قال الطحاوى رحمه الله
نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحدٌ لا شريك له ولا شيء مثله، ولا شيء يعجزه، ولا إله غيره.
الشرح
قوله: "نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحدٌ لا شريك له"،
قوله: نقول هذا؛ لأنه لا يكتفى في الاعتقاد باعتقاد القلب، بل لابد من قول اللسان،
وأعظم قول اللسان وكاف شهادة ألا إله إلا الله،وأن محمدا رسول الله؛
لأن العقيدة الصحيحة اعتقاد بالجنان، وقول باللسان؛ حتى يكون الإيمان صحيحاً،
ثم امتثال العمليات في الأمر والنهي.
وقوله: "معتقدين"،
هذه حال من "نقول"، يعني أقول حالة كوني معتقداً هذا الكلام عاقداً عليه قلبي، غير متردد فيه، ولا مرتاب، فمعتقدين ولو تأخرت فهي حال من الضمير في نقول.
وقوله: "بتوفيق الله"
هذه استعانة بالله جل وعلا أن يوفقه في القول الحق في ذلك، والتوفيق اختلفت فيه التفسيرات، بما سيأتي بيانه إِنْ شَاءَ اللَّهُ مفصلاً في ذكر مسائل القدر، فأهل السنة لهم تفسير للتوفيق وللخزلان، وأهل البدع كل له مشربه في تفسير التوفيق والخزلان.
قال: "نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له"
اشتملت هذه الجملة على ذكر التوحيد، وعلى تفسيره،
وكلمة التوحيد هذه:مصدر وحَّد يوحد توحيداً، يعني جعل الشيء واحداً،
قد جاء في السنة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال في حديث معاذ:
((إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه إلى أن يوحدوا الله))،
وجاء أيضاً في قول الصحابي رَضِي اللهُ عَنْهُم، فأهل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتوحيد،
في قوله: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك))، التلبية المعروفة في أول الحج،
فأهل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالتوحيد.
فإذن كلمة التوحيد جاءت في السنة،
ومعنى التوحيد كما ذكرنا جعل الشيء واحدا في اللغة،
فتوحيد الله معناه:
أن تجعل الله واحداً، واحدا فيما وحد الله جل وعلا نفسه فيه، فيما دلت عليه النصوص،
والنصوص دلت على أن الله واحد في ربوبيته، واحد في إلهيته،واحدٌ في أسمائه وصفاته.
فالتوحيد إذن في الكتاب والسنة راجع إلى توحيد الربوبية، توحيد الإلهية، توحيد الأسماء والصفات،
وهذا على التقسيم المشهور،
وقسمه بعض أهل العلم إلى تقسيم آخر،
وهو أن توحيد الله ينقسم إلى قسمين؛
ينقسم إلى توحيد في المعرفة والإثبات،
وإلى توحيد في القصد والطلب.
وعنى بقوله:"في المعرفة والإثبات"في معرفة الله جل وعلا بأفعاله، وهذا هو الربوبية والإثبات له، فيما أثبت لنفسه، وهذا هو الأسماء والصفات.
وقوله:"في القصد والطلب" هو توحيد الإلهية
، وتقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام: الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات، جاء في عبارات المتقدمين من أئمة الحديث والأثر، فجاء عند أبي جعفر الطبري في تفسيره، وفي غيره من كتبه، وفي كلام ابن بطة، وفي كلام ابن منده، وفي كلام ابن عبد البر وغيرهم من أهل العلم من أهل الحديث والأثر، خلافاً لمن زعم من المبتدعة أن هذا التقسيم أحدثه ابن تيمية،
فهذا التقسيم قديم، يعرفه من طالع كتب أهل العلم التي ذكرنا.
إذا تقرر ذلك
فالإيمان بتوحيد الربوبية معناه: أنه إيمان بأن الله وحده لا شريك له، هو المتصرف في هذا الملكوت أمراً ونهياً، هو الخالق وحده، وهو الرزاق وحده، وهو المحيي المميت وحده، وهو النافع الضار وحده، وهو القابض الباسط وحده في ملكوته،إلى آخر مفردات الربوبية، كما قال جل وعلا: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ}.
