رُوي من حديث عائشة أم المؤمنين ، وحذيفة بن أسيد ، وزيد بن أرقم ، ومرسل يزيد بن زياد ، ومرسل إبراهيم النخعي ، ومن قول سعيد بن جبير.
[حديث عائشة]
أخرج ابن بشران في "مجلسان من أماليه" (3) ، ومن طريقه البيهقي في "دلائل النبوة" (165/7) واللفظ له ، والطحاوي في "ِشرح مشكل الاثار" (146) (1937) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (481/47) ، وابن أبي عاصم في "الاحاد والمثاني" (2970) ، والطبراني (1031) ، والدولابي في"الذرية الطاهرة" (194) ، وابن عبد البر في "التمهيد" (200/14) من طرق عن سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عمارة ابْنُ غَزِيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، أَنَّ أُمَّهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ حَدَّثَتْهُ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهَا أَنَّهَا، كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ لِفَاطِمَةَ: «يَا بُنَيَّةُ أَحْنِي عَلَيَّ» ، فَأَحْنَتْ عَلَيْهِ، فَنَاجَاهَا سَاعَةً، ثُمَّ انْكَشَفَتْ عَنْهُ وَهِيَ تَبْكِي , وَعَائِشَةُ حَاضِرَةٌ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَاعَةٍ: «أَحْنِي عَلَيَّ يَا بُنَيَّةُ» فَأَحْنَتْ عَلَيْهِ فَنَاجَاهَا سَاعَةً، ثُمَّ انْكَشَفَتْ تَضْحَكُ قَالَ: فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَيْ بُنَيَّةُ أَخْبِرِينِي مَاذَا نَاجَاكِ أَبُوكِ؟ قَالَتْ فَاطِمَةُ: أَوْشَكْتِ رَأَيْتِهِ نَاجَانِي عَلَى حَالِ سِرٍّ، وَظَنَنْتِ أَنِّي أُخْبِرُ بِسِرِهِ وَهُوَ حَيٌّ قَالَ: " فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى عَائِشَةَ أَنْ يَكُونَ سِرًّا دُونَهَا، فَلَمَّا قَبَضَهُ اللهُ إِلَيْهِ قَالَتْ عَائِشَةُ لِفَاطِمَةَ: أَلَا تُخْبِرِينِي بِذَلِكَ الْخَبَرِ؟ قَالَتْ: أَمَّا الْآنَ فَنَعَمْ نَاجَانِي فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَأَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً، وَأَنَّهُ عَارَضَنِي بِالْقُرْآنِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ كَانَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ إِلَّا عَاشَ بَعْدَهُ نِصْفَ عُمُرِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، وَأَخْبَرَنِي، أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَاشَ عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ، فَلَا أَرَانِي إِلَّا ذَاهِبًا عَلَى رَأْسِ السِّتِّينَ " , فَأَبْكَانِي ذَلِكَ وَقَالَ: " يَا بُنَيَّةُ إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَعْظَمُ رَزَنَةً مِنْكُمْ، فَلَا تَكُونِي مِنْ أَدْنَى امْرَأَةٍ صَبْرًا وَنَاجَانِي فِي الْمَرَّةِ الْآخِرَةِ، فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِهِ لُحُوقًا بِهِ وَقَالَ: «إِنَّكِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا مَا كَانَ مِنَ الْبَتُولِ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ» ، فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ.
وتابع نافع بن يزيد ، عبد الله بن لهيعة ، ولكنه أسقط من الإسناد عائشة.
أخرجه الطبري في "التفسير" (398/6) ، وهذا من سوء حفظ ابن لهيعة.
ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ، وثقه العجلي ، وقال ابن سعد: ((كان كثير الحديث ، عالما)) ، وقال النسائى: ((ثقة)) ، وقال فى موضع آخر: ((ليس بالقوى)) ، وذكره ابن حبان فى "الثقات" وقال: ((فى حديثه عن أبى الزناد بعض المناكير)) ، وقال البخارى: ((عنده عجائب)) ، وقال البخاري أيضأً ، وابن الجارود: ((لا يكاد يتابع على حديثه)) ، وقال مسلم: ((مُنْكَرُ الحديثِ)) ، وقال ابن عدي: ((حَدِيثُهُ قَلِيلٌ وَمِقْدَارُ مَا لَهُ يُكْتَبُ)).
