قال الشيخ الامام محمد ابن ابراهيم رحمه الله
التَّوْحِيدَ لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ بالقَلْبِ واللِّسَانِ والعَمَلِ
فَلاَبُدَّ مِن الثَّلاَثَةِ:
-لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ هو المُعْتَقَدَ في قَلْبِهِ.
-وَلاَبُدَّ أنْ يَكُونَ هو الذِي يَنْطِقُ بِهِ لِسَانُ
-ولاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ هو الَّذِي تَعْمَلُ بِهِ جَوَارِحُهُ.
(فَإِنِ اخْتَلَّ شَيْءٌ مِن هَذَا)
لَوْ وَحَّدَ بِلِسَانِهِ دونَ قَلْبِهِ مَا نَفَعَهُ تَوْحيِدُهُ،
وَلَوْ وَحَّدَ بِقَلْبِهِ وأَرْكَانِهِ دونَ لِسَانِهِ ما نَفَعَهُ ذَلِكَ،
وَلَوْ وَحَّدَ بِأَرْكَانِهِ دونَ البَاقِي (لِمْ يَكُنِ الرَّجُلُ مُسْلِمًا)
هَذَا إِجْمَاعٌ، أَنَّ الإِنْسَانَ لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ مُوَحِّدًا باعْتِقَادِهِ ولِسَانِهِ وعَمَلِهِ،
وهذه أَمْثِلَةُ اخْتِلاَلِ وَاحِدٍ مِن هَذِهِ الثَّلاَثَةِ.
(فَإِنْ عَرَفَ التَّوْحِيدَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ فهو كَافِرٌ مُعَانِدٌ)
إِذَا اعْتَقَدَ وَلاَ نَطَقَ وَلاَ عَمِلَ بالحَقِّ بأَرْكَانِهِ فَهَذَا كَافِرٌ عِنْدَ جَمِيعِ الأُمَّةِ
(كَفِرْعَوْنَ) كَمَا في آيَةِ: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ}
(وإِبْلِيسَ) وَكَذَلِكَ إِبْلِيسُ يَعْرِفُ الحَقَّ كَمَا قَالَ: فبعزتك - (رب بما أغويتنى)
فَكُفْرُهُمَا كُفْرُ عِنَادٍ؛ فَإِنَّ فِرْعَوْنَ وإِبْلِيسَ يَعْرِفَانِ الحَقَّ في الجُمْلَةِ، وَقَدْ يَنْطِقُونَ بِهِ، وبَعْضُ الكُفْرِ يَكُونُ عَن جَهْلٍ وعَدَمِ بَصِيرَةٍ.
وأمثالهما كَعُلَمَاءِ اليَهُودِ أُمَّةِ الغَضَبِ وَأَمْثَالِهِم مِمَّن يَعْلَمُ الحَقَّ وَلاَ يَعْمَلُ بِهِ،
(وَهَذَا) المَقَامُ مَقَامُ التَّوْحِيدِ، وَأَنَّه لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ بالقَلْبِ واللِّسَانِ والعَمَلِ
(يَغْلَطُ فيه كَثِيرٌ مِن النَّاسِ) مِنْهُم مَن إِذَا نُعِتَ له التَّوْحِيدُ
(يَقُولُونَ: هَذَا حَقٌّ) وهَذَا الذي نَدِينُ اللهَ بِهِ
(وَلَكِنْ) يَعْتَذِرُونَ يَقُولُونَ: (لاَ نَقْدِرُ أنْ نَفْعَلَهُ، وَلاَ يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ بَلَدِنَا إِلاَّ مَن وَافَقَهُم)
يَعْنِي: ما يُوَافِقُونَ أَهْلَ بَلَدِهِ
(وغَيْرَ ذَلِكَ مِن الأَعْذَارِ) الَّتِي اعْتَذَرَ بِهَا، يَعْنِي: لَيْسَ عَن جَهْلٍ بِهَا، مَا جَحَدُوهَا
لَكِنْ آثَرُوا العَاجِلَ والحُطَامَ عَلَى الآجِلِ.
(وَلَمْ يَدْرِ المِسْكِينُ أَنَّ غَالِبَ أَئِمَّةِ الكُفْرِ يَعْرِفُونَ الحَقَّ وَلَمْ يَتْرُكُوهُ إِلاَّ لِشَيْءٍ مِن الأَعْذَارِ)
الَّتِي هي مِثْلُ هَذِهِ الأَعْذَارِ،
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلاً} ففي هَذَا أَنَّهُم عَرَفُوا الحَقَّ وَإِنَّمَا آفَتُهُم شَهْوَتُهُم وإِيثَارُ عَاجِلِهِم عَلَى آجِلِهِم، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِن الآيَاتِ كَقَوْلِهِ: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}
فَعُلَمَاءُ اليَهُودِ يَعْرِفُونَ الحَقَّ وَيَعْرِفُونَ أَنَّهُ الحَقُّ، ولَكِنْ رِيَاسَاتُهُم مَنَعَتْهُم مِن الانْقِيادِ لَهُ.
