عيد أضحى مبارك
تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: مَسْأَلةٍ عَظِيمَةٍ مُهِمَّةٍ وَهِىَ أَنَّ التَّوْحِيدَ لابُدَّ أَنْ يَكُونَ بِالقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالعَمَلِ

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,929

    افتراضي مَسْأَلةٍ عَظِيمَةٍ مُهِمَّةٍ وَهِىَ أَنَّ التَّوْحِيدَ لابُدَّ أَنْ يَكُونَ بِالقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالعَمَلِ

    قال الشيخ الامام محمد ابن ابراهيم رحمه الله
    التَّوْحِيدَ لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ بالقَلْبِ واللِّسَانِ والعَمَلِ
    فَلاَبُدَّ مِن الثَّلاَثَةِ:

    -لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ هو المُعْتَقَدَ في قَلْبِهِ.

    -وَلاَبُدَّ أنْ يَكُونَ هو الذِي يَنْطِقُ بِهِ لِسَانُ

    -ولاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ هو الَّذِي تَعْمَلُ بِهِ جَوَارِحُهُ.


    (فَإِنِ اخْتَلَّ شَيْءٌ مِن هَذَا)
    لَوْ وَحَّدَ بِلِسَانِهِ دونَ قَلْبِهِ مَا نَفَعَهُ تَوْحيِدُهُ،
    وَلَوْ وَحَّدَ بِقَلْبِهِ وأَرْكَانِهِ دونَ لِسَانِهِ ما نَفَعَهُ ذَلِكَ،
    وَلَوْ وَحَّدَ بِأَرْكَانِهِ دونَ البَاقِي (لِمْ يَكُنِ الرَّجُلُ مُسْلِمًا)
    هَذَا إِجْمَاعٌ، أَنَّ الإِنْسَانَ لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ مُوَحِّدًا باعْتِقَادِهِ ولِسَانِهِ وعَمَلِهِ،
    وهذه أَمْثِلَةُ اخْتِلاَلِ وَاحِدٍ مِن هَذِهِ الثَّلاَثَةِ.

    (فَإِنْ عَرَفَ التَّوْحِيدَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ فهو كَافِرٌ مُعَانِدٌ)
    إِذَا اعْتَقَدَ وَلاَ نَطَقَ وَلاَ عَمِلَ بالحَقِّ بأَرْكَانِهِ فَهَذَا كَافِرٌ عِنْدَ جَمِيعِ الأُمَّةِ
    (كَفِرْعَوْنَ) كَمَا في آيَةِ: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ}
    (وإِبْلِيسَ) وَكَذَلِكَ إِبْلِيسُ يَعْرِفُ الحَقَّ كَمَا قَالَ: فبعزتك -
    (رب بما أغويتنى)
    فَكُفْرُهُمَا كُفْرُ عِنَادٍ؛ فَإِنَّ فِرْعَوْنَ وإِبْلِيسَ يَعْرِفَانِ الحَقَّ في الجُمْلَةِ، وَقَدْ يَنْطِقُونَ بِهِ، وبَعْضُ الكُفْرِ يَكُونُ عَن جَهْلٍ وعَدَمِ بَصِيرَةٍ.
    وأمثالهما
    كَعُلَمَاءِ اليَهُودِ أُمَّةِ الغَضَبِ وَأَمْثَالِهِم مِمَّن يَعْلَمُ الحَقَّ وَلاَ يَعْمَلُ بِهِ،
    (وَهَذَا) المَقَامُ مَقَامُ التَّوْحِيدِ، وَأَنَّه لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ بالقَلْبِ واللِّسَانِ والعَمَلِ
    (يَغْلَطُ فيه كَثِيرٌ مِن النَّاسِ)
    مِنْهُم مَن إِذَا نُعِتَ له التَّوْحِيدُ
    (يَقُولُونَ: هَذَا حَقٌّ)
    وهَذَا الذي نَدِينُ اللهَ بِهِ
    (وَلَكِنْ) يَعْتَذِرُونَ يَقُولُونَ: (لاَ نَقْدِرُ أنْ نَفْعَلَهُ، وَلاَ يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ بَلَدِنَا إِلاَّ مَن وَافَقَهُم)
    يَعْنِي: ما يُوَافِقُونَ أَهْلَ بَلَدِهِ
    (وغَيْرَ ذَلِكَ مِن الأَعْذَارِ) الَّتِي اعْتَذَرَ بِهَا، يَعْنِي: لَيْسَ عَن جَهْلٍ بِهَا، مَا جَحَدُوهَا
    لَكِنْ آثَرُوا العَاجِلَ والحُطَامَ عَلَى الآجِلِ.
    (وَلَمْ يَدْرِ المِسْكِينُ أَنَّ غَالِبَ أَئِمَّةِ الكُفْرِ يَعْرِفُونَ الحَقَّ وَلَمْ يَتْرُكُوهُ إِلاَّ لِشَيْءٍ مِن الأَعْذَارِ)

