أمنا الغالية (قصة قصيرة)


زبيدة هرماس


أنتَ لن تتحمل - يا زوجي العزيز - تلك العزلةَ القاتلة في ذلك الكهف المُقفر.

تلعثم وقال:
لماذا؟ قلت لك إنني هذه السنة تحديداً.. اخترت قضاء نصف إجازتي في ذلك الغار، ألا تذكرين؟ لقد وفرت لكِ كلّ شيء، انظري (يفتح النافذة) البحر أمامك بسكونه الساحر، السماء تلفُّ الإقامة، ولا أحد يعكر صفو تأملاتك، ما الذي يضايقك في خلوتي؟

- أمكَ تتأوه كل النهار، وتتمنى أن تلحق بك، لست أفهمُ أيّة عائلة أنتم؟ لست أفهم...

- متى تفهمين - يا عزيزتي - أنني خططت لقضاء جزء من إجازتي في ذلك الغار على جانب الشاطئ، أحببت أن أتبتَّلَ وأقتديَ بنبيِّنا الكريم الذي أحبَّ الخلوة بربه في غارٍ بعيدٍ عن مكة... لكَم راودني هذا الحلم، ولكنّ رنات هاتفكِ تقطع علي ذلك السكون الفريد.

- أنت لن تتحمل.

قاطعها غاضباً:
سوسن، أرجوك.. أنا أدرى بنفسي.

ردَّت مقاطِعةً - وهي تلف أوراق مجلة نسائية تحوي صوراً لمشاهير الفن والموضة -:
حسناً، لقد وضعتُ في حقيبتك المبيداتِ السامَّةَ، وأدوية الإسعافات؟ لا ريب أن المكان مليء بالعقارب.

أطرق مهدي رأسَه، وأدار طرف قبعته، واتجه نحو النافذة، وقال:
إنني أطلُّ على الأولاد أحياناً وهم يلعبون في الشاطئ، لماذا لا تصحبينهم؟

لا حاجة لي في هذا المكان، عرس أختي قريبٌ وأُحب أن ألحق بها لنرتب معاً فقراتِ الاحتفالات.

كان مهدي يعلم جيداً أن زوجته تسبح في وادٍ بعيدٍ عن المجرى الذي يغرف منه، ويعلم جيداً أنها ضيّعت عليه الكثيرَ من المحطات الغالية في حياته، و استدرجته إلى خرق العديد من صفقاتِ عمره، وهو رجل الأعمال الناجح الذي يتمنى أن ينجح في إدارة بيته كما فعل في شركاته.

شعر بالإحباط يسيطرُ عليه، وتوجه نحو الأريكة واستلقى عليها قليلاً، شعرَ بنومٍ خفيفٍ يسكن غيظَه، كانت شفتاه تهمسان بتثاقل:
رضيَ اللهُ عنكِ يا أُمَّنا خديجة..
رضي الله عنكِ يا أُمَّنا الغالية.