بحث تفسيري في الآيات 37 ،38 ،39 من سورة البقرة
- معنى "فتلقى" في اللغة
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({فتلقى آدم من ربه كلمات}*أي: قبلها، أخذها عنه).*[غريب القرآن وتفسيره: 68]
- موضع "آدم" في الجملة
{آدم}*مرفوع، و"الكلمات" في موضع نصب
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فتلقى آدم من ربه كلمات}*أي: قبلها وأخذ بها،*ومن رفع (الكلمات) ونصب (آدم) فمعناه: أنقذته*والحيّة*م ن الخطيئة).*[تفسير المشكل من غريب القرآن: 26]*
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَتَلَقَّى}: قبل).*[العمدة في غريب القرآن: 73]
- علام تعود الهاء في "فتاب عليه"
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :*(القول في*تأويل قوله تعالى:*{فتاب عليه}.
وقوله:*{فتاب عليه}*يعني على آدم، والهاء الّتي في*{عليه}*عائدةٌ على آدم .
- معنى "التواب" في اللغة
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):*
التوّاب من الناس: الذي يتوب من الذنب).*[مجاز القرآن: 1/ 39]
- إعراب "جميعاً"
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) :
{جميعاً}*حال من الضمير في*{اهبطوا}، وليس بمصدر ولا اسم فاعل، ولكنه عوض منهما دال عليهما، كأنه قال هبوطا جميعا، أو هابطين جميعا.
- معنى "فإمَّا" وموضعها في الآية
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({قلنا اهبطوا منها جميعاً فإمّا يأتينّكم مّنّي هدًى فمن تبع هداي فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}*
قال:*{فإمّا يأتينّكم مّنّي هدًى فمن تبع هداي}،*وذلك أن "إمّا" في موضع المجازاة، وهي "إما" لا تكون "أما"، وهي "إن" زيدت معها "ما" وصار الفعل الذي بعدها بالنون الخفيفة أو الثقيلة، وقد يكون بغير نون.*
وإنّما حسنت فيه النون لما دخلته "ما"؛ لأنّ "ما" نفي وهو ما ليس بواجب، وهي من الحروف التي تنفي الواجب، فحسنت فيه النون، نحو قولهم: "بعينٍ مّا أرينّك" حين أدخلت فيها "ما" حسنت النون، ومثل "إمّا" ههنا قوله:*{فإمّا ترينّ من البشر أحداً}*وقوله:*{قل رّبّ إمّا ترينّي ما يوعدون ربّ فلا تجعلني زفي القوم الظّالمين}*فالجو اب في قوله:*{فلا تجعلني}،وأشباه هذا في القرآن والكلام كثير.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ):
وإعراب (إمّا) في هذا الموضع إعراب حروف الشرط والجزاء، إلا أن الجزاء إذا جاء في الفعل معه النون الثقيلة أو الخفيفة لزمتها "ما"، ومعنى لزومها إياها معنى التوكيد، وكذلك معنى دخول النون في الشرط التوكيد، والأبلغ فيما يؤمر العباد به التوكيد عليهم فيه.
- وجه تحريك "هدايَ" بالفتح
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ):*
و{هداي}: الأكثر في القراءة والرواية عن العرب*{هداي فلا خوف}*فالياء في*{هداي}*فتحت؛ لأنها أتت بعد ساكن وأصلها الحركة التي هي الفتح، فالأصل أن تقول: هذا غلاميَ قد جاء -بفتح الياء-؛ لأنها حرف في موضع اسم مضمر منع الإعراب، فألزم الحركة كما ألزمت "هو" وحذف الحركة جائز؛ لأن الياء من حروف المد واللين، فلما سكن ما قبلها لم يكن بد من تحريكها، فجعل حظها ما كان لها في الأصل من الحركة وهو الفتح، ومن العرب من يقولون: "هدي" و"عصى"، فمن قرأ بهذه القراءة: فإنما قلبت الألف إلى الياء، للياء التي بعدها، إلا أن شأنّ ياء الإضافة أن يكسر ما قبلها، فجعل بدل كسر ما قبلها -إذ كانت الألف لا يكسر ما قبلها،*لا يكسر*هي- قلبها ياء، وطيء تقول في: "هدى" و"عصا" و"أفعى" وما أشبه هذا -في الوقف-:*"هُدَيْ" و"عَصَيْ" و"أفعى" بغير*إضافة.