    الَّتِي هي مِثْلُ هَذِهِ الأَعْذَارِ،
    كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللهِ ثَمَنًا قَلِيلاً} ففي هَذَا أَنَّهُم عَرَفُوا الحَقَّ وَإِنَّمَا آفَتُهُم شَهْوَتُهُم وإِيثَارُ عَاجِلِهِم عَلَى آجِلِهِم، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِن الآيَاتِ كَقَوْلِهِ: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}
    فَعُلَمَاءُ اليَهُودِ يَعْرِفُونَ الحَقَّ وَيَعْرِفُونَ أَنَّهُ الحَقُّ، ولَكِنْ رِيَاسَاتُهُم مَنَعَتْهُم مِن الانْقِيادِ لَهُ.

    فَمَعْرِفَتُهُم وإِقْرَارُهُم بالحَقِّ مَا نَفَعَهُم حَيْثُ تَرَكُوا العَمَلَ به والانْقِيادَ
    كَمَا كَانَ اليَهُودُ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: (إِنَّه أَظَلََّ زَمَنُ الأَنْبِيَاءِ، وواللهِ لَئِنْ بُعِثَ نَبِيٌّ لَنُقَاتِلَنَّك ُمْ مَعَه) قَالَ تَعَالَى: {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ} الآيةَ.

    (فَإِنْ عَمِلَ بالتَّوْحِيدِ عَمَلاً ظَاهِرًا) جَرَى عَلَى لِسَانِهِ وعَمِلَتْ بِهِ أَرْكَانُهُ
    (وهو لاَ يَفْهَمُهُ، أو لاَ يَعْتَقِدُه بِقَلْبِهِ) أَوْ فَهِمَهُ وَلَكِنْ لَمْ يَنْقَدْ بِجَنَانِهِ
    (فهو مُنَافِقٌ، وهو شَرٌّ مِن الكَافِرِ الخَالِصِ)

    فَإِنَّ الكَافِرَ الخَالِصَ أَتَى الشَّرَّ مِن وَجْهِهِ، ولاَ خَادَعَ وَلاَ دلَّسَ، ولاَ لَبَّسَ وَخَانَ
    {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}
    يَعْنِي: تَحْتَ الكُفَّارِ، فَهُم أَشَرُّ مِن الكُفَّارِ في الآخِرَةِ.


    والنِّفَاقُ:مُشْتَقٌّ مِن نَافِقَاءِ اليَرْبُوعِ إِذَا خَالَفَ بَابَ جُحْرِهِ.

    وفي الشَّرْعِ:مُخَالَفَةُ الظَّاهِرِ للبَاطِن:

    -إِمَّا في الاعْتِقَادِ كَمَنْ يَقُولُ باللِّسَانِ وَيَعْمَلُ بالأَرْكَانِ ولَكِنْ مُخَالِفٌ بالجَنَانِ، فهَذَا نِفَاقٌ أَكَبْرُ نَاقِلٌ عَن المِلَّةِ،
    وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ المُنَافِقِينَ في ثلاََثَ عَشْرَةَ آيَةً مِن سُورَةِ البَقَرَةِ، بِخِلاَفِ الكَافِرِ الأَصْلِيِّ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ كُفْرًا مِن المُنَافِقِ،
    والكُفَّارُ الأَصْلِيُّونَ ذُكِرُوا في آيَتَيْنِ مِن سُورَةِ البَقَرَةِ.

