قال الامام محمد بن عبد الوهاب - الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به ، والدليل قوله تعالى : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ )" .--------
قال ابن القيم رحمه الله :
" وَأَمَّا كُفْرُ الْإِعْرَاضِ فَأَنْ يُعْرِضَ بِسَمْعِهِ وَقَلْبِهِ عَنِ الرَّسُولِ، لَا يُصَدِّقُهُ وَلَا يُكَذِّبُهُ، وَلَا يُوَالِيهِ وَلَا يُعَادِيهِ، وَلَا يُصْغِي إِلَى مَا جَاءَ بِهِ الْبَتَّةَ .." انتهى من "مدارج السالكين" (1/347) .-----فالمراد بـ"كفر الإعراض" : الإعراض عما جاء به الرسول ، لا يبالي به ، ولا يتلقاه عنه ، ولا يرفع به رأسا وفصل ذلك في موضع آخر فقال: (..إن العذاب يستحق بسببين، أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إرادتها والعمل بها وبموجبها، والثاني: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها، فالأول كفر إعراض، والثاني كفر عناد، وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل)----------- قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-(…والكفر أعم من التكذيب فكل من كذب الرسول كافر، وليس كل كافر مكذباً، بل من يعلم صدقه، ويقر به وهو مع ذلك يبغضه أو يعاديه كافر، أو من أعرض فلم يعتقد لا صدقه ولا كذبه كافر وليس بمكذب…)-------------------قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا [النساء: 61], قال الإمام ابن القيم في معنى هذه الآية: (فجعل الإعراض عما جاء به الرسول والالتفات إلى غيره هو حقيقة النفاق، كما أن حقيقة الإيمان هو تحكيمه وارتفاع الحرج عن الصدور بحكمه والتسليم لما حكم به رضى واختيار ومحبة فهذا حقيقة الإيمان، وذلك الإعراض حقيقة النفاق...)----------------------
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ- رحمه الله- " إن أحوال الناس تتفاوت تفاوتاً عظيماً ، وتفاوتهم بحسب درجاتهم في الإيمان ؛ إذا كان أصل الإيمان موجوداً ، والتفريط والترك إنما هو فيما دون ذلك من الواجبات والمستحبات .
وأما إذا عدم الأصل الذي يدخل به الإسلام ، وأعرض عن هذا بالكلية : فهذا كفر إعراض، فيه قوله تعالى: ( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) [الأعراف: 179]، وقوله: ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) [طه: 124] .
ولكن عليك أن تعلم أن المدار على معرفة حقيقة الأصل ، وحقيقة القاعدة ، وإن اختلف التعبير واللفظ .."-قال الشيخ العلامة سليمان بن سحمان: "فتبين من كلام الشيخ أن الإنسان لا يكفر إلا بالإعراض عن تعلم الأصل الذي يدخل به الإنسان في الإسلام، لا بترك الواجبات والمستحبات"[الدرر السنية]---------كفر الإعراض : تعريفه : الإعراض لغة : الصدود . يقال : أعرض عن الشيء : صد عنه ، بأن يوليه عرضه - أي جانبه - ولا يقبل عليه ، أو يلتفت إليه والمراد بكفر الإعراض : هو الإعراض التام عن الحجة وعدم إرادتها ، والعمل بها وبموجبها إعراضا يخل بأصل الإيمان -- حكمه : إن كان الإعراض يخل بأصل الإيمان ، كأن يكون إعراضا تاما عن تعلم الأصل الذي يدخل به الإنسان في الإسلام مع قدرته على ذلك لعدم الرغبة ، أو عن قبوله والانقياد القلبي له ، أو يعرض إعراضا تاما عن العمل بالجوارح ( بأن يترك جنس العمل ) مع القدرة ، أو يعرض عما دل الدليل على أن تاركه يكفر كالصلاة ، وكالإعراض عن حكم الله ورسوله ، متعمدا ، ولا سيما بعد دعوته إليه ، وتذكيره به فهذا كفر . أما إن كان الإعراض إنما يخل بكمال الإيمان ، كأن يكون بترك واجبات فلا يعد كفرا ، وإنما ينقص الإيمان [مجلة البحوث الاسلامية]--قال العلامة ابن القيم -رحمه الله- في "مدارج السالكين": "وأما الكفر الأكبر؛ فخمسة أنواع".
فذكرها، ثم قال: "وأما كفر الإعراض، فأنه يُعرض بسمعه وقلبه عن الرسول؛ لا يصدقه ولا يكذبه، ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يصغى إلى ما جاء به البتة" اهـ كلامه.
