بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، وبعد:
1- ثبت في صيغة التكبير عقب الصلوات المكتوبة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول:
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
مداره على أبي إسحاق السبيعي رواه عن الأسود بن يزيد النخعي، وأبي الأحوص الجمشي كلاهما عن ابن مسعود رضي الله عنه.
وأبو إسحاق مدلس إلا أنه صرح بالتحديث عند الطبراني في الكبير (9538) كما في مجمع الزوائد (5616)، فقال: حدثنا أصحاب عبد الله، عن عبد الله.
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (5679) (5698)، وابن المنذر في الأوسط (2195) (2199)، وعلقه ابن حزم في المحلى (5/91).
وجود إسناده الزيلعي في نصب الراية (2/224)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (3/125).
ورواه منصور، عن إبراهيم النخعي، عن أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه.
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (5696)، والمحاملي في العيدين (185)، وفيه عندهما: كانوا يوم عرفة - زاد المحاملي: ويوم النحر أو الغد - يقول أحدهم وهو مستقبل القبلة في دبر الصلاة ..... فذكر التكبير، ثم زاد المحاملي: قبل أن ينحرف.
تنبيه:
جاءت صيغة التكبير عند ابن أبي شيبة في مصنفه (5679) في بعض النسخ الخطية - انظر طبعة الرشد (5676) - بتثليث التكبير في الجملة الأولى، وهو خطأ، فقد نقله الزيلعي عن ابن أبي شيبة في نصب الراية (2/223) بتشفيع التكبير، وكذلك نقله ابن الهمام في فتح القدير (1/430) كنقل الزيلعي بتشفيع التكبير.
ونقل محقق مصنف ابن أبي شيبة - عوامة - عن حبيب الأعظمي ترجيحه لكونه سهوا من الناسخ، ووافقه المحقق عليه.
وقال الألباني في إرواء الغليل (3/126): روى [المحاملي] أثر ابن مسعود ...... بتشفيع التكبير، وهو المعروف عنه.
2- وثبت في صيغة التكبير عقب الصلوات المكتوبة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
أخرجه عبد الرزاق كما نقله عنه ابن عبد البر في الاستذكار (13/172)، وابن المنذر في الأوسط (2202)، والطبراني في فضل عشر ذي الحجة (45).
وصحح إسناده أبو داود السجستاني في سؤالات أبي عبيد الآجري (590).
3- وورد في صيغة التكبير عقب الصلوات المكتوبة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول:
1/3- الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا.
أخرجه المحاملي في العيدين (172).
2/3- الله أكبر كبيرا، الله أكبر تكبيرا، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا.
أخرجه المحاملي في العيدين (182).
3/3- الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، الله أكبر وأجل، الله أكبر ولله الحمد.
أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (5692) (5701)، وابن المنذر في الأوسط (2193).
4/3- الله أكبر كبيرا، الله أكبر تكبيرا، الله أكبر وأجل، الله أكبر ولله الحمد.
أخرجه وابن المنذر في الأوسط (2201).
5/3- الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا، الله أكبر كبيرا ولله الحمد، الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا.
أخرجه مسدد في مسنده (757/ المطالب العالية)، و(2222/ إتحاف الخيرة المهرة للبوصيري).
6/3- الله أكبر الله أكبر كبيرا، الله أكبر وأجل.
أخرجه الطبراني في فضل عشر ذي الحجة (41).
7/3- الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا.
أخرجه البيهقي في الكبرى (6352).
قلت: فهذا الاختلاف في صيغة التكبير اختلاف كبير بما قد يقال فيه: إن لفظه مضطرب وغير محفوظ، والله أعلم.
وقد نسب إلى الأوزاعي أنه كان يكبر بشيء من تكبير ابن عباس رضي الله عنهما كما في مسائل أبي داود لأحمد (435)، وقال فيه أحمد: هذا واسع.
وصحح إسناده عنه - في التوقيت دون الصيغة - أحمد بن حنبل كما نقله عنه ابن رجب في فتح الباري (9/22)، والطبراني في المصدر السابق.
وصحح إسناده الألباني في الإرواء (3/126).
4- وورد في صيغة التكبير عقب الصلوات المكتوبة عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه كان يعلمهم التكبير فيقول:
1/4- «كبروا الله: الله أكبر الله أكبر، مرارا، اللهم أنت أعلى وأجل من أن تكون لك صاحبة، أو يكون لك ولد، أو يكون لك شريك في الملك، أو يكون لك ولي من الذل، وكبره تكبيرا، الله أكبر تكبيرا، اللهم اغفر لنا، اللهم ارحمنا، ثم قال: والله لتكتبن هذه، ولا تترك هاتان، وليكونن هذا شفعاء صدق لهاتين».
