توبة فتاة كانت لا تصلي
محمد بن عبد الله العبدلي
إن الناس في هذه الحياة كلهم بلا استثناء يطلبون السعادة وينشدونها، لكن البعض منهم من يسلك الطريق فيجدها، ومنهم من يضل الطريق فلا يوفق إليها، وهذا يحتاج إلى من يدله إلى سلوك هذه الطريق ليجد السعادة فيها.
فإلى كل من يطلب السعادة أقول: إن السعادة الحقيقية هي في طاعة الله تبارك وتعالى، والمحافظة على أوامره -تعالى-، قال الله- تبارك وتعالى -: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[سورة النحل: 97].
وإن الذي يعيش في هذه الحياة بعيداً عن طاعة الله- تبارك وتعالى - يتمتع في الشهوات فهو في شقاء وتعاسة، قال الله - تبارك وتعالى -: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [سورة طه: 124]، ولأخذ العبرة من قصص بعض التائبين نذكر قصة فتاة كانت غارقة في الشهوات، أعرضت عن عبادة الله وتكاسلت عن الصلاة، رغم تذكير أختها لها بالله- تبارك وتعالى -ونصحها لها، ثم شاء الله- تبارك وتعالى - لها الهداية لتجد السعادة والراحة والطمأنينة في حياة الطاعة والالتزام، وبدون مقدمات أترككم مع صاحبة القصة تروي قصتها بنفسها فتقول: بدت أختي شاحبة الوجه، نحيلة الجسم، لكنها كعادتها تقرأ القرآن الكريم، تبحث عن أختها تجدها في مصلاها، راكعة، ساجدة، رافعه يديها إلى السماء، هكذا حالها صباحاً ومساءً، وفي جوف الليل لا تفتر، ولا تمل، تقول عن نفسها:
كنت أحرص على قراءة المجلات الفنية، والكتب ذات الطابع القصصي، أُشاهد الفيديو، والتلفاز بكثرة لدرجة أنني عُرفت به، ومَنْ أكثر من شيء عُرف به، لا أؤدي واجباتي كاملة، ولست منضبطة في صلواتي، بعد ثلاث ساعات متواصلة -تقول الفتاه- أغلقت التلفاز، وها هو الأذان يرتفع من المسجد المجاور، عدت إلى فراشي، فإذا بأختي تناديني من مصلاها.
قلت: نعم ماذا تريدين يا نورا؟!
قالت لي بنبرة حادة: لا تنامي قبل أن تصلي الفجر.
قلت: أوووه، باقي ساعة على صلاة الفجر، والذي سمعتيه كان الأذان الأول.
نادتني بنبرة حنونة: هكذا هي حتى قبل أن يصيبها المرض الخبيث، وتسقط طريحة الفراش..
قالت: تعالي بجانبي يا هناء، وكنت لا أستطيع إطلاقاً رد طلبها، كم تشعر بصفائها وصدقها.
قلت لها: ماذا تريدين؟
قالت: اجلسي.
قلت: ها قد جلست، ماذا لديك؟
فقرأت بصوت عذب رخيم: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)[سورة آل عمران: 185]، سكتت برهة، ثم سألتني: ألم تؤمني بالموت؟!!
قلت: بلى، ولكن الله غفور رحيم.
قالت: ألم تؤمني بأنك ستحاسبين على كل صغيرة وكبيرة؟!.
قلت: بلى، ولكن الله غفور رحيم، والعمر طويل.
قالت: ألا تخافين أخيه من الموت بغتة؟!، أليست هند أصغر منك وقد توفيت في حادث سيارة، وفلانة، وفلانة، أخيه الموت لا يعرف عمراً، وليس له مقياس، أجمع أهل العلم على أنَّ الموت ليس له سبب معين، ولا وقت معين، يأتي (بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ)[سورة الشعراء: 202].
أجبتها: إني أخاف من الظلام، ولقد أخفتيني من الموت، كيف أنام الآن؟!.
كنت أظن أنك ستقولين أنك وافقت على السفر معنا في هذه الإجازة، فقالت بصوت متحشرج اهتزَّ له قلبي: لعلي هذه السنة أسافر سفراً بعيداً، لعلي هذه السنة أسافر سفراً بعيداً، أسافر إلى مكان آخر!!، ربما يا هناء.. سكتت ثم قالت: الأعمار بيد الله، وأخذنا نبكي سوياً، تفكرت في مرضها الخبيث، وأنَّ الأطباء أخبروا أبي سراً أنَّ المرض ربما لن يمهلها طويلاً، ولكن من أخبرها بذلك، أم أنها تتوقع هذا الشيء.
قالت لي: ما لك تفكرين، هل تعتقدين أنني أقول هذا لأنني مريضه!، كلا، ربما أكون أطول عمراً من الأصحاء، فرُبَّ صحيح مات بغير علة ورُبَّ سقيم عاش حيناً من الدهر، وأنت!! وأنت إلى متى ستعيشين؟!!.
ربما عشرين سنه، ربما أكثر، ثم ماذا؟!!
لا فرق بيننا، الكل سيرحل، وسنغادر هذه الدنيا، إما إلى جنة، أو إلى نار، ألم تسمعي قول الواحد القهار: (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)، تصبحين على خير، هرولت مسرعه وصوتها يطرق أذني:
هداك الله، لا تنسي الصلاة، في الثامنة صباحاً، أسمع طرقاً على الباب، هذا ليس موعد استيقاظي!!..
أسمع صوت بكاء، وأصوات، يا إلهي ماذا جرى؟!!..
قالوا لي: لقد تردت حالة نورا، وذهب بها أبي إلى المستشفى.
قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون لا سفر هذه السنة، مكتوب علينا البقاء هذه السنة في بيتنا بعد انتظار طويل، في الواحدة ظهراً هاتفنا أبي من المستشفى قائلاً: تستطيعون زيارتها الآن هيا بسرعة، انطلقنا إلى المستشفى، وأمي تدعو لها، إنها بنت صالحه، مطيعة لم أرها تضيع وقتها أبداً، دخلنا المستشفى، مناظر عجيبة، هذا يتأوه..، وهذا يتألم، وهذا يصيح، وثالث لا تدري هل هو من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة؟!!.
لا يعرف قيمة الصحة إلا من فقدها، صعدنا درجات السلم، كانت في غرفة العناية المركزة، أخبرتنا الممرضة أنها في تحسن بعد الغيبوبة التي حصلت لها، لم يسمحوا إلا بدخول شخص واحد فقط، دخلت أمي، ووقفت أنظر من نافذة الغرفة الصغيرة، وأنا أرى عينيها وهي تنظر إلى أمي واقفة بجوارها، خرجت أمي، لم تستطع إخفاء دموعها.
سمحوا لي بالدخول والسلام عليها على أن لا أمكث طويلاً فحالتها لا تسمح، دخلت، قلت: كيف حالك يا نورا؟!، لقد كنت بخير مساء البارحة، ماذا جرى لك!!..
أجابتني بعد أن ضغطت على يدي: وأنا الآن ولله الحمد بخير.
قلت: الحمد لله، لكن يدك باردة!..
وكنت جالسة على حافة السرير، ولامست يدي ساقها..
يتبع