الأصل أن ضالة الإبل يحرم أخذها ولقطتها لحديث البخاري رقم 91 عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ اللُّقَطَةِ، فَقَالَ: «اعْرِفْ وِكَاءَهَا، أَوْ قَالَ وِعَاءَهَا، وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ» قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ، أَوْ قَالَ احْمَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: «وَمَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ المَاءَ وَتَرْعَى الشَّجَرَ، فَذَرْهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا» قَالَ: فَضَالَّةُ الغَنَمِ؟ قَالَ: «لَكَ، أَوْ لِأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ»


لكن إن خشي عليها من الضياع فإنها تؤخذ حتى لا تضيع وهو قول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وثابت بن الضحاك الأنصاري رضي الله عنهم وروي عن عثمان رضي الله عنه وهو قول سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز والشعبي.


فقد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه جاءه من التقط ضالة الإبل فقال له: عرفها ولم يقل له اتركها إلا لما اشتكى أنها شغلته.
ففي موطأ مالك رواية أبي مصعب الزهري (2/ 500)
2979 - حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ ثَابِتَ بْنَ الضَّحَّاكِ الأَنْصَارِيَّ حدثه، أَنَّهُ وَجَدَ بَعِيرًا ضالاً بِالْحَرَّةِ , فَعرفَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يُعَرِّفَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ لَهُ: فإِنَّهُ قَدْ شَغَلَنِي عَنْ ضَيْعَتِي، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَرْسِلْهُ حَيْثُ وَجَدْتَهُ.


وثبت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه بنى لضوال الإبل مربدا حتى يعرفها صاحبها وهو قول سعيد بن المسيب:
ففي مصنف ابن أبي شيبة (4/ 369)
21144 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ مُرَّةَ، يُحَدِّثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: «رَأَيْتُ عَلِيًّا بَنَى لِلضَّوَالِّ مِرْبَدًا، فَكَانَ يَعْلِفُهَا عَلَفًا لَا يُسَمِّنُهَا وَلَا يُهْزِلُهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَكَانَتْ تُشْرِفُ بِأَعْنَاقِهَا، فَمَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى شَيْءٍ أَخَذَهُ وَإِلَّا أَقَرَّهَا عَلَى حَالِهَا لَا يَبِيعُهَا». فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: «لَوْ وُلِّيتُ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ صَنَعْتُ هَكَذَا»


أما أثر عثمان رضي الله عنه فهو من مراسيل الزهري لكن يستأنس به:
ففي موطأ مالك رواية أبي مصعب الزهري (2/ 501)
2981 - حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: كَانَتْ ضَوَالُّ الإِبِلِ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِبِلاً مُؤَبَّلَةً تتَنَاتَجُ، لاَ يَمَسُّهَا أَحَدٌ، حَتَّى إِذَا كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، أَمَرَ بمَعْرفتِهَا وتعريفها، ثُمَّ تُبَاعُ، فَإِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا، أُعْطِيَ ثَمَنَهَا.


وثبت عن عمر بن عبد العزيز والشعبي:
ففي مصنف ابن أبي شيبة (4/ 369)
21143 - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ دَاوُدَ [أي ابن أبي هند]، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَضَلَّ رَجُلٌ بَعِيرًا فَوَجَدَهُ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ، أَعْلَفَهُ وَأَسْمَنَهُ، فَاخْتَصَمَا إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ، «فَقَضَى لِصَاحِبِ الْبَعِيرِ بِبَعِيرِهِ، وَقَضَى عَلَيْهِ بِالنَّفَقَةِ». قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَلَمْ يُعْجِبْنِي ذَلِكَ، وَقَالَ: «يَأْخُذُ الرَّجُلُ بَعِيرَهُ وَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ».


قلت: ولم ينكر الشعبي ولا عمر بن عبد العزيز أخذها على الرجل الذي أنفق على ضالة الإبل.