بارك الله فيك - مقتضى مذهبنا ألَّا يعذب الله العاجز عن السؤال المريد للهدى المؤثر له المحب له، الغير قادر عليه ولا على طلبه لعدم من يرشده يقول: يا رب لو أعلم لك ديناً خيراً مما أنا عليه لدنت به وتركت ما أنا عليه ولكن لا أعرف سوى ما أنا عليه ولا أقدر على غيره، فهو غاية جهدى ونهاية معرفتى كمن طلب الدين فى الفترة ولم يظفر به فعدل عنه بعد استفراغ الوسع فى طلبه عجزاً وجهلاً-قال بن القيم -والله يقضي بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل فهذا مقطوع به في جملة الخلق وأما كون زيد بعينه وعمرو قامت عليه الحجة أم لا فذلك ما لا يمكن الدخول بين الله وبين عباده فيه بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر وأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول هذا في الجملة والتعيين موكول إلى علم الله وحكمه
هذا في أحكام الثواب والعقاب وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم وبهذا التفصيل يزول الإشكال في المسألة -هذه من كِيسَك وليست فى كلامنا ولا من مقتضيات قولنا وليست فى كلام شيخ الاسلام بن تيمية وبن القيم ولا وردت بها الآثار--بل يبقون في أهل التوحيدأسقط عمدا قولنا - مع عدم قيام الحجة الرسالية خوفا من مواجهة الحق الواضح المبين فى ان الاعذار فى العذاب لمن مات مشركا ولم تقم عليه الحجة الرسالية - والصواب ان تقوللأن شركهم في الدنيا لا يجازون عليه بل بأمر آخر وهو الامتحانهكذا يستقيم نسبة القول الينا قال بن القيم - ثم إن الله –سبحانه- لكمال رحمته وإحسانه- لا يعذب أحداً إلا بعد إرسال الرسول إليه وإن كان فاعلاً لما يستحق به الذم والعقاب فلله على عبده حجتان قد أعدهما عليه لا يعذبه إلا بعد قيامهما: إحداهما: ما فطره وخلقه عليه من الإقرار بأنه ربه ومليكه وفاطره وحقه عليه لازم. والثاني: إرسال رسله إليه بتفصيل ذلك وتقريره وتكميله فيقوم عليه شاهد الفطرة والشرعة ويقر على نفسه بأنه كان كافراً كما قال –تعالى-: (وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ) [الأنعام: 130]، فلم ينفذ عليه الحكم إلا بعد إقرار وشاهدين وهذا غاية العدل ))[ أحكام أهل الذمة ج 2 ص 1011 ] ------ - اما قولكلأن شركهم في الدنيا مع عدم قيام الحجة الرسالية لا يجازون عليه بمجرد الحجة العقلية بل بأمر آخر وهو الامتحانهذه فى مخيلتك - لانك تخيلت سابقا ارتفاع وخلو القلب من الشرك والتوحيد- وكذلك هذا الافتراض على العكس فى مخيلة الذين يعذرون بالجهل لانهم يتصورون اجتماع النقيضين - اما قولنا - فان الشرك والتوحيد ضدان لا يجتمعان ولا يرتفعان - ولا يجتمع اهلهما فى دين واحد لا فى الدنيا ولا فى الاخرة - ولا يرتفع الشرك والتوحيد -قال شيخ الاسلام بن تيمية رحمه الله -بل يبقون في أهل التوحيد
((ولهذا كان كل من لم يعبد الله وحده فلابد أن يكون عابدا لغيره يعبد غيره فيكون مشركا، وليس في بني آدم قسم ثالث. بل إما موحد ، أو مشرك ، أو من خلط هذا بهذا كالمبدلين من أهل الملل : النصارى ومن أشبههم من الضلال ، المنتسبين إلى الإسلام)) مجموع الفتاوى ج 14 ----- وليس فيما صح من الاحاديث والاثار - وليس فى الكتاب والسنة ولا فى كلام الائمة المساواة بين اهل التوحيد الحنفاء -وبين اهل الشرك --فهذا موجود عند المجادلين والمدافعين والملتمسين الاعذار الواهية للقبوريين واهل الشرك - متسترين فى جدالهم عن اهل الشرك بمسألتنا هذه وهى الخلط بين الاسماء والاحكام فى مسألة قيام الحجة - ورثوا هذا الخلط والشبهات عن امامهم ومقدَّمهم داوود بن جرجيس وعثمان بن منصور-- اما نحن - فنحن ندين بما تقتضيه لا اله الا الله من البراءة من الشرك والمشركين فى الدنيا والآخرة - والقول بالامتحان لا يلزم منه اى لوازم باطلة - فبراهين صحته ساطعة واضحة اوضح من الشمس فى رابعة النهار--عن أنس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بأربعة يوم القيامة : بالمولود، والمعتوه، ومن مات في الفترة، والشيخ الفاني، كلهم يتكلم بحجته، فيقول الرب تبارك وتعالى لعُنُق من النار: أُبْرزْ، ويقول لهم: إني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم، وإني رسول نفسي إليكم، اُدخلوا هذه ( أي النار )، قال : فيقول من كتب عليه الشقاء: يا رب أنى ندخلها ومنها كنا نفرّ، قال: ومن كتب عليه السعادة يمضي فيقتحم فيها مسرعاً، قال: فيقول الله تعالى أنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية ، فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار".
رواه أبو يعلى ( 4224)، وله شواهد كثيرة ذكرها الحافظ ابن كثير في " التفسير ( 3 /29-31) والحديث قواه ابن القيم وأجاب عن العلة بقوله في طريق الهجرتين (ص 657 ) : ورواه أبو نعيم عن فضيل بن مرزوق فوقفه ، فهذا وإن كان فيه عطية فهو ممن يعتبر بحديثه ويستشهد به وإن لم يكن حجة -قال بن القيم-أن موجب هذه الأحاديث هو الموافق للقرآن وقواعد الشرع ؛ فهي تفصيل لمَا أخبر به القرآن أنه لا يعذَّب أحد إلا بعد قيام الحجة عليه ، وهؤلاء لم تُقَم عليهم حجة الله في الدنيا ، فلا بُدَّ أن يقيم حجته عليهم ، وأحق المواطن أن تُقام فيه الحجة : يوم يقوم الأشهاد ، وتُسمع الدعاوى ، وتُقام البينات ، ويَختصم الناس بين يدي الرب ، وينطق كلُّ أحدٍ بحجته ومعذرته ، فلا تنفع الظالمين معذرتهم ، وتنفع غيرهم . ---- وأكتفى بهذا القدر من النقاش فى الموضوع وجزاك الله خيرا اخى الفاضل أبو محمد المأربى