الخلاصة أنه ثابت مرفوعا وموقوفا إلا أن الموقوف في حديث أبي هريرة كما ذكر الدارقطني وله شواهد أخرى.
وفائدة: قد فاتته متابعة أخرى وردت موقوفا على أبي هريرة ذكرها أبو القاسم الحنائي في الثاني من فوائده [9]، معلقا من حديث الشعبي عن المحرر بن أبي هريرة عن أبيه موقوفا.
وإعلال حديث سهيل فيه نظر بهذه الطريقة إذ الراوي عنه الإمام مالك كما في صحيح مسلم وهو لا يروي إلا عن ثقة، وأما متنه فلا مانع من أن يكون بالمعنى وتؤيده الآية: {والعمل الصالح يرفعه}.
وأكرر أنه ليس من كلام كعب في شيء ومحاول التصور بالاستدلال بالمعنى المجمل فيه نظر؛ لأنه ليس هناك إلا رواية واحدة مسلسلة بالمصريين تضطرب في متنها غير محفوظة فلو تلاحظ ما هو معلم بالأحمر:
قال ابن وهب: َسَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ وَكَعْبًا الْتَقَيَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إِنِّي لَأَعْرِفُ لَيْلَةً فِي السَّنَةِ نَزَلَ اللَّهُ فِيهَا إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: الْيَوْمَ أَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَأُمْلِي لِلْكَافِرِينَ وَأَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ حَتَّى يَخْلُوَ حِقْدُهُمْ وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ هُنَّ كُلُّ لَيْلَةٍ.وقال ابن وهب: وَأَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَشِيطٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ كَعْبًا وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَّامٍ قَالَ أَحَدُهُمَا: إِنَّ الرَّبَّ يَطَّلِعُ عَلَى الْعِبَادِ كُلَّ لَيْلَةِ قَدْرٍ وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ لَيْلَةُ الْخَمِيسِ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ حَتَّى يَنْحَلَّ حِقْدُهُمْ. ه
قلتُ: انظر إلى ما تحته خط، وهذا الاختلاف في القائل المتصدر يبطل من زعم أنه يقصد حديثا واحدا بل هما أثران مختلفان تماما.
فكأن القأئل المتصدر يترك الأخر يصحح له فيغير القول فيتغير الرد وكأنه القائل المتصدر يريد أن يبهم له.
ولنبين أكثر:
- فالأثر الأول جزاؤه: (الْيَوْمَ أَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَأُمْلِي لِلْكَافِرِينَ وَأَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ حَتَّى يَخْلُوَ حِقْدُهُمْ) يصقد حديث ليلة النصف من شعبان حديث أبي ثعلبة الخشني مرفوعا:
" إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَطْلُعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي كُلِّ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَيُمْلِي الْكَافِرِينَ،و َيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ ". اهـ، أخرجه الدارقطني في النزول وهو حديث مضطرب منكر كما ذكر الدارقطني.
والظاهر لي أن ابن وهب لم يحفظها عن عمرو بن الحارث أو رواها على سبيل الاستعجال فلم ينشط ولم يضبطها.
- أما الأثر الأخر فجزاوه: (بَلْ لَيْلَةُ الْخَمِيسِ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُمْلِي لِلْكَافِرِينَ وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ حَتَّى يَنْحَلَّ حِقْدُهُمْ)، نفس جزاء الأثر الأول، لكن في سياق: (إِنَّ الرَّبَّ يَطَّلِعُ عَلَى الْعِبَادِ ).
وهو ما لم يذكر في رواية أبي هريرة ولا في طرق روايات العرض، إنما ذكر فقط في حديث أبي ثعلبة " إِنَّ اللَّهَ عز وجل يَطْلُعُ عَلَى عِبَادِهِ ... إلخ". اهـ.
- أما ما ورد في حديث حبيب بن أبي فضَالة قَالَ: حَدثنِي رجل من أهل الْكُوفَة وفي آخره فَقَالَ كَعْب:
" عَمَّتك أفقه مِنْك إِن أَعمال بني آدم تعرض كل جُمُعَة مرَّتَيْنِ يَوْم الِاثْنَيْنِ وَيَوْم الْخَمِيس فَمَا رفع مِنْهَا على يَقِين وصلَة رحم تقبل وَمَا رفع مِنْهَا على بغي وَقَطِيعَة رحم أرجئ وَمَا رفع مِنْهَا على سوى ذَلِك بار ". ه.
أولا هذا منكر، لمخالفته رواية محارب بن دثار الأوثق، ثانيا أن هذا اللفظ إنما ورد فقط في حديث ابن مسعود مرفوعا:
" تُرْفَعُ أَعْمَالُ بَنِي آدَمَ فَتُعْرَضُ عَلَى اللَّهِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ، فَيَنْظُرُ فِيهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَيَوْمَ الاثْنَيْنِ فَيَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِر ِينَ وَيَرْحَمُ الْمُتَرَاحِمِي نَ، وَيَتْرُكُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِغِلِّهِمْ ". اهـ، وقد روي موقوفا.
وهذا الحديث منكر.
فكما بينا أنه ما ورد عن كعب فهو مأخوذ من أحاديث منكرة لا تمت بأي صلة بالحديث الذي بين أيدينا.
قلتُ: ويقويه حديث ابن مسعود الموقوف وهو ثابت من روايتين وإن كان بهما انقطاع إلا أنهما من أعلم الناس بحديث ابن مسعود ومن أكثر الوسائط بينهما نقاوة وصحة.
وإن لم يقيد في الأثر بالأيام لكن يتلمس فيه أنه يذكر أنه كان يجالس كل خميس.
والله أعلم.
البحث في نسخة pdf
نسخة مزيدة
وأشكر إخواني المشاركين في الموضوع فقد استفدت من جميع مشاركتهم
اشكرهم جميعا ..
وهذا رابط البحث:
noor-book.com/k1fwlq