ورد في الجامع لمعمر بن راشد (10/392) برقم [19462] قال: عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ:
(حَلَبَ يَهُودِيٌّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعْجَةً، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ جَمِّلْهُ» ، فَاسْوَدَّ شَعْرُهُ حَتَّى صَارَ أَشَدَّ سَوَادًا مِنْ كَذَا وَكَذَا قَالَ مَعْمَرٌ: «وَسَمِعْتُ غَيْرَ قَتَادَةَ يَذْكُرُ أَنَّهُ عَاشَ نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً لَمْ يَشِبْ»). اهـ.
أخرجه عنه عبد الرزاق في مصنفه برقم (19462)، ومن طريقه البيهقي في دلائل النبوة (6/ 210)، وذكره الذهبي في تاريخ الإسلام (1/242) وفي سير الأعلام (2/216)، والسيوطي في الخصائص (2/140).
وأخرجه ابن أبي أشيبة في مصنفه (6/105) مختصرًا، ومن طريقه وطريق أحمد بن منيع أخرجه أبو داود في المراسيل (ص: 339) - مختصرًا -كلاهما قالا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُبَارَكٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فذكره.
وهذا مرسل من حديث قتادة وهو من أضعف المراسيل كما ذكر الوادعي، إضافة إلى أن حديث معمر عن البصريين - وقتادة بصري - فيه أغاليط، قال أبو حاتم الرازي: "ما حدث بالبصرة فيه أغاليط". اهـ.
وقال الذهبي: "وَيُرْوَى نَحْوُهُ عَنْ ثُمَامَةَ ، عَنْ أَنَسٍ". اهـ.
قلت: وهذا صيغة التمريض التي توحي بضعفه، وهو ما أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (ص: 250) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ يَحْيَى بْنِ نَصْرٍ،
حَدَّثَنَا الْخَلِيلُ بْنُ عَمْرٍو الْبَغَوِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "حَلَبَ رَجُلٌ للرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ جَمِّلْهُ» ، فَاسْوَدَّ شَعْرُهُ". اهـ.
قلتُ: وليس فيه ذكر اليهودي، ومع ذلك فإن إسناده شاذ، فإن الخليل بن عمرو البغوي قد قام بمخالفة الثقات الكبار وهما ابن أبي شيبة المصنف وأحمد بن منيع إضافة إلى أنه قد وافق عبد الرزاق مع ابن المبارك في الإرسال.
قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب (3 / 169) : "وذكره أبو على الجيانى فى " شيوخ أبى داود "، وقال : و روى عنه فى " كتاب الزهد " .اهــ، قلتُ: ومع ذلك لم يروها عنه أبو داود فالإرسال هو الأصحُّ.
قلتُ: وجعله البيهقي شاهدًا لحديثٍ ءاخر عن أنسٍ رضي الله عنه، أخرجه في دلائل النبوة (6/210) فقال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ابن جَعْفَرٍ الرُّصَافِيُّ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ فَضَالَةَ الْمِصْرِيُّ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمِنْقَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ ، مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ:
(أَنَّ يَهُودِيًّا أَخَذَ مِنْ لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ جَمِّلْهُ، فَاسْوَدَّتْ لحيته بعد ما كَانَتْ بَيْضَاءَ). اهـ.
وهذا حديثٌ منكر، أنكره الذهبي في الميزان [7109]، وفي ذيل ديوان الضعفاء [350]، ووافقه الحافظ ابن حجر في اللسان (6/473) قالا:
"محمد بن إبراهيم بن عزرة الأنصاري البصري: روى عنه محمد بن سليمان المنقري حديثاً منكراً". اهـ.
قلتُ: وفيه علل منها:
- جهالة شيخ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري وهو أبو الحسين علي الرصافي.
- وجهالة محمد بن سليمان المنقري، وشيخه محمد بن إبراهيم بن عزرة أيضًا مجهول.
قلتُ: وقد خولف فأخرجه الإمام أحمد وغيره في مسنده (34/333) فقال: حدثنا حرمي بن عمارة، حدثنا عزرة بن ثابت الأنصاري، حدثنا علباء بن أحمر، حدثنا أبو زيد الأنصاري، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" ادن مني "، قال: فمسح بيده على رأسه، ولحيته، قال: ثم قال: " اللهم جمله، وأدم جماله "، قال: " فلقد بلغ بضعا، ومائة سنة وما في رأسه ولحيته بياض، إلا نبذ يسير، ولقد كان منبسط الوجه، ولم ينقبض وجهه حتى مات ". اهـ.
قال محققه شعيب الأرناؤوط: "إسناده قوي على شرط مسلم. عزرة الأنصاري: هو ابن ثابت بن أبي زيد عمرو بن أخطب". اهـ.
وله طرق أخرى منها: رواه أحمد من طريق أبي نهيك عثمان بن نهيك، عن أبي زيد الأنصاري (5/340). اهـ.
وهذا ليس فيه اليهودي بل الصحابي أبو زيد عمرو بن الأخطب ضي الله عنه.
وأما ما أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (ص: 253) قال: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ قُرَيْشٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
"اسْتَسْقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَسَقَاهُ يَهُودِيٌّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَمَّلَكَ [الله]» . فَمَا رَأَى الشَّيْبَ حَتَّى مَاتَ". اهـ.
فهذا إسناد موضوع، فيه عبد الرحمن بن قريش الهروي، قال عنه الذهبي في الميزان (2/582) : "اتهمه السليماني بوضع الحديث"، وقال الدَّارَقُطْنِي ّ: "متأخر، له أحاديث غرائب". اهـ. «المؤتلف والمختلف» (4/ 1879).
وقال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (10/281) : "وفي حديثه غرائب وأفراد، ولم أسمع فيه إلا خيرًا"، اهـ.
وقال ابن أبي حاتم تبعا للبخاري: "عبد الرحمن بن نعيم الأزدي الأعرج"، قال: وسألت أبا زرعة عنه فقال: "كوفي لا أعرفه إلا في حديث واحد، عَنِ ابن عمر".
وقال أبو حاتم: "روى عن ابن عمر. روى عنه طلحة بن مصرف". اهـ.
وهناك علة أخرى سلمة بن وردان قال عنه أحمد بن حنبل: "منكر الحديث ليس بشيء ، ضعيف الحديث". اهـ.
وعلى ذلك فلا يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لليهودي بالجمال.
والله أعلم.