    والقِسْمُ الثَّانِي: نِفَاقٌ عَمَلِيٌّ، وهو مَا ذُكِرَ في الحَدِيثِ: ((إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤتُمِنَ خَانَ)) وصَاحِبُهُ لاَ يَكُونُ مِثْلَ الأَوَّلِ، وهو أَعْظَمُ مِن الكَبَائِرِ؛ فَإِنَّ جِنْسَ مَا أَتَى في النُّصُوصِ بِتَسْمِيَتِهِ كُفْرًا أَوْ نِفَاقًا فهو أَعْظَمُ مِمَّا أَتَى أَنَّه مَعْصِيَةٌ مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهَا بِوَعِيدٍ؛ لأَِنَّ ذَنْبَ الشِّرْكِ والنِّفَاقِ أَعْظَمُ مِن غَيْرِه وأَقْبَحُ.

    (وَهَذِهِ المَسْأَلَةُ) مَسْأَلَةُ أَنَّ التَّوْحِيدَ لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ بالقَلْبِ واللِّسَانِ والعَمَلِ
    (مَسْأَلَةٌ كَبِيرَةٌ طَوِيلَةٌ) جِدًّا (تَتَبَيَّنُ لَكَ إِذَا تَأَمَّلْتَهَا في أَلْسِنَةِ النَّاسِ) في أَحْوَالِ النَّاسِ،
    وَأَرَدْتَ تَحْصِيلَ ثَلاَثَةِ الأُمُورِ:
    كَوْنُهُم اعْتَقَدُوهُ،
    ونَطَقُوا بِهِ بأَلْسِنَتِهِم،
    وكَمَّلُوه بِأَعْمَالِهِم؛ فَإِنَّكَ تَجِدُ الأَكْثَرَ لَمْ يُكْمِلُوا هَذِهِ الثَّلاَثَةَ،
    بل إِمَّا هَذَا وَإِمَّا هَذَا وَإِمَّا اثْنَانِ
    (تَرَى مَن يَعْرِفُ الحَقَّ)
    لَكِنْ (يَتْرُكُ العَمَلَ بِهِ) وهَذَا مِثْلُ عُلَمَاءِ اليَهُودِ وَمِثْلُ فِرْعَوْنَ ومِثْلُ إِبْلِيسَ (لِخَوْفِ نَقْصِ دُنْيَا أَوْ جَاهٍ أَو مُدَارَاةٍ) هَذَا قِسْمٌ.

    (و) القِسْمُ الثَّانِي (تَرَى مَن يَعْمَلُ بِهِ ظَاهِرًا) أَمَّا قَلْبُهُ فَلاَ يَصِلُ إِلَيْهِ حَقِيقَةُ الاعْتِقَادِ (فَإِذَا سَأَلْتَهُ عَمَّا يَعْتَقِدُهُ بِقَلْبِهِ فَإِذَا هو لاَ يَعْرِفُهُ)
    فالأَوَّلُ كَثِيرٌ، والثَّانِي دونَهُ والثَّالِثُ قَلِيلٌ،
    فالذي يَعْرِفُهُ ويَنْطِقُ بِهِ كَثِيرٌ، وكَذَلِكَ الذي يَعْتَقِدُه ويَتَكَلَّمُ به كَثِيرٌ،
    والثَّالِثُ الذي يَعْتَقِدُ ويَعْمَلُ وَلاَ يَنْطِقُ وهو قَلِيلٌ.

    (وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِفَهْمِ آيَتَيْنِ مِن كِتَابِ اللهِ) فَإِنَّ بِفَهْمِهِمَا
    يَتَبَيَّنُ لَكَ مَا قَرَّرَهُ المُصَنِّفُ مِن أَنَّ التَّوْحِيدَ لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ بالقَلْبِ واللِّسَانِ والعَمَلِ…،
    (أُولاَهُمَا مَا تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ:
    {لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} فَإِذَا تَحَقَّقْتَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ الذِينَ غَزَوُا الرُّومَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرُوا بِسَبَبِ كَلِمَةٍ) وَاحِدَةٍ (قَالُوهَا عَلَى وَجْهِ المَزْحِ واللَّعِبِ،
    تَبَيَّنَ لَكَ أَنَّ الذي يَتَكَلَّمُ بالكُفْرِ أو يَعْمَلُ بِهِ خَوْفًا مِن نَقْصِ مَالٍ أو جَاهٍ أَوْ مُدَارَاةً لأَِحَدٍ أَعْظَمُ مِمَّنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ يَمْزَحُ بِهَا)
    وأَوْلَى وَأَحَقُّ بالكُفْرِ مِمَّنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ يَمْزَحُ بِهَا وهو مِن الصَّحَابَةِ. أَفَالصَّحَابَة ُ الَّذِينَ قَالُوهَا يَصِيرُونَ كُفَّارًا وهؤلاء لاَ يَصِيرُونَ كُفَّارًا؟!