فأثبت أنهم أقروا بالربوبية، وأنكر عليهم أنهم لم يتقوا الشرك به، وترك توحيد الإلهية،
وتوحيد الإلهية هو توحيد الله بأفعال العبيد، توحيد في القصد والطلب بأن يفرد العبد ربه جل وعلا في إنابته، وخضوعه، ومحبته ورجائه، وأنواع عبادته من صلاته، وزكاته، وصيامه، ودعائه، وذبحه ونذره، إلى آخر أفراد العبادة بما هو معلوم في توحيد الإلهية.
وتوحيد الأسماء والصفاتهو جعل الله جل وعلا واحداً لا مثل له، في أسمائه وصفاته، كما قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}،وكما قال: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ}،وكما قال جل وعلا: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً }.
إذن قوله:"نقول في توحيد الله معقتدين بتوفيق الله"، هنا ذكر التوحيد؛ لأن الخلاف قائم فيه،
ففي الربوبية قام الخلاف مع الدهرية والفلاسفة، الذين يقولون: إن هذا العالم قديم لم يزل، وأنه ليس له خالق، بل وجد العالم هكذا باتفاق، وغير ذلك من مقالات نفاة الرب جل وعلا،
وكذلك مخالفة للذين جعلوا الله ربا، ولكن جعلوا معه شريكاً في الربوبية، وهم طوائف وملل مختلفة، وفي هذه الأمة دخل ذلك في قول غلاة المتصوفة، الذين يقولون: إن لهذا العالم من يتصرف فيه من الأولياء والأقطاب، الذين لكل بلد قطب، يمنع ويعطي فيها، ويرزق ويحيي ويميت... إلى آخر ما يعتقدون فيه في الإلهية،ثم من خالف في الأسماء والصفات، ثم من خالف كما سيأتي تفصيله.
هنا سؤال وهو أنه قدم القول في الاعتقاد في الله جل وعلا،لم؟
والجواب عن ذلك: أنه قدم ذلك لأمرين:
الأول منهما:
أن الإيمان بالله مقدم على غيره من أركان الإيمان،كما قال جل وعلا: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ}،فقدم الإيمان بالله على غيره، وكما في قوله جل وعلا: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُون َ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}،وقول النبي عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل المعروف: ((الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر،وبالقدر خيره وشره)).
الأمر الثاني: أن الاعتقاد في الله جل وعلا هو أصل الإيمان، وبه يصير المرء مؤمنا،
الاعتقاد في الله جل وعلا بالوحدانية، بما دلت عليه شهادة ألاَّ إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله،
وأن ذلك هو أول واجب على العبيد،
وفي هذا مخالفة للذين زعموا أن أول واجب على العبد، ويقدمونه في عقائدهم، أن يعرف الله، أو أن يستدل على معرفة الله، أو ما يسمونه بالنظر للتوحيد أو للمعرفة، أو بالقصد إلى النظر.
فلما كان أول واجب هو التوحيد، قدمه مخالفة لمن قال:
إن أول واجب هو أن ينظر في الدلائل، وفي الملكوت لمن كان أهلا لذلك.
قال: "إن الله واحد لا شريك له"، "إن الله واحد"،
لفظ واحد هذا من أسماء الله الحسنى، كما قال جل وعلا: {هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}،
وأيضاً من أسمائه سبحانه الأحد، {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
وواحدٌ يعني أنه لا شريك له،
ولذلك كانت كلمة لا شريك له هذه مؤكدة تأكيداً بعد تأكيد.
قال الحافظ ابن حجر وغيره في قوله:
"واحد لا شريك له": هذا تأكيد بعد تأكيد، لبيان عظم مقام التوحيد
. وكلمة واحد هذه راجعة عند أهل الاعتقاد إلى أحديته سبحانه، ونقول: الصحيح أنه لا فرق بين واحد وأحد، والمتكلمون يفرقون ما بين الواحد والأحد، واحد وأحد، فيرجعون الواحدية للصفات، والأحدية للأفعال، لكن الصحيح أن اسم الله جل وعلا الواحد يرجع إليه أحديته سبحانهفي الذات، وفي الصفات،وفي الأفعال، في الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات.