وقال ابن كثير في "البداية والنهاية" (516/2): ((حَدِيثٌ غَرِيبٌ)).
وأخرجه البزار كما في "كشف الأستار" (846) ، والدولابي في "الذرية الطاهرة" (186) ، وابن عبد البر في "التمهيد" (200/14) من طريق ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَفَاطِمَةُ، فَنَاجَى فَاطِمَةَ بِشَيْءٍ، فَلَمَّا فَرَغَ بَكَتْ، ثُمَّ نَاجَاهَا الثَّانِيَةَ فَضَحِكَتْ، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ ضَحِكًا أَقْرَبَ مِنَ الْبُكَاءِ مِنْ هَذَا، فَسَأَلْتُهَا فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُطْلِعَكِ عَلَى سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُهَا، فَقَالَتْ: قَالَ لِي: «مَا بُعِثَ نَبِيٌّ إِلا كَانَ لَهُ مِنَ الْعُمُرِ نِصْفُ عُمُرِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَقَدْ بَلَغْتُ نِصْفَ عُمُرِ الَّذِي قَبْلِي» ، فَبَكَيْتُ ثُمَّ قَالَ لِي: «أَنْتِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلا مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ» فَضَحِكْتُ.
وقال البزار: ((لا نَعْلَمُ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ عُرْوَةَ إِلا هَذَا)).
قلت: عبد الله بن عبد الله بن الأسود ، وقع عند الدولابي بلفظ "عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَسْوَدِ" ، وفي الرواة عبد الله بن عبد الله بن الأسود الحارثى ، ولكنه في طبقة متأخرة ، فإنه يروي عن حصين ، وعبد الملك بن جُرَيْج، وعثمان بن الأسود، ومجالد بن سَعِيد، وأبي خلدة ، وبرَوَى عَنه: محمد بن بشر العبدي ، وأَبُو سَعِيد الأشج ، وظاهر كلام البزّار أنه المقصود ، ويبعد إدراكه لعروة بن الزبير ، والراجح أنه منقطع.
وابن لهيعة فيه كلام معروف.
[حديث حذيفة بن أسيد]
أخرج الطبراني (3052) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (219/42) ، والحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (296) ، وبقي بن مخلد في "الحوض والكوثر" (16) ، وحنبل بن إسحاق في "جزئه" (55) ، وأبو نعيم في "الحلية" (355/1) ، والضياء المقدسي في "جزء في أحاديث الحوض" ، ومن طريقه ابن كثير في "النهاية" (388/1) من طريق زيد بن الحسن الأنماطي أنا معروف بن خربوذ المكي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن حذيفة بن أسيد قال لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجة الوداع نهى أصحابه عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا حولهن ثم بعث إليهم فصلى تحتهم ثم قام فقال أيها الناس قد نبأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي يليه من قبله وأني لأظن أن يوشك أن أدعى فأجيب وإني مسؤول وأنتم مسؤولون فماذا أنتمم قائلون قالوا نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيرا قال ألستم تشهدون أن لا إله ألا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن جنته حق وناره حق وأن الموت حق وأن البعث بعد الموت حق وأن الساعة اتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور قالوا بلى نشهد بذلك قال اللهم اشهد ثم قال أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وإني أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ثم قال أيها الناس إلي فرط لكم وإنكم واردون على الحوض حوضي أعرض مما بين بصرى وصنعاء فيه عدد النجوم قدحان فضة وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله ع وجل وجل وطرف بأيديكم فاستمسكوا به ولا تضلوا ولا تبدلوا وعترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي حوضي.
وقال ابن كثير: ((لَمْ يَرْوِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ أحد ولا أحمد أيضاً)).