وأنشد أبو الحسن الأخفش وغيره من النحويين:
تبشري بالرفه والماء الروى*.......*وفرج منك قريب قد أتى
وبعض العرب يجري ما يجريه في الوقف -في الأصل- مجراه في الوقف وليس هذا الوجه الجيد، وزعم سيبويه أن الذين أبدلوا من الألف الياء؛ أبدلوها في الوقف ليكون أبين لها، وحكى أيضاً أن قوما يقولون في الوقف "حبلو" و"أفعو".
وإنما يحكي أهل اللغة والعلم بها كل ما فيها، ليتميز الجيد المستقيم المطرد من غيره، ويجتنب غير الجيّد، فالباب في هذه الأشياء أن تنطق بها في الوصل والوقف بألف، فليس إليك أن تقلب الشيء لعلة ثم تنطق به على أصله والعلة لم تزل، فالقراءة التي ينبغي أن تلزم هي:*{هداي فلا خوف}*إلا أن تثبت برواية صحيحة "هديّ" فيقرأ بها. ووجهه من القياس ما وصفنا.
فأمّا قوله:*{هذا صراط عليّ مستقيم}*وقوله:{إل يّ مرجعكم}*فلا يجوز أن يقرأ "هذا صراط علاي"، ولا*"ثمّ إلاي مرجعكم"، لأن الوصل كان في هذا: "إلاي" و "عَلاَي" ولكن*الألف أبدلت منها مع المضمرات الياء، ليفصل بين ما آخره مما يجب أن نعرب ويتمكن، وما آخره مما لا يجب أن يعرب، فقلبت هذه الألف ياء لهذه العلة).*[معاني القرآن: 1/ 117-119]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ):
أما قوله:*{فمن تبع هداي فلا خوفٌ عليهم}*فانفتحت هذه الياء على كل حال؛ لأن الحرف الذي قبلها ساكن، وهي الألف التي في "هدى"، فلما*احتجت*إلى حركة الياء حركتها بالفتحة؛ لأنها لا تحرك إلا بالفتح، ومثل ذلك قوله:*{عصاي أتوكّأ عليها}،*ولغة للعرب يقولون: "عصيّ يا فتى"،*و(هديّ فلا خوفٌ عليهم)، لما كان قبلها*حرف ساكن وكان ألفاً، قلبته إلى الياء حتى تدغمه في الحرف الذي بعده، فيجرونها مجرى واحداً وهو أخف عليهم.
- وجه فتح ما قبل النون في "يأتيَنَّكم"
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ):
وفتح ما قبل النون في قوله:{يأتينّكم}
لسكون الياء وسكون النون الأولى.
- معنى "فلا" و "لا"
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ):*(هذا باب ما لا تغير فيه (لا) الأسماء عن حالها التي كانت عليها قبل أن تدخل (لا)
ولا يجوز ذلك إلا أن تعيد (لا) الثانية من قبل أنه جواب لقوله: أغلام عندك أم جارية، إذا ادعيت أن أحدهما عنده. ولا يحسن إلا أن تعيد (لا) كما أنه لا يحسن إذا أردت المعنى الذي تكون فيه (أم) إلا أن تذكرها مع اسم بعدها.*
وإذا قال: لا غلام، فإنما هي جواب لقوله: هل من غلام، وعملت (لا) فيما بعدها وإن كان في موضع ابتداء، كما عملت (من) في الغلام وإن كان في موضع ابتداء.*
فمما لا يتغير عن حاله قبل أن تدخل عليه (لا) قول الله عز وجل ذكره:*{لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}).*[الكتاب: 2/ 295]
- الشرط الأول وجوابه والشرط الثاني وجوابه
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) :
وقوله تعالى:*{فمن تبع هداي}*شرط جوابه*{فلا خوف عليهم}.
قال سيبويه: الشرط الثاني وجوابه هما جواب الأول في قوله:*{فإمّا يأتينّكم}.