    (والآيَةُ الثَّانِيَةُ) مِن الآيَتَيْنِ الدَّالَّتَيْنِ عَلَى مُرَادِ المُصَنِّفِ
    أَنَّ التَّوْحِيدَ لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ بالقَلْبِ واللِّسَانِ والعَمَلِ… (قَوْلُه تَعَالَى: {مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ})
    أي: مَن صَدَرَ مِنْهُ الكُفْرُ {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} أي:
    إِلاَّ مَن كَانَ فِي حَقِّهِ شَرْطَانِ:


    الأَوَّلُ: الإِكْرَاهُ، فَلاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ مُكْرَهًا.

    وَالثَّانِي: كَوْنُ قَلْبِهِ مُطْمَئِنًّا سَاكِنًا بالإِيمَانِ (فَلَمْ يَعْذِرِ اللهُ) لَمْ يَسْتَثْنِ اللهُ (مِنْ هَؤُلاَءِ إِلاَّ مَن أُكْرِهَ مَعَ كَوْنِ قَلْبِهِ مُطْمَئِنًّا بالإِيمَانِ).
    والإِكْرَاهُ كَوْنُه وَصَلَ إِلَى حَدٍّ يَخْشَى عَلَى نَفِسِه القَتْلَ أو وَلَدِهِ، فَهَذَا يَجُوزُ أَنْ يَنْطِقَ بكَلِمَةِ الكُفْرِ التي أُكْرِهَ عَلَيْهَا بِشَرْطِ كَوْنِ قَلْبِهِ مُطْمَئِنًّا بالإِيمَانِ؛ أي: مُعْتَقِدَ الحَقِّ بِجَنَانِهِ،
    لَكِنْ إِنْ كَانَ لَمَّا أُكْرِهَ طَاوَعَ بِقَلْبِهِ ولَمْ يَكُنْ مُطْمَئِنًّا فهو مِن أَهْلِ الكُفْرَانِ.


    وأَمَّا غَيْرُ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ سَواءٌ فَعَلَهُ خَوْفًا أَوْ مُدَارَاةً أو مَشَحَّةً بوَطَنِهِ أو أَهْلِهِ أو عَشِيرَتِهِ أو مَالِهِ، أو فَعَلَهُ عَلَى وَجْهِ المَزْحِ، أو لِغَيْرِ ذَلِكَ مِن الأَغْرَاضِ، إِلاَّ المُكْرَهَ.
    (والآيَةُ تَدُلُّ عَلَى هَذَا) أنَّ التَّوْحِيدَ لاَبُدَّ أَنْ يَكُونَ بالقَلْبِ واللِّسَانِ والعَمَلِ
    (مِن جِهَتَيْنِ: الأُولَى قَوْلُهُ: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ}فَلَمْ يَسْتَثْنِ اللهُ إِلاَّ المُكْرَهَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يُكْرَهُ)
    لاَ يُتَصَوَّرُ في حَقِّهِ الإِكْرَاهُ إِلاَّ بِهَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ
    (إِلاَّ عَلَى العَمَلِ أو الكَلاَمِ، وَأَمَّا عَقِيدَةُ القَلْبِ فَلاَ يُكْرَهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ)
    فَإِذَا فَعَلَ وصَدَرَ مِنْهُ الكُفْرُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ بِعْدَ إِيمَانِهِ.

