سئل الشيخ الامام ابن باز رحمه الله
السؤال
بينوا لنا كيف كانت عقيدة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صفات الله سبحانه وتعالى، وفي توحيد الله، وفي القرآن، وفي البعث والجزاء؟
الجواب
هذا سؤال عظيم جدير بالعناية. عقيدة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أسماء الله وصفاته، وفي البعث والنشور، وفي غير ذلك - هي ما دل عليه القرآن العظيم والسنة المطهرة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.فهم - رضي الله عنهم - تلقوا عن نبيهم العقيدة التي دل عليها القرآن العظيم، وهي الإيمان بالله أنه ربهم ومعبودهم الحق سبحانه وتعالى الذي لا تجب العبادة إلا له سبحانه وتعالى. هو الذي يصلى له، ويدعى ويستغاث به، وينذر له، ويصلى له ويسجد ويذبح له، إلى غير ذلك، العبادة حقه سبحانه وتعالى. فعقيدتهم أن العبادة حق الله وحده، وأنه لا يصرف منها شيء إلى غير الله، لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل.وقد كانوا في الجاهلية يعبدون الأصنام، ويدعونها ويستغيثون بها، والأشجار والأحجار. فلما بعث الله نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - هداهم للإسلام وعرفوا أن ما هم عليه هو الباطل، وأنه الشرك الأكبر، وأن العبادات كلها يجب أن تكون لله وحده.
وعقيدتهم في أسماء الله وصفاته الإيمان بها، وإمرارها كما جاءت وعدم التكييف والتمثيل، فهم يؤمنون بأن الله هو السميع البصير، الحكيم العليم، الرحمن الرحيم، وأنه على العرش استوى فوق جميع الخلق، وأنه العلي العظيم سبحانه وتعالى.وأنه الحي القيوم، وأنه المتصرف في عباده كيف يشاء، مدبر الأمور وخالق الخلق، ورازق العباد. لا شبيه له ولا مثل له ولا كفء له {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} {اللَّهُ الصَّمَدُ} {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} ، ويقول سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}).فهذ ه عقيدة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في أسماء الله وصفاته، يؤمنون بأنه سبحانه فوق العرش فوق جميع الخلق، وأنه العلي العظيم، وأن الأعمال الصالحة ترفع إليه، كما قال جل وعلا: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} ، وقال جل وعلا: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} . والعروج: الصعود من أسفل إلى أعلى.وقال جل وعلا: {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} ، وقال: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} . .
وقال سبحانه في حق عيسى عليه السلام: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} )، وقال: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} ). .فهو فوق العرش، فوق جميع الخلق، فهو العلي الأعلى، هو ذو العرش، كما قال تعالى: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} ). فهو فوق العرش، فوق جميع الخلق، قد استوى عليه. والاستواء هو العلو والارتفاع فوق العرش، استواء يليق بجلال الله، لا يشابه خلقه في استوائهم، ولا في كلامهم، ولا في غير ذلك، فهو سبحانه وتعالى العلي الأعلى، فوق العرش بلا كيف.أهل السنة والجماعة، وهم أصحاب النبي وأتباعهم - لا يكيفون، لا يقولون: استوى، كيف استوى؟ بل يقولون: استوى على العرش بلا كيف، على الكيف الذي يعلمه سبحانه، لا نعلم كيفية صفاته جل وعلا، بل نقول: استوى بلا كيف، وهو الرحمن الرحيم، وهو العزيز الحكيم، وهو السميع البصير، بلا كيف.لكن نعلم يقينا أن صفاته كاملة، وأنه لا شبيه له ولا مثل له، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} )، فلا يجوز لأحد أن يكيفها ولا أن يمثلها، فالمشبهة كفار، من شبه الله بخلقه فقد كفر، وكذب قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ومن عطل صفاته وأنكرها كالجهمية كفر، أو عطل معانيها كالمعتزلة كفر. فالواجب إثبات أسمائه وصفاته لفظها ومعناها، يجب
إثبات الأسماء والصفات لفظا ومعنى لله عز وجل، فهو موصوف بها.وهو سبحانه وتعالى له معناها، فهو العلي له العلو، رحمن له الرحمة، سميع يسمع، بصير يبصر، إلى غير ذلك. كله حق، على وجه لا شبيه له في ذلك، ولا كفء له، ولا ند له سبحانه وتعالى.وكلام الله منزل غير مخلوق، تكلم بالقرآن، وكلامه منزل غير مخلوق، وهكذا كلم موسى، كلم محمدا - صلى الله عليه وسلم -. يكلم الملائكة، كلامه حق. يسمع، ليس كمثله شيء. كلامه نقول فيه كسائر الصفات: كلام صحيح حقيقي، لا يشبه كلام المخلوقين، صفة من صفاته كالسمع والبصر، والرضا والغضب والرحمة، وغير ذلك من صفاته جل وعلا.فالواجب على جميع المكلفين الإيمان بأسمائه وصفاته، والإيمان بكل ما أخبر الله به ورسوله من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، ومن دون زيادة أو نقص، بل يجب إثبات ما أثبته الله ورسوله، ونفي ما نفاه الله ورسوله.هذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة، وعقيدة الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم. وأما الذين غيروا وبدلوا فليسوا من الصحابة في شيء، وليسوا من أهل السنة في شيء كالجهمية والمعتزلة والرافضة وغيرهم.أهل السنة والجماعة يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، واحد لا شريك له، ويعتقدون معنى قول: لا إله إلا الله، وأن معناها لا معبود حق إلا الله، فهم يؤمنون بأنه سبحانه المعبود الحق، وأنه لا إله غيره، ولا شريك له، ويؤمنون بأنه سبحانه ذو الأسماء الحسنى والصفات العلا، وأن أسماءه كلها حسنى، وأن صفاته كلها علا.لا يشبهه شيء
من خلقه سبحانه وتعالى في شيء من صفاته، والواجب على جميع المكلفين الإيمان بذلك، والسير على منهج الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم. وهو توحيد الله والإخلاص له، والإيمان بأنه يستحق العبادة والإيمان بأسمائه وصفاته، وأنها حق، وأنه سبحانه لا شبيه له، ولا مثل له ولا كفء له. ولا يقاس بخلقه عز وجل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} )، سبحانه وتعالى، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} )، {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} . .هذا هو دين الله، هذا هو الحق الذي جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام. العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله
فتاوى نور على الدرب
(للشويعر 114 إلى 118/ 1)(الشريط 380)