قوله: "لا شريك له"هذا التفسير لواحد وتأكيد له،
ولهذا دل قوله: "إن الله واحد لا شريك له" على أن التوحيد أعظم ما يفسر به نفي الشريك عن الله جل وعلا "نقول في توحيد إن الله واحد لا شريك له"،
فالتوحيد يفسر بضده وهو نفي الشرك، قال كما الشاعر (وبضدها تتبين الأشياء)
فقد لا يستقيم معرفة التوحيد بتفاصيله، إلا بالإيقان بنفي الشرك بأنواعه،
لهذا نقول هنا قوله:"لا شريك له" هذا عام، يشمل نفي الشريك في الربوبية، ونفي الشريك في الألوهية، ونفي الشريك في الأسماء والصفات.
والشركة في الربوبيةراجعة إلى جعل المخلوق له من صفات الرب جل وعلا في صفات الربوبية،
يعني أن يجعل للمخلوق تصرفاً. إذا جعل للمخلوق تصرفاً في الكون، مما يختص به الله جل وعلا فهذا ادعاء للشريك معه في الربوبية، أو أن يعتقد أن الله معه معين أو ظهير أو وزير،وهذا كله منفي، وكل هذا داخل في الاشتراك في الربوبية
كما قال جل وعلا: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ
فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ}.
فذكر أنواع الاشتراك في الربوبية؛
إما شركة مستقلة {لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} يعني استقلالاً أو معاونة،
أو اتخاذ ظهير ووزير لله جل وعلا،
وهذا، المعتقدات هذه موجودة في طوائف من هذه الأمة.
والإيمان بتوحيد الربوبية ونفي الشركة في الربوبية على درجتين:
الدرجة الأولى:
واجبة على كل مكلف، ومن لم يأتِ بها فليس بموحد، بل هو مشرك،
وهو ما ذكرنا من الاعتقاد بأن الله واحد في ربوبية، في أفعاله سبحانه، فهو الخالق وحده، وهو الرزاق وحده، وهو المحيي المميت وحده، وهو النافع الضار وحده جل وعلا، وهو مدبر الأمر وحده، وهو خالق الخلق وحده...إلى آخر أفراد ذلك. وهذه واجبة على كل أحد.
والمرتبة الثانية
من الإيمان بتوحيد الربوبية هي مرتبة للخاصة وأهل العلم، وهي شهود آثار الربوبية في خلق الله جل وعلا، ........[ وأن يشهد آثار الأسماء والصفات، وشهود آثار الأسماء والصفات هذا ليس نفياً للأسباب، بل هو جعل الأسباب أسباباً، وعدم مجاوزتها لكونها أسباباً، فيرى أن الفاعل هو الله جل وعلا، وأنه سبحانه أجرى الأسباب بجعلها أسباباً، وأنتج سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عنها مسبباتها، وأن العلل تنتج معلولاتها، وأن المؤثر تنتج الآثار إلى غير ذلك مما هو معلوم من اعتقاد أهل التوحيد].........ينظر لذلك في الملكوت متفكراً متدبراً،وهذه حال الخاصة، وهى مستحبة، وهي لأهل العلم ولأهل الإيمان،وليست واجبة على كل أحل، كما قال سبحانه: {إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُون َ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا}.
وكما وصف الله جل وعلا بعض عباده بالتفكر والنظر والتدبر في خلق الله جل وعلا،
بل أمر بذلك في بعض الآيات، كقوله: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ}،وكقوله: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا}،وكقوله جل وعلا: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا}.
فهذا التفكر في ربوبية الله جل وعلا في خلق الله يدل على توحيده في الربوبية، وهو حال الخاصة،
كما قال الحسن البصري رحمه الله تَعَالَى: عاملنا القلوب بالتفكر، فأورثها التذكر، فرجعنا بالتذكر على التفكر، وحركنا القلوب بهما، فإذا القلوب لها أسماع وأبصار، وهذه عند أهل البدع وأهل الكلام مطلوبة، وواجبة، لمن كان أهلاً لها، فيوجبون النظر ويوجبون التفكر، ولا يصح إيمان أحد عندهم.. عند طائفة منهم ممن كان أهلا للنظر إلا بالنظر، فلو مات المتأهل للنظر من غير نظر، لم يكن مؤمناً بربوبية الله جل وعلا، وإن كانت تجري عليه أحكام أهل الإسلام في الدنيا، فإنهم لا يجرون عليه أحكام أهل الإسلام في الآخرة على تفصيل مذهب أهل الكلام في ذلك.