فَمَعْرِفَتُهُم وإِقْرَارُهُم بالحَقِّ مَا نَفَعَهُم حَيْثُ تَرَكُوا العَمَلَ به والانْقِيادَ
كَمَا كَانَ اليَهُودُ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: (إِنَّه أَظَلََّ زَمَنُ الأَنْبِيَاءِ، وواللهِ لَئِنْ بُعِثَ نَبِيٌّ لَنُقَاتِلَنَّك ُمْ مَعَه) قَالَ تَعَالَى: {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ} الآيةَ.
(فَإِنْ عَمِلَ بالتَّوْحِيدِ عَمَلاً ظَاهِرًا) جَرَى عَلَى لِسَانِهِ وعَمِلَتْ بِهِ أَرْكَانُهُ
(وهو لاَ يَفْهَمُهُ، أو لاَ يَعْتَقِدُه بِقَلْبِهِ) أَوْ فَهِمَهُ وَلَكِنْ لَمْ يَنْقَدْ بِجَنَانِهِ
(فهو مُنَافِقٌ، وهو شَرٌّ مِن الكَافِرِ الخَالِصِ)
فَإِنَّ الكَافِرَ الخَالِصَ أَتَى الشَّرَّ مِن وَجْهِهِ، ولاَ خَادَعَ وَلاَ دلَّسَ، ولاَ لَبَّسَ وَخَانَ
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} يَعْنِي: تَحْتَ الكُفَّارِ، فَهُم أَشَرُّ مِن الكُفَّارِ في الآخِرَةِ.
والنِّفَاقُ:مُشْتَقٌّ مِن نَافِقَاءِ اليَرْبُوعِ إِذَا خَالَفَ بَابَ جُحْرِهِ.
وفي الشَّرْعِ:مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ للبَاطِن:
-إِمَّا في الاعْتِقَادِ كَمَنْ يَقُولُ باللِّسَانِ وَيَعْمَلُ بالأَرْكَانِ ولَكِنْ مُخَالِفٌ بالجَنَانِ، فهَذَا نِفَاقٌ أَكَبْرُ نَاقِلٌ عَن المِلَّةِ،
وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ المُنَافِقِينَ في ثلاََثَ عَشْرَةَ آيَةً مِن سُورَةِ البَقَرَةِ، بِخِلاَفِ الكَافِرِ الأَصْلِيِّ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ كُفْرًا مِن المُنَافِقِ،
والكُفَّارُ الأَصْلِيُّونَ ذُكِرُوا في آيَتَيْنِ مِن سُورَةِ البَقَرَةِ.
والقِسْمُ الثَّانِي: نِفَاقٌ عَمَلِيٌّ، وهو مَا ذُكِرَ في الحَدِيثِ: ((إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤتُمِنَ خَانَ)) وصَاحِبُهُ لاَ يَكُونُ مِثْلَ الأَوَّلِ، وهو أَعْظَمُ مِن الكَبَائِرِ؛ فَإِنَّ جِنْسَ مَا أَتَى في النُّصُوصِ بِتَسْمِيَتِهِ كُفْرًا أَوْ نِفَاقًا فهو أَعْظَمُ مِمَّا أَتَى أَنَّه مَعْصِيَةٌ مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهَا بِوَعِيدٍ؛ لأَِنَّ ذَنْبَ الشِّرْكِ والنِّفَاقِ أَعْظَمُ مِن غَيْرِه وأَقْبَحُ.
(وَهَذِهِ المَسْأَلَةُ) مَسْأَلَةُ أَنَّ التَّوْحِيدَ لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ بالقَلْبِ واللِّسَانِ والعَمَلِ
(مَسْأَلَةٌ كَبِيرَةٌ طَوِيلَةٌ) جِدًّا (تَتَبَيَّنُ لَكَ إِذَا تَأَمَّلْتَهَا في أَلْسِنَةِ النَّاسِ) في أَحْوَالِ النَّاسِ،
وَأَرَدْتَ تَحْصِيلَ ثَلاَثَةِ الأُمُورِ:
كَوْنُهُم اعْتَقَدُوهُ،
ونَطَقُوا بِهِ بأَلْسِنَتِهِم،
وكَمَّلُوه بِأَعْمَالِهِم؛ فَإِنَّكَ تَجِدُ الأَكْثَرَ لَمْ يُكْمِلُوا هَذِهِ الثَّلاَثَةَ،
بل إِمَّا هَذَا وَإِمَّا هَذَا وَإِمَّا اثْنَانِ
(تَرَى مَن يَعْرِفُ الحَقَّ) لَكِنْ (يَتْرُكُ العَمَلَ بِهِ) وهَذَا مِثْلُ عُلَمَاءِ اليَهُودِ وَمِثْلُ فِرْعَوْنَ ومِثْلُ إِبْلِيسَ (لِخَوْفِ نَقْصِ دُنْيَا أَوْ جَاهٍ أَو مُدَارَاةٍ) هَذَا قِسْمٌ.