وزيد بن الحسن الأنماطي ، قال أبو حاتم: ((منكر الحديث)) ، وذكره ابن حبان في "الثقات" ، وقال ابن حجر: ((ضعيف)).
ومعروف بن خربوذ ، قال ابن معين: ((ضعيف)) ، وقال العقيلي: ((لا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ وَلَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهِ)) ، وقال أحمد: ((مَا أَدْرِي كَيْفَ حَدِيثُهُ)) ، وقال أبو حاتم: ((يُكتب حديثه)) ، وقال الساجي: ((صدوق)) ، وروى له البخاري ومسلم.
وقال ابن الأثير في "أسد الغابة" (136/3): ((روى عَبْد اللَّهِ بْن سنان، عن أَبِي الطفيل عامر بْن واثلة، عن حذيفة بْن أسيد الغفاري، وعامر بْن ليلى بْن ضمرة، قالا: لما صدر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حجة الوداع، ولم يحج غيرها، أقبل حتى إذا كان بالجحفة، وذلك يَوْم غدير خم من الجحفة، وله بها مسجد معروف، فقال: " أيها الناس، إنه قد نبأني اللطيف الخبير أَنَّهُ لم يعمر نبي إلا نصف عمر الذي قبله، وَإِني يوشك أن أدعى فأجيب "،......ثم ذكر الحديث إِلَى أن قال: فأخذ بيد علي فرفعها، وقال: " من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ..."، وذكر الحديث.
قال أَبُو موسى: هذا حديث غريب جدًا، لا أعلم أني كتبته إلا من رواية ابن سَعِيد.))
وعزّاه السخاوي في "استجلاب ارتقاء الغرف" (353/1) إلى ابن عُقْدة في "الموالاة" وقال: ((ومن طريق ابن عُقْدة أورده أبو موسى المدينيُّ في "ذيله في الصَّحابة". وقال: "إنه غريبٌ جدًّا")).
[حديث زيد بن أرقم]
أخرج الطبراني (4971) عن عبد الله بن بكير، عن حكيم بن جبير، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم، قال: نزل النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجحفة، ثم أقبل على الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إني لا أجد لنبي إلا نصف عمر الذي قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، فما أنتم قائلون؟» قالوا: نصحت قال: «أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق والنار حق وأن البعث بعد الموت حق؟» قالوا: نشهد، قال: فرفع يديه فوضعهما على صدره، ثم قال: «وأنا أشهد معكم» ثم قال: «ألا تسمعون؟» قالوا: نعم، قال: «فإني فرطكم على الحوض وأنتم واردون علي الحوض، وإن عرضه أبعد ما بين صنعاء وبصرى، فيه أقداح عدد النجوم من فضة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين؟» فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: «كتاب الله طرف بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا، والآخر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، وسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم» ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: «من كنت أولى به من نفسي فعلي وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه»
وحكيم بن جبير ، مُتفق على ضعفه ، وقال ابن معين وأبو داود: ((ليس بشئ)) ، وقال الدارقطني:((متروك)).
وأخرج يعقوب بن سفيان في "مشيخته" (124) ، والبزّار (4345) ، والبخاري في "التاريخ الكبير" (244/7) ، والطحاوي في "شرح مشكل الاثار" (1938) ، وأبو نعيم في "الحلية" (68/5) ، وفي "معرفة الصحابة" (2981) ، ومن طريقه الديلمي كما في "زهر الفردوس" (3447) ، وابن عدي في "الكامل" (226/7) عن عبيد بن إسحاق العطار ، وأخرج الدولابي في "الذرية الطاهرة" (187) عن النضر بن سلمة ، وأخرج الحاكم في "المستدرك" (6272) ، والطبراني (4986) ، وأبو بكر الشافعي في "الغيلانيات" (118) عن أبو نعيم الفضل بن دكين ، جميعهم عن كَامِلٌ أَبُو الْعَلَاءِ، قَالَ: سَمِعْتُ حَبِيبَ بْنَ أَبِي ثَابِتٍ يُخْبِرُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى غَدِيرِ خُمٍّ فَأَمَرَ بِدَوْحٍ، فَكُسِحَ فِي يَوْمٍ مَا أَتَى عَلَيْنَا يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ حَرًّا مِنْهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ قَطُّ إِلَّا مَا عَاشَ نِصْفَ مَا عَاشَ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ، وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ، ثُمَّ قَامَ فَأَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ أَوْلَى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، «أَلَسْتُ أَوْلَى بِكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ»
قَالَ الْبَزَّارُ: ((وَهَذَا الْحَدِيثُ لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَن زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ إلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ)).
