ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل )
الصلاة و حكم تاركها لابن القيم