النوع الثاني: أن يعتقد بأن الله لا شريك له في إلهيته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى،
والإلهية معناها العبادة، يعني لا شريك له في عبادته، كما دلت عليها كلمة التوحيد: لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
فيعتقد أن الله جل وعلا ليس معه إله يستحق العبادة،
وأن كل من ادعي فيه الإلهية وأنه يعبد فإنما عبد بالبغي والظلم والعدوان والتعدي،
وكل من أشرك بالله جل وعلا فهو ظالم،
أبشع الظلم وأكبر الظلم؛
لأنه سبحانه توعد أهل الشرك بالنار،
بل أوجب لهم النار في قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وكما قال المسيح عليه السلام {وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}،
ببيان هذا التوحيد وما يتصل به كتب توحيد العبادة المعروفة،
ومن أعظمها وأشملها كتاب التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تَعَالَى.
الثالث من أنواع نفي الشريك المشتمل عليه قوله: "لا شريك له"
نفي الشريك لله في الأسماء والصفات؛
وذلك بأن يعتقد أن الله جل وعلا لا شريك له في كيفية اتصافه بالصفات، يعني لا مماثل له سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا مشابه له في كيفية اتصافه بالصفات،وأنه سبحانه لا شريك له في المعنى المطلق لصفاته سبحانه ولأسمائه، ولا مشابه له في المعنى المطلق لأسمائه وصفاته، وأن اشتراك بعض خلقه معه سبحانه في الصفات إنما هو اشتراك في مطلق المعنى وفي أصله، لا في المعنى المطلق ولا في كماله، ولا في الكيفية، فيعتقد أنه لا شريك له في صفاته، ولا في أسمائه، ولا في أفعاله سبحانه، بل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}.
لأجل هذا المعنى العام عطف عليها المصنف بقوله: "ولا شيء مثله، ولا شيء يعجزه، ولا إله غيره" كما سيأتي تفصيل الكلام على هذه المسائل في ذكر معنى هذه الجمل الثلاث.
.... بقي أن نقول:
إن في قوله: "نقول في توحيد الله معتقدين بتوفيق الله: إن الله واحد لا شريك له"
إن هذه العبارة: "لا شريك له" تفسيرها على طريقة أهل السنة ذكرناها،
وأما أهل البدع فيقولون في تفسير: واحد ولا شريك له عبارات مختلفة، تجدونها في التفاسير،
ويكثر منها أهل البدع، فيقولون في تفسير:(واحد) واحدٌ في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا شريك له، وواحد في أفعاله لا ند له.
وفي قولهم في أولها: واحد في ذاته لا قسيم له هذه من التعبيرات المحدثة،
وإن كان يمكن أن تحتمل معنًى صحيحاً،
لكن التوحيد والأحدية تفسر بواحديته سبحانه، وأحديته في ربوبيته وإلهيته وفي أسمائه وصفاته،
وأهل البدع في التوحيد اختلفت عباراتهم، وسبب اختلاف عباراتهم في التوحيد؛
أنهم نظروا في تعريف التوحيد إلى حال النصارى وأهل الملل، ففسروا التوحيد بما يخالف ما عليه بعض الطوائف،
فقالوا: واحد في ذاته لا قسيم له، يعني نفيا للأقانين الثلاثة التي هي صور لله جل وعلا مختلفة، كما هو اعتقاد النصارى أو طائفة من النصارى،
وكذلك اعتقاد الثنوية، والذين يقولون:
إن ثم إلهين, هو إنه واحد، لكن له أقنونان، شيء للخير وشيء للشر، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى واحد في ذاته، وأسمائه وصفاته، واحد في ربوبيته وألوهيته، وأسمائه وصفاته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
.........................