والناس في الأسباب طرفان ووسط :
الأول : من ينكر الأسباب ، وهم كل من قال بنفي حكمة الله ، كالجبرية ، والأشعرية .
الثاني : من يغلو في إثبات الأسباب حتى يجعلوا ما ليس بسبب سبباً ، وهؤلاء هم عامة الخرافيين من الصوفية ونحوهم .
الثالثة : من يؤمن بالأسباب وتأثيراتها ، ولكنهم لا يثبتون من الأسباب إلا ما أثبته الله سبحانه ورسوله ، سواء كان سبباً شرعياً أو كونياً .
ولا شك أن هؤلاء هم الذين آمنوا بالله إيماناً حقيقياً ، وآمنوا بحكمته ، حيث ربطوا الأسباب بمسبباتها ، والعلل بمعلولاتها ، وهذا من تمام الحكمة .
( القول المفيد - ج1/164)
----
ولبس الحلقة ونحوها :
1- إن اعتقد لابسها أنها مؤثرة بنفسها دون الله ، فهو مشرك شركاً أكبر في توحيد الربوبية ، لأنه اعتقد أن مع الله خالقاً غيره .
2- وإن اعتقد أنها سبب ، ولكنه ليس مؤثراً بنفسه ، فهو مشرك شركاً أصغر لأنه لما اعتقد أن ما ليس بسب سبباً فقد شارك الله تعالى في الحكم لهذا الشيء بأنه سبب ، والله تعالى لم يجعله سبباً .
(ج1/165)
----
وطريق العلم بأن الشيء سبب :
1- إما عن طريق الشرع ، وذلك كالعسل (فيه شفاء للناس) [النحل: 69] ، وكقراءة القرآن فيها شفاء للناس ، قال الله تعالى: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) [الإسراء: 82] .
2- وإما عن طريق القدر ، كما إذا جربنا هذا الشيء فوجدناه نافعاً في هذا الألم أو المرض ، ولكن لا بد أن يكون أثره ظاهراً مباشراً ، كما لو اكتوى بالنار فبرئ بذلك مثلاً ، فهذا سبب ظاهر بين .
( القول المفيد - بن عثيمين - ج1/165)
قال الشيخ صالح ال الشيخ
القاعدة في هذا الباب: أن إثبات الأسباب المؤثرة وكون الشيء سببا: لا يجوز إلا من جهة الشرع - فلا يجوز إثبات سبب إلا أن يكون سببا شرعيا، أو أن يكون سببا قد ثبت بالتجربة الواقعة أنه يؤثر أثرا ظاهرا لا خفيا فمن لبس حلقة أو خيطا أو نحوهما لرفع البلاء أو دفعه فإنه يكون بذلك قد اتخذ سببا ليس مأذونا به شرعا، وكذلك من جهة التجربة : لا يحصل له ذلك على وجه الظهور وإنما هو مجرد اعتقاد من الملابس لذلك الشيء فيه، فقد يوافق القدر، فيُشفى مِن حِين لُبس أو بعد لبسه، أو يدفع عنه أشياء يعتقد أنها ستأتيه فيبقى قلبه معلقا بذلك الملبوس، ويظن بل يعتقد أنه سبب من الأسباب، وهذا باطل.
تنبيه: وهو أن كل أصناف الشرك الأصغر قد تكون شركا أكبر بحسب حال من فعلها.
من اعتقد في الحلقة والخيط مثلا أنها تؤثر بنفسها: فهذا شرك أكبر، وإذا اعتقد أنها ليست سببا لكن تؤثر بنفسها وتدفع الضرر بنفسها، فتدفع المرض بنفسها، وتدفع العين بنفسها، أو ترفع المرض بنفسها، أو ترفع العين بنفسها فإذا اعتقد أنها ليست أسبابا بل هي مؤثرة بنفسها: فقد وقع في الشرك الأكبر [التمهيد - صالح ال الشيخ]