وقال الحاكم: ((هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ)).
وكامل بن العلاء أبو العلاء ، قال ابن معين ، ويعقوب بن سفيان ، والعجلي: ((ثقة)) ، وقال النسائي: ((ليس بالقوي)) ، وقال ابن سعد: (( كان قليل الحديث ، وليس بذاك)) ، وقال ابن حبان: (( كان ممن يقلب الأسانيد ، و يرفع المراسيل من حيث لا يدرى ، فبطل الاحتجاج بأخباره)) ، وقال ابن عدي: ((رأيت فِي بعض رواياته أشياء أنكرتها فذكرته من أجل ذَلِكَ ومع هذا أرجو أن لا بأس به)) ، وعدّ ابن عدي هذا الحديث من منكراته.
وخولف حبيب بن أبي ثابت ، فأخرج إسحاق بن راهوية في "مسنده" (2105) واللفظ له ، وابن سعد في "الطبقات" (308/2) عن حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (483/47) ، وابن شاهين في "فضائل فاطمة" (7) ، وأبو يعلى في "مسنده" (6742) مختصراً عن سفيان بن عيينة ، كلاهما عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلم قَالَ: «يَا فَاطِمَةُ، إِنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ إِلَّا عُمِّرَ الَّذِي بَعْدَهُ نِصْفَ عُمْرِهِ , وَإِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ بُعِثَ لِأَرْبَعِينَ، وَإِنِّي بُعِثْتُ لِعِشْرِينَ»
وجاء في "العلل" للدارقطني (3931): ((وَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، إن عيسى ابن مريم مكث في بني إسرائيل أربعين سنة، وما من نبي بعث إلا عاش نصف عمر الذي قبله وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سار فاطمة فضحكت، وسارها فبكت ... الْحَدِيثَ.
فَقَالَ: يَرْوِيهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ؛
فَرَوَاهُ عمرو بن محمد العنقزي، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عن يحيى بن جعدة، عن فاطمة.
وخالفه محمد بن عبادة، ومحمد بن أبي عمر العدني، وسعيد بن عمرو الأشعثي، فرووه عن ابن عيينة، عن عمرو، عن يحيى بن جعدة، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... ، مُرْسَلًا، وَهُوَ المحفوظ.))
[مرسل يزيد بن زياد المدني]
أخرج ابن سعد في "الطبقات" (195/2) ، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (482/47) ، عن هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم فِي السَّنَةِ الَّتِي قُبِضَ فِيهَا لِعَائِشَةَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يَعْرِضُ عَلَيَّ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً فَقَدْ عَرَضَ عَلَيَّ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيُّ إِلَّا عَاشَ نِصْفَ عُمْرِ أَخِيهِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ» ، عَاشَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مِائَةً وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَهَذِهِ اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً وَمَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ.
وفي إسناده أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن ، قال ابن حجر: ((ضعيف أسن و اختلط)) ، وهو مرسل كذلك.
[مرسل إبراهيم النخعي]
أخرج ابن سعد في "الطبقات" (308/2) عن سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، و ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (483/47) عن جرير ، كلاهما عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النخعي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم: «يَعِيشُ كُلُّ نَبِيٍّ نِصْفَ عُمُرِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَإِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ مَكَثَ فِي قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ عَامًا»
وإبراهيم النخعي ، قال العلائي في "جامع التحصيل" (ص141): ((وجماعة من الأئمة صححوا مراسيله وخص البيهقي ذلك بما أرسله عن بن مسعود)).
