حال صديقتي يرثى له

أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة

السؤال:


الملخص:
فتاة تأسى لحال صديقتها التي تضطر للعمل رغم صغر سنها بسبب فقرها، وقد عانت صديقتها من نظرة الناس لها باحتقار، وتتناول أدوية نفسية بسبب ذلك، كما أنها على خلق ودين، لكنها لا تستطيع الإكثار من العبادات لتخفِّف آلامها بسبب دراستها، وتسأل: ما النصيحة؟
التفاصيل:
صديقتي على خُلُقٍ ودين، لكنها فقيرة جدًّا، وهي غير موفَّقة في دراستها، وتضطر للعمل رغم صغر سنها، وقد آلَمها وأرهقها هذا الأمر كثيرًا، فهي تخشى نظرة الناس لها بازدراء، وقد أتعبتها الأدوية النفسية، وعلى الناحية التعبُّدية، فإن دراستها تشغل كثيرًا من وقتها، فلا تستطيع التقرب إلى الله بكثرة العبادات لتخفِّفَ من آلامها، فهي تصلي الفروض وبعض النوافل، ما الحل في هذه المشكلة؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: مرحبًا بكِ أيتها الأخت الفاضلة، ونسأل الله لنا ولكِ ولصديقتكِ الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: نحمد لكِ حرصكِ واهتمامكِ بحال صديقتكِ؛ فالمسلم أخو المسلم يفرح لفرحه، ويتألم لألمه، ويغتمُّ لهَمِّهِ؛ ففي حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يُسْلِمُهُ، ومَن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلم كُرْبةً، فرَّج الله عنه كربةً مِن كربات يوم القيامة، ومَن ستر مسلمًا، ستره الله يوم القيامة)) [البخاري: (2442)، ومسلم: (2580)].
وعن النُّعمان بن بَشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم، مَثَلُ الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ، تَدَاعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمَّى))؛ [البخاري (703)، ومسلم (467)].
قال ابن حبان: "وفيه مَثَّل النَّبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بما يجب أن يكونوا عليه من الشَّفَقَة والرَّأفة"؛ [انظر: صحيح ابن حبان: (1/ 496)].
ثالثًا: ينبغي أن تنصحي صديقتكِ بالابتعاد عن الأدوية النفسية لضررها، أو على الأقل تقللها وتأخذها بمشورة الطبيبة النفسية الدَّيِّنَةِ الأمينة.
كوني دائمًا عونًا لها بسماعها والتقرب إليها، وتذكيرها بالله، وتعزيز قربها وتوكُّلها على الله؛ فغالب الاضطراب النفسي من قلة اليقين وخوف الضرر في المستقبل، وكل هذا بأمر الله سبحانه وتعالى، وأن كل شيء بقدر، وأن كل شيء عند الله بأجل، فينبغي تذكيرها بضرورة الإيمان بالقضاء والقدر.
ولكِ أن تساعديها ماديًّا منكِ إذا كنتِ مستطيعة، أو من أصحاب الأموال من حولكِ، ولا مانع من البحث لها عن زوج كي يكفيَها عن العمل، وعن أعين الناس وألسنتهم.
ولكِ أن تقدمي لها النصيحة بصدقٍ دون مُداهَنة، فإذا وجدتِ عندها تقصيرًا في جانب من الجوانب، فبيِّنيهِ لها، لكن دون تهويل أو تسبيط، أو إفراط أو تفريط، فالنصيحة مُرَّةٌ، فلا تزيدي مرارتها بقاسي الكلام.ولكِ أن تقدِّمي لها الدعم النفسي والمعنوي بتعزيز ثقتها بنفسها؛ فغالب المرضى النفسيين يحتاجون لتقوية الثقة بأنفسهم، فحاولي معرفة ما تُحسنه وما تُحبه من الأشياء المباحة غير المحرمة، وساعديها في القيام به؛ كالقراءة، أو الكتابة، أو الرسم، أو القيام بالأعمال الخيرية كمساعدة المحتاجين، ونحوه.
ولكِ أن تُكثِري من الدعاء لها، وتُذكِّريها بالدعاء وأهميته، وبضرورة التمسك بالطاعة وإحسانها، وأن النجاة في الدنيا والآخرة في التمسك بحبل الله وبالقرب منه؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام: 153]، وهو غذاء روحي مطمئن ومهدِّئ، وعلاج ناجح يُبعد الوسواس والاضطرابات النفسية؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
ولكِ أن تنصحيها بالقراءة في سِيَرِ السلف من الصحابة والتابعين والعلماء الربانيين، وقراءة طرف من ابتلائهم في الدنيا وصبرهم عليها.
وأخيرًا: فإن النفس المطمئنة التي امتثلت لأوامر الله واجتنبت نواهيه، لا يؤثر فيها أي اضطراب نفسي مهما كان؛ لأنها تحيا حياتها على يقين تام بالله، فهي متوافقة مع نفسها والمجتمع الذي تحيا فيه، هذا وإن تزكية النفس ومحاولة علاجها وتوجُّهها نحو النهج السليم يؤدي إلى تحقيق الراحة النفسية والطمأنينة القلبية؛ ومن ثَمَّ تكون سلوكياتها التي تصدر عنها سليمة صحيحة، وليس بها شذوذ أو خلل، ويرحم الله ابن القيم إذ قال: "فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج المرضى بتطييب نفوسهم وتقوية قلوبهم: وقال: من أشرف أنواع العلاج، وهو الإرشاد إلى ما يطيب نفس العليل من الكلام الذي تقوى به الطبيعة، وتنتعش به القوة، وينبعث به الحار الغريزي، فيتساعد على دفع العلة أو تخفيفها الذي هو غاية تأثير الطبيب، وتفريح نفس المريض، وتطييب قلبه، وإدخال ما يسرُّه عليه، له تأثير عجيب في شفاء علته وخفتها، فإن الأرواح والقُوى تقوى بذلك، فتساعد الطبيعة على دفع المؤذي"؛ [الطب النبوي: (ص: 87)].
هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/fatawa_counse...#ixzz6lKke5O1n