السؤال

الملخص:
رجل يعيش مع امرأة سويدية بعلاقة غير شرعية، فحمِلت منه، وقد وافقت على الإسلام والزواج منه، ويسأل: هل يجوز أن يتزوَّجها؟ وما حكم الرَّضيع؟
التفاصيل:
أنا جزائري مسلم عَزَبٌ، أعيش مع حبيبتي السويدية غير المسلمة في منزلها دون زواج، وقد قمنا بعمل تحليل الحمل، فكان إيجابيًّا، وهي موافقة على أن تُسْلِمَ ونتزوج في المسجد، فهل يجوز لي الزواج بها؟ أو أتركها، أو أجهض ذاك الرضيع؟ أريد أن أتزوجها، وأن تكون حلالًا لي، وأريد لذاك الرضيع أن يكون حلالًا، وأريد التوبة مما أنا فيه، وأن يبارك الله لي في الزواج.

الجواب
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: نسأل الله لنا ولكم الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: لا شكَّ في خطأ ما فعلتَهُ من جريمة الزنا ومن الخلوة بامرأة أجنبية لا تَحلُّ لك، فمما يَندى له الجبين هذا التساهل والتهاون من المسلمين؛ فالزنا كبيرة من كبائر الذنوب، وجريمة من أقبح الجرائم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32].
وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ﴾ [الفرقان: 68، 69]، ولا فرقَ في ذلك بين أن يكون الزنا بمسلمة أو غير مسلمة.
ثالثًا: أما عقوبة الزنا:
ففي الدنيا: قد أوجب الله فيه الحد؛ قال الله تعالى في بيان حد الزاني البِكْرِ؛ أي: غير المُحْصَن: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 2]، أما المحصن - وهو الذي قد سبق له الزواج - فجعل حدَّه الرجمَ بالحجارة حتى الموت؛ كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((والثيب بالثيب؛ جَلْدُ مائةٍ والرَّجْمُ))؛ [مسلم: (3199)]، ولا فرق في هذا أيضًا بين مَن زنى بمسلمة أو زنى بكافرة.
وفي الآخرة: فهذه الجريمة لا يقتصر خطرُها على عقاب الدنيا العاجلة فقط، بل إن عذاب الآخرة أشد وأعظم؛ فقد جاء في الحديث عن سَمُرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أتاني الليلةَ آتيانِ، وإنهما ابتعثاني فانطلقا بي... فانطلقنا حتى إذا أتينا على مِثْلِ التَّنُّورِ، فإذا فيه لَغَطٌ وأصوات، قال: فاطَّلعنا فإذا فيه رجال ونساء عُرَاةٌ، وإذا هم يأتيهم لهبٌ من أسفلَ منهم، فإذا أتاهم اللهب ضَوضَوا - أي: صاحوا - قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ فقالا لي: وأما الرجال والنساء الذين في مثل بناء التنور؛ فإنهم الزُّنَاة والزواني))؛ [البخاري: (7047)].
والزاني كغيره من العصاة إن تاب توبة صحيحة مُستجْمِعةً لشروطها؛ من الندم، والإقلاع، والعزم على عدم العودة، والإخلاص لله في التوبة - فإن الله يتوب عليه، ويتطهَّر من ذنبه.
رابعًا: أما حكم الزواج من هذه المرأة، فيجوز بشرطين:
الأول: التوبة من الزنا بالندم وعدم العودة لمثلها، وتوبتها تُعرَف بصلاح سلوكها، وما دامت سوف تدخل في الإسلام، فهذه توبة تجُبُّ وتهدم ما قبلها؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((الإسلام يهدم ما قبله))؛ [مسلم: (121)]؛ أي: يُسقطه ويمحو أثره.
الشرط الثاني: الاستبراء، ففي حق غير الحامل بحيضة على الراجح، والحامل بوضع حملها.
فالاستبراء لهذه الفتاة يكون بوضع حملها أي ولادتها؛ لقول النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً). [رواه أبو داود، والترمذي].
خامسًا: لا يجوز لك إجهاض الجنين؛ لأنه قتلُ نفسٍ، وفي نسبة ولد الزنا للزاني خلافٌ، والراجح أنه لا يُنسب للزاني، وإنما يُنسب لأمِّه، وهو قول جمهور العلماء؛ لأن ماءَ الزنا هَدْرٌ، ومن العلماء من قال بصحة نسبته له ما دام لا يُنازَع فيه؛ أي: لم يقل أحدٌ أنه ولده، ولم يشكَّ في نسبته لغيره، وهو قول أبي حنيفة.
وأخيرًا: أنصحك بالتوبة النصوح، والقرب من الله، والمحافظة على الطاعة، وتعلُّم أحكام الدين، واعلم أن هذه المرأة بعد دخولها في الإسلام تحتاج منك إلى الصبر والجِدِّ في تعليمها وتأديبها، فالواجب على مَن وقع في هذه المعصية الكبيرة أن يتوب إلى الله توبة نصوحًا، وأن يبتعد عن كل ما يؤدي به إلى الحرام والعودة إليه، والله تعالى يفرح بتوبة العاصين ويقبل منهم؛ قال سبحانه: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].
قال ابن كثير: "هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة، وإخبار بأن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها، وإن كانت مهما كانت، وإن كثُرت وكانت مثل زَبَدِ البحر"؛ [تفسير ابن كثير].
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/fatawa_counse...#ixzz6scyqCvDk