(و) القِسْمُ الثَّانِي (تَرَى مَن يَعْمَلُ بِهِ ظَاهِرًا) أَمَّا قَلْبُهُ فَلاَ يَصِلُ إِلَيْهِ حَقِيقَةُ الاعْتِقَادِ (فَإِذَا سَأَلْتَهُ عَمَّا يَعْتَقِدُهُ بِقَلْبِهِ فَإِذَا هو لاَ يَعْرِفُهُ)
فالأَوَّلُ كَثِيرٌ، والثَّانِي دونَهُ والثَّالِثُ قَلِيلٌ،
فالذي يَعْرِفُهُ ويَنْطِقُ بِهِ كَثِيرٌ، وكَذَلِكَ الذي يَعْتَقِدُه ويَتَكَلَّمُ به كَثِيرٌ،
والثَّالِثُ الذي يَعْتَقِدُ ويَعْمَلُ وَلاَ يَنْطِقُ وهو قَلِيلٌ.
(وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِفَهْمِ آيَتَيْنِ مِن كِتَابِ اللهِ) فَإِنَّ بِفَهْمِهِمَا
يَتَبَيَّنُ لَكَ مَا قَرَّرَهُ المُصَنِّفُ مِن أَنَّ التَّوْحِيدَ لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ بالقَلْبِ واللِّسَانِ والعَمَلِ…،
(أُولاَهُمَا مَا تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ: {لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} فَإِذَا تَحَقَّقْتَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ الذِينَ غَزَوُا الرُّومَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرُوا بِسَبَبِ كَلِمَةٍ) وَاحِدَةٍ (قَالُوهَا عَلَى وَجْهِ المَزْحِ واللَّعِبِ،
تَبَيَّنَ لَكَ أَنَّ الذي يَتَكَلَّمُ بالكُفْرِ أو يَعْمَلُ بِهِ خَوْفًا مِن نَقْصِ مَالٍ أو جَاهٍ أَوْ مُدَارَاةً لأَِحَدٍ أَعْظَمُ مِمَّنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ يَمْزَحُ بِهَا) وأَوْلَى وَأَحَقُّ بالكُفْرِ مِمَّنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ يَمْزَحُ بِهَا وهو مِن الصَّحَابَةِ. أَفَالصَّحَابَة ُ الَّذِينَ قَالُوهَا يَصِيرُونَ كُفَّارًا وهؤلاء لاَ يَصِيرُونَ كُفَّارًا؟!
(والآيَةُ الثَّانِيَةُ) مِن الآيَتَيْنِ الدَّالَّتَيْنِ عَلَى مُرَادِ المُصَنِّفِ
أَنَّ التَّوْحِيدَ لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ بالقَلْبِ واللِّسَانِ والعَمَلِ… (قَوْلُه تَعَالَى: {مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ})
أي: مَن صَدَرَ مِنْهُ الكُفْرُ {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} أي:
إِلاَّ مَن كَانَ فِي حَقِّهِ شَرْطَانِ:
الأَوَّلُ: الإِكْرَاهُ، فَلاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ مُكْرَهًا.
وَالثَّانِي: كَوْنُ قَلْبِهِ مُطْمَئِنًّا سَاكِنًا بالإِيمَانِ (فَلَمْ يَعْذِرِ اللهُ) لَمْ يَسْتَثْنِ اللهُ (مِنْ هَؤُلاَءِ إِلاَّ مَن أُكْرِهَ مَعَ كَوْنِ قَلْبِهِ مُطْمَئِنًّا بالإِيمَانِ).
والإِكْرَاهُ كَوْنُه وَصَلَ إِلَى حَدٍّ يَخْشَى عَلَى نَفِسِه القَتْلَ أو وَلَدِهِ، فَهَذَا يَجُوزُ أَنْ يَنْطِقَ بكَلِمَةِ الكُفْرِ التي أُكْرِهَ عَلَيْهَا بِشَرْطِ كَوْنِ قَلْبِهِ مُطْمَئِنًّا بالإِيمَانِ؛ أي: مُعْتَقِدَ الحَقِّ بِجَنَانِهِ،
لَكِنْ إِنْ كَانَ لَمَّا أُكْرِهَ طَاوَعَ بِقَلْبِهِ ولَمْ يَكُنْ مُطْمَئِنًّا فهو مِن أَهْلِ الكُفْرَانِ.