[قول سعيد بن جبير]
أخرج نعيم بن حماد في "الفتن" (1987) عن جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «لَمْ يَكُنْ نَبِيُّ فِيمَا خَلَا إِلَّا عَاشَ نِصْفَ عَيْشِ الْآخَرِ، وَعَاشَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَرْبَعِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ»
وإسناده حسن.
[كلام العلماء حول الحديث]
وسُئل الحافظ ابن حجر عن هذا الحديث من رواية زيد بن أرقم ، فأجاب: ((وَأما حَدِيث زيد بن أَرقم فتفسيره فِي حَدِيث عَائِشَة الَّذِي .... [بياض بالأصل]... وَأما حَال سَنَده فَهُوَ حسن لاعتضاده لَكِن يُعَكر على ذَلِك مَا ورد فِي عمر عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَقد أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي المعجم الْكَبِير بِسَنَد رِجَاله ثِقَات إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرو بن عُثْمَان بن عَفَّان وَهُوَ الْمَعْرُوف بالديباج عَن أم فَاطِمَة بنت الْحُسَيْن بن عَليّ أَن عَائِشَة كَانَت تَقول أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي مَرضه الَّذِي قبض فِيهِ لفاطمة (إِن جِبْرِيل كَانَ يُعَارضهُ الْقُرْآن فِي كل عَام مرّة وَأَنه عارضني بِالْقُرْآنِ الْعَام مرَّتَيْنِ وَأَخْبرنِي أَنه أخبرهُ أَنه لم يكن نَبِي إِلَّا عَاشَ نصف عمر الَّذِي كَانَ قبله وَأَخْبرنِي أَن عِيسَى ابْن مَرْيَم عَاشَ عشْرين وَمِائَة سنة وَلَا أَرَانِي إِلَّا ذَاهِبًا على رَأس السِّتين فَبَكَتْ الحَدِيث)).
انظر "الإمتاع بالأربعين" (ص102-103).
وسُئل عنه السخاوي ، فقال: ((هذا الحديث اختلف فيه على روايه سعيد بن أبي مريم -أحد الأثبات -:
فأخرجه البزار في مسنده عن عمر بن الخطاب السجستاني عنه فقال عن ابن لهيعة، عن جعفر بن ربيعة عن عبد الله بن عبد الله بن الأسود، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: فذكر الحديث.
وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير عن يحيى بن أيوب العلاف المصري عنه، فقال عن نافع بن يزيد، عن عمارة بن غزية عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، أن أمه فاطمة ابنة حسين حدثته أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول: فذكر الحديث.
وهكذا رواه يعقوب بن سفيان الفسوي في تاريخه وابن وارة وغيرهما عن ابن أبي مريم، ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم في الإكليل، ورواية الجماعة أرجح مع جواز أن يكون عند سعيد بكل من الوجهين، ولكن في الوجه الأول ابن لهيعة، وليس هو بانفراد بحجة، وفي الثاني محمد بن عبدالله وهو الملقب بالديباج وفيه مقال، قال فيه البخاري: عنده عجائب، وقال ابن الجارود: لا يكاد يتابع على حديثه، وقال النسائي: إنه ليس بالقوي، وروي عن النسائي أيضًا أنه وثقه، وكذا وثقه ابن حبان والعجلي.
وروايته مع ذلك معلولة بأن الصحيح كما قال الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق أن عيسى عليه السلام لم يبلغ هذا العمر، قال: وإنما أراد مقامه في أمته، ويؤيده أن سفيان بن عيينة روى عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة، قال: دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها في مرضه فسارها فقال: "إن الله لم يبعث نبيًا إلا وقد عمر نصف عمر الذي قبله، وإن عيسى لبث في بني إسرائيل أربعين سنة وهذه توفي لي عشرين".