ومن هذا البيان لمعنى الإعراض يتبين لك حكم كثير من عباد القبور في زماننا هذا وقبله؛ فإنهم معرضون عما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - إعراضاً كليًّا بأسماعهم وقلوبهم، لا يصغون لنصح ناصح وإرشاد مرشد، فمثل هؤلاء كفار لإعراضهم.
قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ .
ولا يقال: إنهم جهال فلا يكفرون لجهلهم؛ لأنه يقال: إن الجاهل إذا بُيِّن له خطؤه؛ انقاد للحق، ورجع عن الباطل، وهؤلاء مصرون على عبادتهم الأوثان، ولا يصغون لكلام الله ولا لكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - ويصدون عن إرشاد الناصحين صدوداً، ولعلهم يتعرضون بالأذى لمن أنكر عليهم أباطيلهم وفجورهم، فقد قامت عليهم الحجة؛ فلا عذر لهم سوى العناد.
قال –تعالى-: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ-------الإعراض عن معرفة التوحيد و ضده من الإشراك بالله ، وهذا الإعراض يؤدي إلى الجهل بالتوحيد و الوقوع في الشرك ، ولذلك نقول :
كل من وقع في الشرك الأكبر وعبد الأموات و الصالحين هذا لم يقع في ذلك إلا لأنه أعرض عن تعلم أصل الدين ، فجهل بذلك التوحيد وجهل الشرك ، و هل يعذر بذلك ؟ الجواب : لا ، -------قال ابن القيم - رحمه الله -: " كل من أعرض عن الاهتداء بالوحي الذي هو ذكر الله فلابد أنه يقول يوم القيامة ﴿ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ ﴾ الزخرف: 38 ،فإن قيل: فهل لهذا عذر في ضلاله إذا كان يحسب أنه على هدى، كما قال تعالى ﴿ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ قيل: لا عذر لهذا وأمثاله من أهل الضلال الذين منشأ ضلالهم الإعراض عن الوحي الذي جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولو ظن أنه مهتد، فإنه مفرِّط بإعراضه عن اتباع داعي الهدى، فإذا ضل فإنما أُتي من تفريطه وإعراضه وهذا بخلاف من كان ضلاله لعدم بلوغ الرسالة وعجزه عن الوصول إليها، فذاك له حكم آخر.
والوعيد في القرآن إنما يتناول الأول، وأما الثاني فإن الله لا يعذب أحداً إلا بعد إقامة الحجة عليه " [انظر مفتاح دار السعادة (1/ 43) ].----------قال الشيخ صالح ال الشيخ-الإعراض هو الناقض العاشر من نوا قض الإسلام ، التي ذكرها إمام الدعوة النواقض العشرة ؟ فقال : العاشر الإعراض عن دين الله لايتعلمه، ولا يعمل به مثل عمل الملاحدة ، عمل الذي لا يأبه بهذا الدين ، ليس له همة في هذا الدين ، لا في تعلم التوحيدولا في تعلم أحكام العبادة والصلاة .. إلى آخر وليس له همة في العلم به ، فهو لا يعلم الحق ،لا لأجل أن الحق لا يستطيع الوصول إليه ،ولكن لأجل إعراضه كما قال =جل وعلا – (( بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون )) وقال –جل وعلا – في سورة الكهف : (( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه )) ونحو ذلك من الآيات فالإعراض عن دين الله ، الذي هو ناقض من نواقص الإسلام وكفر الذي هو كفر الإعراض ، هو أن لايتعلم ولا يعمل ، ليس له همة مثل الماديين ومثل الذي همه الدنيا ، ليس له همة في تعلم دين ولا محبة الله ورسوله وليس له همة في العمل البتة ، فهذا هو المعرض أما الذي يزهد في تعلم العلم الشرعي لانشغاله ، أو لأنه ليس لديه استعدادات وهو مسلم موحد ويعمل الصالحات محافظ على الفرائض فهذا ليس ملومًا ولكن هم درجات ليس الصحابة كلهم علماء ، وليس التابعون كلهم علماء ، ولكن الذي يطلب العلم طائفة ، وطائفة أخرى يتعبدون ومعهم من العلم الفرض العيني ، وأما طلب العلم والفرض الكفائي فهذا يقوم به آخرون . فإذًا كفر الإعراض لا يشمل من يقول : أنا ما أحتاج العلم ، أنا لا أريد العلم . وهو مستقيم ، وهو موحد على الفطرة ، موحد ليس عنده شرك أكبر مخرج من الملة ، وهو أيضًا مصلي هذا ليس معرضًا ، هذا مقبل موحد مسلم .