أخرجه معمر بن راشد في جامعه (20581)، في باب ذكر الله.
2/4- "قولوا: الله أكبر، اللهم ربنا لك الحمد، أنت أعلى وأجل أن تتخذ صاحبة أو ولدا، ..... الأثر.
أخرجه ابن المبارك في الزهد (943) في باب ذكر رحمة الله تبارك وتعالى وجل وعلا.
3/4- كبروا: الله أكبر، الله أكبر كبيرا، أو قال: تكبيرا، اللهم أنت أعلى وأجل من أن تكون لك صاحبة، ..... الأثر.
أخرجه البيهقي في في الكبرى (6354) في كتاب العيدين، باب كيف التكبير، وأخرجه في فضائل الأوقات (227) في باب فضل أيام التشريق.
قال ابن حجر في فتح الباري (2/462): وأما صيغة التكبير فأصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال: كبروا؛ الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرا.
قلت: ولا أعلم أحدا من المتقدمين ترجم لأثر سلمان رضي الله عنه بكيفية التكبير في أيام العيد أو أيام التشريق إلا البيهقي، أما عبد الرزاق وابن المبارك فجعلا الأثر من الذكر المطلق كما مر في تبويبهما.
فالراجح أن هذا التكبير من الذكر المطلق، وليس مخصوصا بأيام العيد أو أيام التشريق، والله أعلم.
5- وورد في صيغة التكبير عقب الصلوات المكتوبة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول:
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أخرجه ابن المنذر في الأوسط (2191).
وضعفه عنه يحيى بن سعيد القطان، وجعله من أوهام الحجاج بن أرطأة، وإنما الإسناد عن عمر أنه كان يكبر في قبته بمنى كما نقله عنه البيهقي في الكبرى (6344).
6- وورد في صيغة التكبير عقب الصلوات عن علي بن أبي طالب أنه كان يقول:
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، ولله الحمد.
أخرجه الطبراني في فضل عشر ذي الحجة (36) عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن الحارث الأعور، عن علي به.
وأخرجه أبو جعفر بن البختري في أماليه (236) عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي به.
وأخرجه ابن المنذر (2200)، والطبراني في فضل عشر ذي الحجة (39) عن الحجاج بن أرطأة، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي به، وزاد ابن المنذر التشفيع في التكبير الثاني.
قلت: وهذا أيضا من أوهام الحجاج بن أرطأة فهو صدوق كثير الخطأ - التقريب (1119) -، وقد خالف من هو أوثق منه ضبطا وعددا، وهما سفيان الثوري، وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي.
فالحديث مداره على الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني وهو ضعيف - التقريب (1029) -.
7- وروي في صيغة التكبير في عقب الصلوات المكتوبة عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقول:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أخرجه الدارقطني في سننه (1737:1735)، والبيهقي في الكبرى (6350).
وروي عن علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر رضي الله عنهما من نفس الطريق.
ومدار هذا الحديث على عمرو بن شمر الجعفي الرافضي، وهو متروك كذبه واتهمه بالوضع غير واحد - لسان الميزان (6/210).
وضعفه البيهقي في الكبرى، والذهبي في تلخيص المستدرك (1111)، وابن كثير في تفسيره (2/268)، وابن رجب في فتح الباري (9/26)، وابن حجر في الدراية (1/223)، والألباني في الضعيفة (5578).
فهذه سبع صيغ في التكبير في أيام العيد وأيام التشريق، صيغة واحدة مرفوعة ولا تصح، وست صيغ عن أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ثبت منها اثنتان، عن ابن مسعود، وابن عمر رضي الله عنهم.
لم ثبت الأربع الباقية، عن عمر، وعلي، وابن عباس، وسلمان، والله أعلم.
قال ابن رجب في فتح الباري (9/22:21): وذكر الله في هذه الأيام نوعان:
أحدهما: مقيد عقيب الصلوات.
والثاني: مطلق في سائر الأوقات.
فأما النوع الأول:
فاتفق العلماء على أنه يشرع التكبير عقيب الصلوات في هذه الأيام في الجملة، وليس فيهِ حديث مرفوع صحيح، بل إنما فيهِ آثار عن الصحابة ومن بعدهم، وعمل المسلمين عليهِ.
وهذا مما يدل على أن بعض ما أجمعت الأمة عليهِ لم ينقل إلينا فيهِ نص صريح عن النَّبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، بل يكتفى بالعمل به.
قال عبد الله بن أحمد في مسائل الإمام أحمد بروايته (ص128):
470 - قلت لأبي: ما تقول - عن التكبير - إذا كبر في العيدين؟
قال: حديث ابن مسعود هو أرفعها.
471 - سألت أبي عن تكبير الفطر والنحر واحد؟
قال: نعم.