وأَمَّا غَيْرُ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ سَواءٌ فَعَلَهُ خَوْفًا أَوْ مُدَارَاةً أو مَشَحَّةً بوَطَنِهِ أو أَهْلِهِ أو عَشِيرَتِهِ أو مَالِهِ، أو فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ المَزْحِ، أو لِغَيْرِ ذَلِكَ مِن الأَغْرَاضِ، إِلاَّ المُكْرَهَ.
(والآيَةُ تَدُلُّ عَلَى هَذَا) أنَّ التَّوْحِيدَ لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ بالقَلْبِ واللِّسَانِ والعَمَلِ
(مِن جِهَتَيْنِ: الأُولَى قَوْلُهُ: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ}فَلَمْ يَسْتَثْنِ اللهُ إِلاَّ المُكْرَهَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يُكْرَهُ) لاَ يُتَصَوَّرُ في حَقِّهِ الإِكْرَاهُ إِلاَّ بِهَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ
(إِلاَّ عَلَى العَمَلِ أو الكَلاَمِ، وَأَمَّا عَقِيدَةُ القَلْبِ فَلاَ يُكْرَهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ)
فَإِذَا فَعَلَ وصَدَرَ مِنْهُ الكُفْرُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ بِعْدَ إِيمَانِهِ.
(والثَّانِيَةُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ المُصَنِّفِ أَنَّها تَدُلُّ عَلَى مَا قَرَّرَهُ مِن جِهَتَيْنِ وتَقَدَّمَت الجِهَةُ الأُولَى،
وهذه الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ تَعَالى: {ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ} البَاءُ للسَّبَبِ،
يَعْنِي ذَلِكَ بِسَبَبِ مَحَبَّتِهِم {الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ} يَعْنِي: الجَنَّةَ.
(فَصَرَّحَ أَنَّ هَذَا الكُفْرَ والعَذَابَ) المَحْكُومَ به عَلَيْهِم في هذه الآيَةِ والمُتَرَتِّبَ عَلَى مَا صَدَرَ منهم
(لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ الاعْتِقَادِ أو الجَهْلِ أو البُغْضِ للدِّينِ ومَحَبَّةِ الكُفْرِ، وَإِنَّمَا سَبَبُهُ)
أي: صَدُورُ الكُفْرِ مِنْه، أنَّه تَكَلَّمَ بالكُفْرِ لسَبَبٍ وهو أنَّ له في التَّكَلُّمِ بالكُفْرِ شَيْئًا وَاحِدًا،
وهو (أَنَّ لَهُ في ذَلِكَ حَظًّا مِن حُظُوظِ الدُّنْيا) يَحْصُلُ له فَيَرْتَكِبُ هَذَا المَحْظُورَ لأَِجْلِ أَنَّهُ لاَ يَحْصُلُ له مَطْلُوبُه إِلاَّ -والعِيَاذُ باللهِ- بإِيثَارِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا (فآثَرَهُ عَلَى الدِّينِ) عَلَى الآخِرَةِ.
فالإنسانُ الذي يُلْجِئُه مَن يُلجئُه إلى أَنْ يَصْدُرَ منه الكُفْرُ له
حَالاَتٌ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَمْتَنِعَ ويَصْبِرَ عَلَيْهَا، فهذه أَفْضَلُ الحَالاَتِ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ يَنْطِقَ بِلِسَانِهِ مَعَ اعْتِقَادِ جَنَانِهِ الإيمانَ، فَهَذَا جَائِزٌ له تَخْفِيفًا ورَحْمَةً.
الثَّالِثَةُ: أَنْ يُكْرَهَ فيُجِيبَ ولاَ يَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ بالإيمانِ؛ فَهَذَا غَيْرُ مَعْذُورٍ وهوكافرٌ.
الرَّابِعَةُ: أَنْ يُطْلَبَ منه ولا يُلْجَأَ؛ فَيُجِيبَ مَا وَصَلَ إلى حَدِّ الإِكْرَاهِ ولَكِنْ يُوَافِقُ بِلِسَانِهِ، وقَلبُه مُطْمَئِنٌّ بالإيمانِ فهذا كافرٌ.
الخَامِسَةُ: أنْ يُذْكَرَ له ولا يَصِلَ إلى حَدِّ الإكْرَاهِ، فيُوافِقُ بِقَلْبِهِ ولِسَانِهِ فَهَذَا كَافِرٌ.(واللهُ سُبْحَانَه وَتَعَالَى أَعْلَمُ، والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. آمِينَ).شرح كشف الشبهات