    (والثَّانِيَةُ) تَقَدَّمَ قَوْلُ المُصَنِّفِ أَنَّها تَدُلُّ عَلَى مَا قَرَّرَهُ مِن جِهَتَيْنِ وتَقَدَّمَت الجِهَةُ الأُولَى،
    وهذه الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ تَعَالى: {ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ} البَاءُ للسَّبَبِ،
    يَعْنِي ذَلِكَ بِسَبَبِ مَحَبَّتِهِم {الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ} يَعْنِي: الجَنَّةَ.
    (فَصَرَّحَ أَنَّ هَذَا الكُفْرَ والعَذَابَ)
    المَحْكُومَ به عَلَيْهِم في هذه الآيَةِ والمُتَرَتِّبَ عَلَى مَا صَدَرَ منهم
    (لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ الاعْتِقَادِ أو الجَهْلِ أو البُغْضِ للدِّينِ ومَحَبَّةِ الكُفْرِ، وَإِنَّمَا سَبَبُهُ)
    أي: صَدُورُ الكُفْرِ مِنْه، أنَّه تَكَلَّمَ بالكُفْرِ لسَبَبٍ وهو أنَّ له في التَّكَلُّمِ بالكُفْرِ شَيْئًا وَاحِدًا،
    وهو (أَنَّ لَهُ في ذَلِكَ حَظًّا مِن حُظُوظِ الدُّنْيا) يَحْصُلُ له فَيَرْتَكِبُ هَذَا المَحْظُورَ لأَِجْلِ أَنَّهُ لاَ يَحْصُلُ له مَطْلُوبُه إِلاَّ -والعِيَاذُ باللهِ- بإِيثَارِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا (فآثَرَهُ عَلَى الدِّينِ) عَلَى الآخِرَةِ.


    فالإنسانُ الذي يُلْجِئُه مَن يُلجئُه إلى أَنْ يَصْدُرَ منه الكُفْرُ له
    حَالاَتٌ:

    أَحَدُهَا: أَنْ يَمْتَنِعَ ويَصْبِرَ عَلَيْهَا، فهذه أَفْضَلُ الحَالاَتِ.

    الثَّانِيَةُ: أَنْ يَنْطِقَ بِلِسَانِهِ مَعَ اعْتِقَادِ جَنَانِهِ الإيمانَ، فَهَذَا جَائِزٌ له تَخْفِيفًا ورَحْمَةً.

    الثَّالِثَةُ: أَنْ يُكْرَهَ فيُجِيبَ ولاَ يَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ بالإيمانِ؛ فَهَذَا غَيْرُ مَعْذُورٍ وهوكافرٌ.

    الرَّابِعَةُ: أَنْ يُطْلَبَ منه ولا يُلْجَأَ؛ فَيُجِيبَ مَا وَصَلَ إلى حَدِّ الإِكْرَاهِ ولَكِنْ يُوَافِقُ بِلِسَانِهِ، وقَلبُه مُطْمَئِنٌّ بالإيمانِ فهذا كافرٌ.
    الخَامِسَةُ: أنْ يُذْكَرَ له ولا يَصِلَ إلى حَدِّ الإكْرَاهِ، فيُوافِقُ بِقَلْبِهِ ولِسَانِهِ فَهَذَا كَافِرٌ.(واللهُ سُبْحَانَه وَتَعَالَى أَعْلَمُ، والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. آمِينَ).شرح كشف الشبهات

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,554

    افتراضي رد: مَسْأَلةٍ عَظِيمَةٍ مُهِمَّةٍ وَهِىَ أَنَّ التَّوْحِيدَ لابُدَّ أَنْ يَكُونَ بِالقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالعَمَلِ

    بارك الله فيكم،
    نرجو ذكر مثال على الحالة الرابعة:

    الرَّابِعَةُ: أَنْ يُطْلَبَ منه ولا يُلْجَأَ؛ فَيُجِيبَ مَا وَصَلَ إلى حَدِّ الإِكْرَاهِ ولَكِنْ يُوَافِقُ بِلِسَانِهِ، وقَلبُه مُطْمَئِنٌّ بالإيمانِ فهذا كافرٌ.
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,929

    افتراضي رد: مَسْأَلةٍ عَظِيمَةٍ مُهِمَّةٍ وَهِىَ أَنَّ التَّوْحِيدَ لابُدَّ أَنْ يَكُونَ بِالقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالعَمَلِ

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم علي طويلبة علم مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيكم،
    نرجو ذكر مثال على الحالة الرابعة:

    الرَّابِعَةُ: أَنْ يُطْلَبَ منه ولا يُلْجَأَ ؛ فَيُجِيبَ
    - مَا
    وَصَلَ إلى حَدِّ الإِكْرَاهِ
    ولَكِنْ يُوَافِقُ بِلِسَانِهِ، وقَلبُه مُطْمَئِنٌّ بالإيمانِ فهذا كافرٌ.