وهي مع إرسالها مقوية لرواية ابن لهيعة، لا سيما وقد روى الأعمش عن إبراهيم قال: مكث عيسى في قومه أربعين عامًا.
نعم يخدش في هذا قول الحسن البصري، كان عمر عيسى عليه السلام يوم رفع أربعًا وثلاثين سنة.
ونحوه ما رواه عفان عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال: رفع عيسى عليه السلام ابن ثلاث وثلاثين سنة.
بل يروى في بعض طرق الحديث المرفوع في وصف أهل الجنة بأنهم أبناء ثلاث وثلاثين على ميلاد عيسى وحسن يوسف عليهما السلام.
وأما ما ورد من أن بين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعيسى عليه السلام أنبياء، ففيه مقال، وما في الصحيح من التصريح بقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا أولى الناس بعيسى لأنه لم يكن بيني وبينه نبي" أصح. وبالجملة فقد ضعف الحديث من الوجهين شيخ شيوخنا الحافظ الزاهد أبو الحسن الهيثمي وقال العماد ابن كثير: إنه غريب جدًا)).
انظر "الأجوبة المرضية" (2/ 847-850).
وقال ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (482/47): ((والصحيح أن عيسى لم يبلغ هذا العمر وإنما أراد به مدة مقامه في أمته)).
وقال ابن حجر في "المطالب" (271/14): ((مَعْنَاهُ عَمَّرَ فِي النُّبُوَّةِ)).
وقال ابن عبد البر في "التمهيد" (200/14): ((احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ عِيسَى صَلَوَاتُ الله عليه وسلامه مات وأنه توفي موت وَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَاتَ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَاشَ عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ أَيْ عَاشَ فِي قَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ كَانَ لَهُ مِنَ الْعُمُرِ نِصْفُ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ عَاشَ نِصْفَ عُمُرِ الَّذِي قَبْلَهُ أَيْ عَاشَ فِي قَوْمِهِ وَكَانَ فِي قَوْمِهِ أَوْ فِي الْأَرْضِ وَنَحْوَ هَذَا وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ مَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نُزُولِهِ وَقَتْلِهِ الدَّجَّالَ وَحَجِّهِ الْبَيْتَ بِأَسَانِيدَ لَا مَطْعَنَ فِيهَا)).
وقال الكشميري في "فيض الباري" (456/4): ((وهذا مُشْكِلٌ، فإنه لا يَسْتَقِيمُ بحسب أعمار الأنبياء عليهم السلام. والمرادُ عندي أنه باعتبار أُولي العزم من الأنبياء عليهم السلام الذي دُوِّن التاريخ بهم)).
وقال ابن كثير في "جامع المسانيد" (87/3): ((وهو حديث منكر جداً ومن ضعفه أن يكون عيسى بن مريم عليه السلام قد عُمر قبل رفعه مائة وستًّا وعشرين سنة، وهذا خلاف المشهور من أنه رفع وله ثلاث وثلاثون سنة، ثم إذا ضعف هذا العدد على هذا الوجه أدى إلى تضعيف أعداد لا تنحصر، ولو لم يضعف إلا بأعداد الرسل الذين عدتهم كما جاء فى حديث أبى ذر فى صحيح ابن حبان ثلاثمائة وثلاثة عشر، دع أعداد الأنبياء، كما ورد فى حديثه مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً.
هذه رقعة الشطرنج التى أولها واحد إذا ضوعفت إلى أربع وستين ضعفاً، فلا يكاد يضبطه اللفظ، ولا الذهن من ألوف ألوف الألوف، فكيف بما أوله ستون، أو ثلاث وستون، أو خمس وستون ثم يضاعف إلى المئات، أو ألوف، أو مائة ألف مرة أو أزيد لكانت الدنيا كلها لا تتسع لِعُشْر عُشْرِ عُشْرِ كذا كذا مرةً من ذلك والله أعلم. / وما نشَأَ إلا هذا إلاَّ من تقدير صحة هذا الحديث، فليس هو بصحيح من جهة متنه ولا من جهة سنده أيضاً...)).
والله أعلم.