خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
- حُقُوقُ الْأُجَرَاءِ فِي الإِسْلَامِ


مجلة الفرقان

جاءت خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لهذا الأسبوع 27 من ذي الحجة 1442هـ - الموافق 6 / 8 /2021م، مبينة نِعَمَ اللهِ التي امتن بها على عباده، وكثرة َأَفْضَال الله عَلَيْنَا التي لو اجْتَهَدْنَا فِي إِحْصَائِهَا لَمَا اسْتَطَعْنَا؛ قَالَ -سبحانه-: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} (النحل:18).

وأضافت الخطبة أنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ -تعالى- عَلَى الْعَبْدِ تَسْهِيلَ سُبُلِ الرَّاحَةِ، وَتَيَسُّرَ طُرُقِ الرِّزْقِ؛ لِذَا سَخَّرَ اللهُ الْعِبَادَ بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ فِي سَبِيلِ ذَلِكَ، وَلِلَّهِ الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ؛ قَالَ -سبحانه-: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} (الزخرف:32)، فَاخْتِلَافُ أَحْوَالِ النَّاسِ فِي مَعِيشَتِهِمْ وَدَرَجَاتِهِمْ مِنْ حِكْمَةِ اللهِ -تعالى- فِيهِمْ، فَتَجِدُ بَعْضَهُمْ يُكْمِلُ بَعْضًا فِي أُمُورِ مَعَاشِهِمْ وَحَيَاتِهِمْ.

الْعَمَل الشَّرِيف

ثم أكدت الخطبة أِنَّ الْعَمَلَ الشَّرِيفَ وَطَلَبَ الرِّزْقِ خَيْرٌ مِنَ الْجُلُوسِ أَوْ سُؤَالِ النَّاسِ؛ فَدِينُنَا دِينُ الْعَمَلِ وَالْجِدِّ وَالِاجْتِهَادِ فِي عِمَارَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ كَمَا قَالَ -سبحانه-: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (الملك:15).

الحَث عَلَى الْعَمَلِ وَتَحْصِيل الرِّزْقِ

وَقَدْ حَثَّ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى الْعَمَلِ وَتَحْصِيلِ الرِّزْقِ؛ فَعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ, فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ اَلْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ, فَيَبِيعَهَا, فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ, خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ). بَلْ رَعَى - صلى الله عليه وسلم - الْغَنَمَ لِأَهْلِ مَكَّةَ عَلَى مَالٍ يُعْطُونَهُ إِيَّاهُ.

الْعَلَاقَة بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَجِيرِ

فشَرِيعَتُنَا الْإِسْلَامِيَّ ةُ -كما بينت الخطبة- نَظَّمَتِ الْعَلَاقَةَ الْقَائِمَةَ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْعَامِلِ الْأَجِيرِ، وَشَرَعَتْ أَحْكَامًا وَتَوْجِيهَاتٍ تَضْمَنُ لِكِلَيْهِمَا حَقَّهُ، وَتَكْفُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَرَامَتَهُ، وبينت عددًا من حقوق العمال الأجراء في الإسلام وذكرت منها ما يلي:

إِحْسَانُ مُعَامَلَتِهِ وَإِكْرَامُهُ

من حقوق العامل إِحْسَانُ مُعَامَلَتِهِ وَإِكْرَامُهُ، وَعَدَمُ تَكْلِيفِهِ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَعَلَ فَلْيُسَاعِدْهُ ، إِمَّا بِنَفْسِهِ، أَوْ بِأُجَرَاءَ آخَرِينَ مَعَهُ؛ فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ -يَعْنِي خَدَمَكُمْ- جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُم ْ فَأَعِينُوهُمْ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ)، وَمِنْ إِعَانَتِهِمْ: إِعْطَاؤُهُمْ وَقْتًا لِلرَّاحَةِ، وَالتَّوَقُّفُ عَنِ الْعَمَلِ فِي سَاعَاتِ شِدَّةِ الْحَرِّ وَشِدَّةِ الْبَرْدِ.

التَّوَاضُعُ لَهُ وَعَدَمُ التَّكَبُّرِ عَلَيْهِ

وَمِنْ حُقُوقِ الْأَجِيرِ أَيْضًا: التَّوَاضُعُ لَهُ، وَعَدَمُ التَّكَبُّرِ عَلَيْهِ؛ قَالَ -سبحانه-: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات:13)، وَعَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى» (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ ).

إِعْطَاؤُهُ أُجْرَتَهُ تَامَّةً

وَمِنْ حُقُوقِ الْأَجِيرِ: إِعْطَاؤُهُ أُجْرَتَهُ تَامَّةً، وَعَدَمُ مُمَاطَلَتِهِ أَوْ تَأْخِيرِهِ؛ فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «قَالَ اللهُ -تعالى-: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ».

فَلْنُـبَادِرْ جَمِيعًا إِلَى إِعْطَاءِ النَّاسِ حُقُوقَهُمْ، وَعَدَمِ التَّهَاوُنِ فِي دَفْعِهَا لَهُمْ، سَوَاءٌ كُنَّا أَفْرَادًا أَوْ شَرِكَاتٍ؛ وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهمَ-ا أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ ).

عَدَمُ سَبِّهِ أو َضَرْبِهِ

وَمِنْ حُقُوقِ الْعَامِلِ: عَدَمُ سَبِّهِ وَشَتْمِهِ وَضَرْبِهِ؛ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا:
«اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ». فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ، فَقَالَ:«أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ» (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).


مِنْ أَخْلَاقِ الإِسْلَامِ الْعَظِيمَةِ

فَإِحْسَانُ مُعَامَلَةِ الْعَامِلِ وَإِكْرَامُهُ وَعَدَمُ سَبِّهِ مِنْ أَخْلَاقِ الإِسْلَامِ الْعَظِيمَةِ، قَالَ أَنَسٌ - رضي الله عنه -: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا، فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَذْهَبُ، وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ: «يَا أُنَيْسُ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ؟». قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ أَنَسٌ: وَاللَّهِ لَقَدْ خَدَمْتُهُ تِسْعَ سِنِينَ مَا عَلِمْتُهُ قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ أَوْ لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ هَلَّا فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).