حكم استعمال الذهب في غير الزينة
أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة
السؤال:

الملخص:
سائل يسأل عن حكم استعمال الذهب؛ إذ إن الأجهزة التكنولوجية الحديثة كلها تحوي نسبة ضيئلة جدًّا من الذهب، ويسأل: هل هذا يدخل في عموم البلوى؟
التفاصيل:
هل يدخل في عموم البلوى أن كل أو غالب الأدوات التكنولوجية المعتمدة على الكهرباء تحتوي على كمية يسيرة جدًّا من الذهب؛ بحيث إن كل التكنولوجيات الحديثة أو على الأقل قطع الحاسوب والهواتف تحتوي على نسبة لا تصل إلى ميليغرامات من الذهب، أعلم أنه ليس هناك إجماع على استعمال الذهب، لكن سألت ليطمئن قلبي، ما الحكم في ذلك؟

الجواب:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
مرحبًا بك أيها الأخ الفاضل، ونسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: المراد بعموم البلوى الأمرُ الذي يكثر وينتشر، ويتعسر الاحتراز منه، وهذا لا ينطبق على الأجهزة التكنولوجية الحديثة؛ حيث كان استخدام الذهب قديمًا لجودة توصيله للكهرباء، ثم استُغنيَ عن ذلك الآن بمعالجات السليكون والنحاس أو الألومونيوم، كما أفاد بعض المختصين، وعلى فرض أنه لا يُستخدَم في ذلك إلا الذهب، فيتوقف حكم استخدام الأجهزة هذه على حكم استعمال الذهب في غير الأكل والشرب، فقد ذهب الجهمور من العلماء إلى حُرمة استخدامه عمومًا، إلا في التحلي به للنساء، وذهب طائفة من العلماء إلى جواز استخدامه في غير الأكل والشرب، وهذا ما انتصر له الشوكاني، واختاره ابن عثيمين.
قال الشوكاني: "ولا شكَّ أن أحاديث الباب تدل على تحريم الأكل والشرب، وأما سائر الاستعمالات فلا، والقياس على الأكل والشرب قياسٌ مع فارق، فإن علة النهي عن الأكل والشرب هي التشبه بأهل الجنة؛ حيث يُطاف عليهم بآنية من فضة، وذلك مناطٌ معتبر للشارع، كما ثبت عنه لما رأى رجلًا متختِّمًا بخاتم من ذهب؛ فقال: ((ما لي أرى عليك حلية أهل الجنة؟))؛ [أخرجه الثلاثة من حديث بريدة]، وكذلك في الحرير وغيره، وإلا لزم تحريم التحلي بالحلي والافتراش للحرير؛ لأن ذلك استعمال، وقد جوَّزه البعض من القائلين بتحريم الاستعمال.
وأما حكاية النووي للإجماع على تحريم الاستعمال، فلا تتم مع مخالفة داود والشافعي وبعض أصحابه ... والحاصل: أن الأصل الحِلُّ، فلا تثبت الحرمة إلا بدليل يُسلمه الخصم، ولا دليل في المقام بهذه الصفة، فالوقوف على ذلك الأصل المعتضد بالبراءة الأصلية هو وظيفة المنصف الذي لم يُخبط بسَوط هيبة الجمهور، ولا سيما قد أيَّد هذا الأصل حديث: ((ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها لعبًا))؛ [أخرجه أحمد وأبو داود]، ويشهد له ما سلف أن أم سلمة جاءت بجُلجل من فضة، فيه شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فخضخضت؛ [الحديث في البخاري]، وقد سبق، وقد قيل إن العلة في التحريم الخيلاء، أو كسر قلوب الفقراء، ويُرَدُّ عليه جواز استعمال الأواني من الجواهر النفيسة، وغالبها أنفس وأكثر قيمة من الذهب والفضة، ولم يمنعها إلا من شذَّ، وقد نقل ابن الصباغ في الشامل الإجماع على الجواز، وتبعه الرافعي ومن بعده.
وقيل العلة التشبه بالأعاجم، وفي ذلك نظر لثبوت الوعيد لفاعله، ومجرد التشبه لا يصل إلى ذلك"؛ [نيل الأوطار: (1/ 81)].
وقال ابن عثيمين: "والصحيح: أن الاتخاذ والاستعمال في غير الأكل والشرب ليس بحرامٍ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شيء مخصوص وهو الأكل والشرب، ولو كان المحرم غيرهما، لكان النبي صلى الله عليه وسلم - وهو أبلغ الناس، وأبْيَنُهم في الكلام - لا يخص شيئًا دون شيء، بل إن تخصيصه الأكل والشرب دليلٌ على أن ما عداهما جائز؛ لأن الناس ينتفعون بهما في غير ذلك.ولو كانت حرامًا مطلقًا لَأَمَرَ النبي صلى الله عليه وسلم بتكسيرها؛ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يَدَعُ شيئًا فيه تصاوير إلا كسره أو هتَكه؛ لأنها إذا كانت محرمة في كل الحالات ما كان لبقائها فائدة.
ويدل لذلك أن أم سلمة - وهي راوِيةُ الحديث - كان عندها جلجل من فضة جعلت فيه شعرات من شعر النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الناس يستشْفُون بها، فيشفَون بإذن الله، وهذا في صحيح البخاري، وهذا استعمال في غير الأكل والشرب"؛ [الشرح الممتع (1/ 75)].
وعلى هذا القول، فلا يضر لو كان الهاتف من ذهب أو به ذهب، وكذلك الحاسوب.
وعلى القول الأول، يحرُمُ الذهب في ثلاث صور: لبسِهِ للرجال، واستعماله في آنية الأكل والشرب، واستعماله أو الاحتفاظ به في أي أداة أو آلة على النساء والرجال.
وعلى القول الثاني، يَحرُم لُبسه للرجال، واستعماله في الأكل والشرب مطلقًا، ولا يحرم استعماله مطلقًا، وعليه فلا حرجَ في استعمال الهاتف أو الحاسوب ولو كان به ذهب، على الرجال أو النساء، وأيضًا فالشافعية - وهم قائلون بتحريم استعمال الذهب والفضة في غير الأكل والشرب - يَرَون أن العلة هي الذهب بشرط ظهور الخُيلاء، فلو كان الذهب مستورًا مُغطًّى لم يحرُمِ الاستعمال؛ وعليه فيجوز استعمال الهاتف والحاسوب؛ لأن ما بداخلهما من الذهب مستور؛ قال في تحفة المحتاج: (1/ 119): "والعلة العَيْن - أي الذهب - بشرط ظهور الخيلاء؛ أي: التفاخر والتعاظم، ومن ثَمَّ قالوا: لو صَدِئَ إناء الذهب؛ أي: بحيث ستر الصداء جميع ظاهره وباطنه - حلَّ استعماله؛ لفوات الخيلاء".
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/146875/#ixzz6ubZPZQxG