    بارك الله فيك
    يعنى لم يصل الى الاكراه المجلئ المعتبر
    الإِْكْرَاهُ غَيْرُ الْمُلْجِئِ هُوَ: الَّذِي يَكُونُ بِمَا لاَ يُفَوِّتُ النَّفْسَ أَوْ بَعْضَ الأَْعْضَاءِ، كَالْحَبْسِ لِمُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، وَالضَّرْبِ الَّذِي لاَ يُخْشَى مِنْهُ الْقَتْل أَوْ تَلَفُ بَعْضِ الأَْعْضَاءِ.
    وَحُكْمُ هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ يُعْدِمُ الرِّضَا وَلَكِنْ لاَ يُفْسِدُ الاِخْتِيَارَ، وَذَلِكَ لِعَدَمِ اضْطِرَارِ الْمُكْرَهِ إِلَى الإِْتْيَانِ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، لِتَمَكُّنِهِ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى تَحَمُّل مَا هُدِّدَ بِه
    مذهب جمهور العلماء أن الترخص في الكفر لايكون إلا بالإكراه الملجيء .

    رجّح شيخ الاسلام بن تيمية وعلماء الدعوة النجدية قول الجمهور وهو قول الحنابلة
    فقال شيخ الاسلام
    تأملت المذاهب فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكرَه عليه، فليس الإكراه المعتبر في كلمة الكفر كالإكراه المعتبر في الهبة ونحوها، فإن أحمد قد نص ّ في غير موضع أن الإكراه على الكفر لايكون إلا بالتعذيب من ضرب ٍ وقيد ولايكون الكلام إكراها.
    يقول الشيخ سليمان بن عبد الله-
    ولا يستثنى من ذلك إلا المكره، وهو الذي يستولي عليه المشركون فيقولون له: اكفر، او أفعل كذا، وإلا فعلنا بك وقتلناك، أو يأخذونه فيعذبونه حتى يوافقهم، فيجوز له الموافقة باللسان مع طمأنينة القلب بالإيمان-فإن قال قائل: هلاَّ كان الإكراه على الخروج عذراً للذين قتلوا يوم بدر؟
    قيل: لا يكون عذراً، لأنهم في أول الأمر لم يكونوا معذورين إذا قاموا مع الكفار، فلا يعذرون بعد ذلك بالإكراه، لأنهم السبب في ذلك حيث قاموا معهم وتركوا الهجرة.

    والحجة لقول الجمهور هو سبب النزول،
    فإن عمار بن ياسر لم يتكلم بالكفر حتى عذّبه المشركون، وعلى المشهور فإن هذا هو سبب نزول قوله تعالى (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ) النحل: ١٠٦، قال ابن حجر والمشهور أن الآية المذكورة نزلت في عمار بن ياسر، كما جاء من طريق أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال «أخذ المشركون عماراً فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا، فشكي ذلك إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال له: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئناً بالإيمان، قال: فإن عادوا فعُد». وهو مُرسَل ورجاله ثقات أخرجه الطبري وقبله عبدالرزاق وعنه عبد بن حميد
    وقد أشار البخاري رحمه الله – حسب عادته في التلميح – إلى حد الإكراه المرخص في الكفر
    وذلك في باب
    (من اختار الضرب والقتل والهوان على الكفر) بكتاب الإكراه من صحيحه،
    وذكر فيه ثلاثة أحاديث الأول حديث أنس مرفوعا (ثلاث من كُنّ فيه وجد حلاوة الإيمان – ومنها – وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار
    ) وفيه إشارة إلى أن العودة في الكفر تعدل دخول النار بما يعني الهلاك
    ، فلا يرخص في الكفر إلا عند خشية الهلاك وتلف النفس
    وهو قول الجمهور.
    والحديث الثاني عن سعيد بن زيد قال (لقد رأيتُني وإن عمر مُوثِقِي على الإسلام) الحديث، وفيه أن عمر بن الخطاب – قبل إسلامه – كان يوثق سعيد بن زيد ويقيّده ليرتد عن الإسلام، ولم يكن القيد ليرخص له في ذلك وفيه إشارة للرد على الشافعية في قولهم إن الحبس والقيد إكراه على الردة. ثم ذكر البخاري حديث خباب مرفوعا (قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيُحفر له في الأرض فيُجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيُجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد من دون لحمه وعظمه، فما يصدّه ذلك عن دينه) الحديث، وفيه أثنى النبي عليه الصلاة والسلام على من اختاروا القتل والعذاب على الكفر وامتدحهم، ويشير البخاري بذلك إلى الدليل الموافق للإجماع على أن من اختار القتل على الكفر أنه أعظم أجراً .