وحكي عن الكسائي أن قوله:*{فلا خوفٌ عليهم}*جواب الشرطين جميعا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: حكي هذا وفيه نظر، ولا يتوجه أن يخالف سيبويه هنا، وإنما الخلاف في نحو قوله تعالى:*{فأمّا إن كان من المقرّبين فروحٌ وريحانٌ}*[الواقعة: 89].
فيقول سيبويه: جواب الشرطين وأما في هذه الآية فالمعنى يمنع أن يكون فلا خوفٌ جوابا للشرطين.
- محل {والذين كفروا}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) :(وقوله*تعالى{وال ذين كفروا}الآية، عطف جملة مرفوعة على جملة مرفوعة.
- إعراب "أولئكَ"وأصحاب
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) :
{أولئك}*رفع بالابتداء و{أصحاب}*خبره،
- معنى الصحبة
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) :
الصحبة: الاقتران بالشيء في حالة ما، في زمن ما، فإن كانت الملازمة والخلطة فهو كمال الصحبة، وهكذا هي صحبة أهل النار لها، وبهذا القول ينفك الخلاف في تسمية الصحابة رضي الله عنهم إذ مراتبهم متباينة، أقلها الاقتران في الإسلام والزمن، وأكثرها الخلطة والملازمة.
- إعراب "هم فيها خالدون"
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) :
{هم فيها خالدون}*ابتداء وخبر في موضع الحال).*[المحرر الوجيز: 1/ 192-193]
****************************** ******************************
رابعاً - الأحاديث والآثار الواردة في الآيات :
ما ورد في قوله تعالى:{فَتَلَقَّ ى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ):*(وحدثني عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري، عن خصيف الجزري، عن مجاهد وسعيد بن جبير في قول الله:*{فتلقى آدم من ربه كلماتٍ فتاب عليه}:*{قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}).*[الجامع في علوم القرآن: 1/ 112]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ):*(حدثنا الثوري، عن عبد العزيز، ثني وعبيد عن عبيد بن عمير، قال:*«قال آدم لربه وذكر خطيئته: رب أرأيت خطيئتي التي عصيتك بها أشيء كتبته علي قبل أن تخلقني أم شيء ابتدعته من نفسي؟ قال: بل شيء كتبته عليك قبل أن أخلقك، قال: فكما كتبته علي فاغفره لي، قال: فذلك قوله:*{فتلقى آدم من ربه كلمات}،*وهو قوله:*{ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}»).*[تفسير عبد الرزاق: 1/ 44]*
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ):*(أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله:*{فتلقى آدم من ربه كلمات}:*«وهو قوله:*{ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}»).*[تفسير عبد الرزاق: 1 /44]*
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ):*([قوله تعالى:*{فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ فتاب عليه إنّه هو التّوّاب الرّحيم}]
- حدثنا الحسن بن يزيد الأصمّ، قال: سمعت السّدّي يقول في قوله عزّ وجلّ:*{فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ فتاب عليه إنّه هو التّوّاب الرّحيم}*قال:*«رب ّ خلقتني بيدك، ونفخت فيّ من روحك، فسبقت رحمتك غضبك، أرأيت إن تبت، وأصلحت، هل أنت رادّني إلى الجنّة؟»،*قال:«ق يل: نعم»).*[سنن سعيد بن منصور: 2/ 552]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :*(القول*في تأويل قوله تعالى:*{فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ}
حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله:*{فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ}*الآية. قال:*«لقّاهما هذه الآية:{ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}».
واختلف أهل التّأويل في أعيان الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربّه؛
- فقال بعضهم بما حدّثنا به أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن عطيّة، عن قيسٍ، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ:*«{فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ فتاب عليه}*قال: أي ربّ! ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى، قال: أي ربّ! ألم تنفخ فيّ من روحك؟ قال: بلى، قال: أي ربّ! ألم تسكنّي جنّتك؟ قال: بلى، قال: أي ربّ! ألم تسبق رحمتك غضبك؟ قال: بلى، قال: أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنّة؟ قال: بلى».قال:*«فهو قوله:*{فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ}».
- وحدّثني عليّ بن الحسن، قال: حدّثنا مسلمٌ، قال: حدّثنا محمّد بن مصعبٍ، عن قيس بن الرّبيع، عن عاصم بن كليبٍ، عن سعيد بن معبد، عن ابن عبّاسٍ نحوه.
- وحدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: قوله:*{فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ فتاب عليه}*قال:*«إنّ آدم قال لربّه إذ عصاه: ربّ أرأيت إن أنا تبت وأصلحت؟ فقال له ربّه: إنّي راجعك إلى الجنّة».
- وحدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة:*«قوله:{فتل قّى آدم من ربّه كلماتٍ}*ذكر لنا أنّه قال:*يا*ربّ أرأيت إن أنا تبت وأصلحت؟ قال: إنّي إذًا راجعك إلى الجنّة».
قال: وقال الحسن:*«إنّهما قالا:*{ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}».
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم العسقلانيّ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: في قوله:*{فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ}*قال:«إنّ آدم لمّا أصاب الخطيئة، قال: يا ربّ أرأيت إن تبت وأصلحت؟ فقال اللّه: إذًا أرجعك إلى الجنّة فهي من الكلمات. ومن الكلمات أيضًا:{ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}».
- وحدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ:«{فتلقّ ى آدم من ربّه كلماتٍ}*قال: ربّ ألم تخلقني بيدك؟ قيل له: بلى، قال: ونفخت فيّ من روحك؟ قيل له: بلى، قال: وسبقت رحمتك غضبك؟ قيل له: بلى، قال: ربّ هل كتبت هذا عليّ؟ قيل له: نعم، قال: ربّ إن تبت وأصلحت هل أنت راجعي إلى الجنّة؟ قيل له: نعم. قال اللّه تعالى:*{ثمّ اجتباه ربّه فتاب عليه وهدى}».
- وقال آخرون بما حدّثنا به، محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيعٍ، قال: حدّثني من سمع عبيد بن عميرٍ، يقول:*«قال آدم: يا ربّ خطيئتي الّتي أخطأتها أشيءٌ كتبته عليّ قبل أن تخلقني، أو شيءٌ ابتدعته من قبل نفسي؟ قال: بل شيءٌ كتبته عليك قبل أن أخلقك. قال: فكما كتبته عليّ فاغفره لي». قال:«فهو قول اللّه:*{فتلقى آدم من ربّه كلماتٍ}».
- وحدّثنا ابن بشار، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيعٍ، عن مجاهد، عن عبيد بن عميرٍ بمثله.
- وحدّثنا ابن بشار، قال: حدّثنا وكيع بن الجرّاح، قال: حدّثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيعٍ، عمّن سمع عبيد بن عميرٍ يقول:*«قال آدم»، فذكر نحوه.
- وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن عبد العزيز، عن عبيد بن عميرٍ مثله.
- وحدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن عبد العزيز بن رفيعٍ، قال: أخبرني من سمع عبيد اللّه بن عميرٍ بنحوه.
- وقال آخرون بما حدّثني به، أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن شريكٍ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا حصين بن عبد الرّحمن، عن حميد بن نبهانٍ، عن عبد الرّحمن بن يزيد بن معاوية أنّه قال:«قوله:{فتلقى آدم من ربّه كلماتٍ فتاب عليه}*قال آدم: اللّهمّ لا إله إلاّ أنت سبحانك وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك، تب عليّ إنّك أنت التّوّاب الرّحيم».
- وحدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا أبو غسّان، قال: حدّثنا زهيرٍ، وحدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، قال: أخبرنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، وقيسٌ، جميعًا عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ: في قوله:*{فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ}*قال:*«قول ه:*{ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا}»، حتّى فرغ منها.
- وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثني شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ كان يقول في قول اللّه:*{فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ}:«الكلمات : اللّهمّ لا إله إلاّ أنت سبحانك وبحمدك، ربّ إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي إنّك خير الغافرين. اللّهمّ لا إله إلاّ أنت سبحانك وبحمدك، ربّي إنّي ظلمت نفسي فارحمني إنّك خير الرّاحمين. اللّهمّ لا إله إلاّ أنت سبحانك وبحمدك، ربّ إنّي ظلمت نفسي فتب عليّ إنّك أنت التّوّاب الرّحيم».
- وحدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن النّضر بن عربيٍّ، عن مجاهدٍ:*{فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ}*قال:*«هو قوله:*{ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا}*الآية».
- وحدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ:*«{فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ}*قال:*أي رب أتتوب عليّ إن تبت؟ قال: نعم. فتاب آدم، فتاب عليه ربّه».
- وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: في قوله:*{فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ}*قال:«هو*ق وله:*{ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}».
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ:*«هو قوله:*{ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}».
وهذه الأقوال الّتي حكيناها عمّن حكيناها عنه وإن كانت مختلفة الألفاظ، فإنّ معانيها متّفقةٌ في أنّ اللّه جلّ ثناؤه لقّى آدم كلماتٍ، فتلقّاهنّ آدم من ربّه فقبلهنّ وعمل بهنّ وتاب بقيله إيّاهنّ وعمله بهنّ إلى اللّه من خطيئته، معترفًا بذنبه متنصّلاً إلى ربّه من خطيئته، نادما على ما سلف منه من خلاف أمره. فتاب اللّه عليه بقبوله الكلمات الّتي تلقّاهنّ منه وندمه على سالف الذّنب منه.
والّذي يدلّ عليه كتاب اللّه أنّ الكلمات الّتي تلقّاهنّ آدم من ربّه هنّ الكلمات الّتي أخبر اللّه عنه أنّه قالها متنصّلاً بقيلها إلى ربّه معترفًا بذنبه وهو قوله:*{ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}*وليس ما قاله من خالف قولنا هذا من الأقوال الّتي حكيناها بمدفوعٍ قوله، ولكنّه قولٌ لا شاهد عليه من حجّةٍ يجب التّسليم لها فيجوز لنا إضافته إلى آدم، وأنّه ممّا تلقّاه من ربّه عند إنابته إليه من ذنبه.
وهذا الخبر الّذي أخبر اللّه عن آدم من قيله الّذي لقّاه إيّاه فقاله تائبًا إليه من خطيئته، تعريفٌ منه جلّ ذكره جميع المخاطبين بكتابه كيفيّة التّوبة إليه من الذّنوب، وتنبيهٌ للمخاطبين بقوله:*{كيف تكفرون باللّه وكنتم أمواتًا فأحياكم}*على موضع التّوبة ممّا هم عليه من الكفر باللّه، وأنّ خلاصهم ممّا هم عليه مقيمون من الضّلالة نظير خلاص أبيهم آدم من خطيئته مع تذكيره إيّاهم من السّالف إليهم من النّعم الّتي خصّ بها أباهم آدم وغيره من آبائهم).*[جامع البيان: 1/ 579-587]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ):*(قوله:*{التّ وّاب الرّحيم}
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة، قال محمّد بن إسحاق في قوله:{الرّحيم}
قال:«يرحم العباد على ما فيهم».
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: قوله:{الرّحيم}
قال«رحيمٌ بهم بعد التّوبة»).*[تفسير القرآن العظيم: 1/ 92]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) :*(قوله تعالى:*{فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم}.
- أخرج الطبراني في المعجم الصغير والحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*«لما أذنب آدم بالذنب الذي أذنبه، رفع رأسه إلى السماء، فقال: أسألك بحق محمد إلا غفرت لي، فأوحى الله إليه: ومن محمد؟ فقال: تبارك اسمك، لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك، فإذا فيه مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فعلمت أنه ليس أحد أعظم عندك قدرا ممن جعلت اسمه مع اسمك، فأوحى الله إليه: يا آدم إنه آخر النبيين من ذريتك، ولولا هو ما خلقتك».
- وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في التوبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله:*{فتلقى آدم من ربه كلمات}:*«قال: أي رب ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى، قال: أي رب ألم تنفخ في من روحك؟ قال: بلى، قال: أي رب ألم تسبق إلي رحمتك قبل غضبك؟ قال: بلى، قال: أي رب أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال: نعم».
- وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن عساكر بسند ضعيف عن عائشة، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:*«لما أهبط الله آدم إلى الأرض قام وجاء الكعبة فصلى ركعتين، فألهمه الله هذا الدعاء: اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي، وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي، وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنبي، اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي، ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي، وأرضني بما قسمت لي، فأوحى الله إليه: يا آدم قد قبلت توبتك وغفرت ذنبك، ولن يدعوني أحد بهذا الدعاء إلا غفرت له ذنبه، وكفيته المهم من أمره، وزجرت عنه الشيطان، واتجرت له من وراء كل تاجر، وأقبلت إليه الدنيا راغمة وإن لم يردها».
- وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن عساكر بسند ضعيف عن عائشة، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:*«لما أهبط الله آدم إلى الأرض قام وجاء الكعبة فصلى ركعتين، فألهمه الله هذا الدعاء: اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي، وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي، وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنبي، اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي، ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي، وأرضني بما قسمت لي، فأوحى الله إليه: يا آدم قد قبلت توبتك وغفرت ذنبك، ولن يدعوني أحد بهذا الدعاء إلا غفرت له ذنبه، وكفيته المهم من أمره، وزجرت عنه الشيطان، واتجرت له من وراء كل تاجر، وأقبلت إليه الدنيا راغمة وإن لم يردها».
- وأخرج الجندي والطبراني، وابن عساكر في فضائل مكة عن عائشة، قالت:*«لما أراد الله أن يتوب على آدم أذن له فطاف بالبيت سبعا -والبيت يومئذ ربوة حمراء-، فلما صلى ركعتين قام استقبل البيت، وقال: اللهم إنك تعلم سريرتي وعلانيتي فاقبل معذرتي، ؟؟ فأعطني سؤلي، وتعلم ما في نفسي فاغفر لي ذنوبي، اللهم إني أسألك إيمانا يباشر قلبي، ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت لي، والرضا بما قسمت لي، فأوحى الله إليه: إني قد غفرت ذنبك، ولن يأتي أحد من ذريتك يدعوني بمثل ما دعوتني إلا غفرت ذنوبه، وكشفت غمومه وهمومه ونزعت الفقر من بين عينيه، واتجرت له من وراء كل تاجر، وجاءته الدنيا وهي راغمة وإن كان لا يريدها».
- وأخرج الأزرقي في تاريخ مكة والطبراني في الأوسط والبيهقي في الدعوات، وابن عساكر بسند لابأس به عن بريدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:*«لما أهبط الله آدم إلى الأرض طاف بالبيت أسبوعا، وصلى حذاء البيت ركعتين، ثم قال: اللهم أنت تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي، وتعلم حاجتي فأعطني سؤلي، وتعلم ما عندي فاغفر لي ذنوبي، أسألك إيمانا يباهي قلبي، ويقينا صادقا حتى أعلم أنه لا يصيبني إلا ما كتبت، لي ورضني بقضائك، فأوحى الله إليه: يا آدم إنك دعوتني بدعاء فاستجبت لك فيه، ولن يدعوني به أحد من ذريتك إلا استجبت له وغفرت له ذنبه، وفرجت همه وغمه، واتجرت له من وراء كل تاجر، وأتته الدنيا راغمة وإن كان لا يريدها».
- وأخرج وكيع، وعبد بن حميد وأبو الشيخ في العظمة وأبو نعيم عن عبيد أن عمير*اللثي*قال:*« قال آدم: يا رب أرأيت ما أتيت؛ أشيء كتبته علي قبل أن تخلقني أو شيء ابتدعته علي نفسي؟ قال: بل شيء كتبته عليك قبل أن أخلقك، قال: يا رب فكما كتبته علي فاغفره لي، فذلك قوله:*{فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم}».
- وأخرج عبد بن حميد*والن*المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن قتادة، في قوله:*{فتلقى آدم من ربه كلمات}*قال:«ذكر لنا أنه قال: يا رب أرأيت إن تبت وأصلحت، قال: فإني إذن أرجعك إلى الجنة، قالا: ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، فاستغفر آدم ربه وتاب إليه،*فتاب عليه. وأمّا عدو الله إبليس فوالله ما تنصل من ذنبه، ولا سأل التوبة حين وقع بما وقع به، ولكنه سأل النظرة إلى يوم الدين، فأعطى الله كل واحد*مهما*ما سأل».
- وأخرج الثعلبي من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله:*{فتلقى آدم من ربه كلمات}*قال:«قوله: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}».- وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله:*{فتلقى آدم من ربه كلمات}*قال:«هو قوله:*{ربنا ظلمنا أنفسنا}*الآية».
يتبع
منقول