قال أبو داود السجستاني في مسائل الإمام أحمد بروايته (ص89:88):
429- قلت لأحمد: كيف التكبير؟، قال: كتكبير ابن مسعود، يعني: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
قال أحمد - هكذا!، ولعل الصواب: قيل لأحمد -: يروون عن ابن عمر: يكبر ثلاثا: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر. قال أحمد: كبر تكبير ابن مسعود.
435- قيل لأحمد: ابن المبارك يقول في الفطر - يعني مع التكبير -: الحمد لله على ما هدانا، قال: هذا واسع.
قال الشافعي في مختصر البويطي (ص180/برقم388):
والتكبير خلف الصلوات: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
تنبيه:
جاء النص عن الشافعي في النسخة الخطية لمختصر البويطي - كما أفاد المحقق - في مكتبة أحمد الثالث باستنبول برقم (1078) كالتالي:
والتكبير خلف الصلوات: الله أكبر، الله أكبر، [ثلاثا]، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، [ثلاثا، فإن زاد ... فحسن].
قلت: وهذه الزيادات ليست من مختصر البويطي إنما هي رواية عن الشافعي رواها عن الشافعي غيره.
قال النووي في المجموع (5/39):
صفة التكبير المستحبة: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، هذا هو المشهور من نصوص الشافعي في الأم، والمختصر [للمزني]، وغيرهما.
وبه قطع الأصحاب وحكى صاحب التتمة وغيره قولا قديما للشافعي أنه يكبر مرتين ويقول: الله أكبر، الله أكبر، والصواب الأول ثلاثا [الزيادة الأولى في النسخة الخطية على مختصر البويطي] نسقا.
قال الشافعي في المختصر [للمزني]: وما زاد من ذكر الله فحسن. [الزيادة الثانية في النسخة الخطية على مختصر البويطي] .......
قال صاحب الشامل [أبو نصر بن الصباغ]: والذي يقوله الناس لا بأس به أيضا وهو: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
وهذا الذي قاله صاحب الشامل نقله البندنيجي [أبو علي البغدادي] وصاحب البحر [أبو المحاسن الروياني] عن نص الشافعي في البويطي.
قال البندنيجي: وهذا هو الذي ينبغي أن يعمل به قال، وعليه الناس.
وقال صاحب البحر: والعمل عليه.
ورأيته أنا [النووي] في موضعين من البويطي، لكنه جعل التكبير أولا مرتين. انتهى كلام النووي باختصار.
قلت: فتبين بذلك خطأ هذه الزيادات في تلك النسخة الخطية على مختصر البويطي.
والحمد لله رب العالمين.
قال الشبراملسي - أبو الضياء القاهري من متأخري فقهاء الشافعية (ت 1087 هج) - في حاشيته على نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (2/400):
(قوله: لا إله إلا الله، والله أكبر)، صريح كلامهم أنه لا تندب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التكبير، لكن العادة جارية بين الناس بإتيانهم بها بعد تمام التكبير، ولو قيل باستحبابها عملا بظاهر {ورفعنا لك ذكرك} [الشرح: 4] وعملا بقولهم: إن معناه لا أذكر إلا وتذكر معي؛ لم يكن بعيدا.
ثم رأيت في القوت للأذرعي [شهاب للدين أبي العباس] ما نصه - عند قول المصنف يهلل ويكبر. . إلخ -: روى البيهقي بإسناد حسن أن الوليد بن عقبة خرج يوما على عبد الله وحذيفة والأشعري فقال: إن هذا العيد غدا، فكيف التكبير؟، فقال عبد الله بن مسعود: تكبر وتحمد ربك، وتصلي على النبي، وتدعو، وتكبر، وتفعل مثل ذلك. اهـ.
ولا دلالة فيه على استحباب الصلاة بعد التكبير الذي ليس في صلاة، وإنما يدل على أنه إذا فصل بين التكبيرات؛ فصل بالثناء والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم في قول الشارح، ولو قال: ما اعتاده الناس وهو الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد تسليما كثيرا؛ لكان حسنا. انتهى كلام الشبراملسي.
قلت: قد كفانا الشبراملسي مؤنة الرد على الاستدلال بهذا الأثر - على فرض ثبوته - إلى ما ذهب إليه الأذرعي.
وهذا الأثر مداره على حماد بن أبي سليمان وهو صدوق ولكن يخطيء كما وصفه بذلك أبو حاتم الرازي في الجرح والتعديل (3/147).
قال ابن حجر في فتح الباري (2/462) - بعدما ذكر صيغ التكبير الواردة عن الصحابة والتابعين -:
وقد أحدث في هذا الزمان زيادة في ذلك لا أصل لها.
والحمد لله رب العالمين.