    يقول الشيخ حمد بن عتيق فى رسالة -سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين واهل الاشراك-
    قال شيخ الإسلام:
    تأملت المذاهب، فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكره عليه. فليس الإكراه المعتبر في كلمة الكفر، كالإكراه المعتبر في الهبة ونحوها، فإن أحمد قد نص في غير موضع على أن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بالتعذيب من ضرب أو قيد، ولا يكون الكلام إكراها. وقد نص على أن المرأة لو وهبت زوجها صداقها بمسكنه، فلها أن ترجع، بناءا على أنها لا تهب إلا إذا خافت أن يطلقها، أو يسيء عشرتها. فجعل خوف الطلاق أو سوء العشرة، إكراها. ولفظه في موضع آخر: لأنه أكرهها، ومثل هذا لا يكون إكراها على الكفر، فإن الأسير إن خشي من الكفار أن لا يزوجوه وأن يحولوا بينه وبين امرأته، لم يبح له التكلم بكلمة الكفر. اهـ.

    والمقصود منه: أن الإكراه على كلمة الكفر لا يكون إلا بالتعذيب: من ضرب أو قيد، وإن الكلام لا يكون إكراها،
    وكذلك الخوف من أن يحول الكفار بينه وبين زوجته، لايكون إكراها.
    فإذا علمت ذلك وعرفت ما وقع من كثير من الناس، تبين لك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ) وقد عاد غريبا، وأغرب منه من يعرفه على الحقيقة.
    ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله ال الشيخ

    قوله تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم. ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين}:


    فحكم تعالى حكماً لا يبدَّل أن من رجع عن دينه إلى الكفر، فهو كافر، سواء كان له عذر خوفاً على نفس أو مال أو أهل، أم لا، وسواء كفر بباطنه أم بظاهره دون باطنه، وسواء كفر بفعاله ومقاله، أو بأحدهما دون الآخر، وسواء كان طامعاً في دنيا ينالها من المشركين أم لا، فهو كافر على كل حال إلا المكره، وهو في لغتنا: المغصوب.

    فإذا أكره الإنسان على الكفر وقيل له: اكفر وإلا قتلناك أو ضربناك، أو أخذه المشركون فضربوه، ولم يمكنه التخلص إلا بموافقتهم، جاز له موافقتهم في الظاهر، بشرط أن يكون قلبه مطمئناً بالإيمان، أي ثابتاً عليه، معتقداً له.


    فأما إن وافقهم بقلبه فهو كافر ولو كان مكرهاً.

    وظاهر كلام أحمد رحمه الله أنه في الصورة الأولى لا يكون مكرهاً حتى يعذًّبه المشركون، فإنه لما دخل عليه يحيى بن معين وهو مريض، فسلم عليه فلم يرد عليه السلام، فما زال يعتذر ويقول: (حديث عمار. وقال الله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان})، فقلب أحمد وجهه إلى الجانب الآخر، فقال يحيى: (لا يقبل عذراً)، فلما خرج يحيى قال أحمد: (يحتج بحديث عمار، وحديث عمار؛ مررت بهم وهم يسبونك فنهيتهم فضربوني، وأنتم قيل لكم؛ نريد أن نضربكم)، فقال يحيى: (والله ما رأيت تحت أديم السماء أفقه في دين الله تعالى منك).

    الإكراه على الكفر
    https://majles.alukah.net/t163465/


  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    7,554

    افتراضي رد: مَسْأَلةٍ عَظِيمَةٍ مُهِمَّةٍ وَهِىَ أَنَّ التَّوْحِيدَ لابُدَّ أَنْ يَكُونَ بِالقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالعَمَلِ

    أحسن الله إليكم
    اللهم اغفر لأبي وارحمه وعافه واعف عنه اللهم اجعل ولدي عمر ذخرا لوالديه واجعله في كفالة إبراهيم عليه السلام

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •