ذكر الحميدي في جذوة المقتبس ص161 في ترجمة ابو عمر أحمد بن محمد بن سعدى.
عن أبا عبد الله محمد بن الفرج ابن عبد الله الولي الأنصاري يقول: سمعت أبا محمد عبد الله بن أبي زيد يسئل أبا عمر أحمد بن محمد بن سعدي المالكي عند وصوله إلى القيروان من ديار المشرق، وكان أبو عمر دخل ببغداذ في حياة أبي بكر محمد بن عبد الله بن صالح الأبهري، فقال له يوماً: هل حضرت مجالس أهل الكلام؟ فقال بلى. حضرتهم مرتين، ثم تركت مجالسهم ولم أعد إليها. فقال له أبو محمد: ولم؟ فقال: أما أول مجلس حضرته فرأيت مجلساً قد جمع الفرق كلها؛ المسلمين من أهل السنة والبدعة، والكفار من المجوس، والدهرية، والزنادقة، واليهود، والنصارى، وسائر أجناس الكفر، ولكل فرقة رئيس يتكلم على مذهبه، ويجادل عنه، فإذا جاء رئيس من أي فرقه كان، قامت الجماعة إليه قياماً على أقدامهم حتى يجلس فيجلسون بجلوسه، فإذا غص المجلس بأهله، ورأو أنه لم يبق لهم أحد ينتظرونه، قال قائل من الكفار: قد اجتمعتم للمناظرة، فلا يحتج علينا المسلمون بكتابهم، ولا يقول نبيهم، فإنا لا نصدق بذلك ولا نقر به، وإنما نتناظر بحجج العقل، وما يحتمله النظر والقياس، فيقولون: نعم لك ذلك. قال أبو عمر: فلما سمعت ذلك لم أعد إلى ذلك المجلس، ثم قيل لي ثم مجلس آخر للكلام، فذهبت إليه، فوجدتهم على مثل سيرة أصحابهم سواء، فقطعت مجالس أهل الكلام، فلم أعد إليها.
فقال أبو محمد بن أبي زيد: ورضى المسلمون بهذا من الفعل والقول؟ قال أبو عمر: هذا الذي شاهدت منهم، فجعل أبو محمد يتعجب من ذلك، وقال: ذهب العلماء، وذهبت حرمة الإسلام وحقوقه، وكيف يبيح المسلمون المناظرة بين المسلمين وبين الكفار؟ وهذا لا يجوز أن يفعل لأهل البدع الذين هم مسلمون ويقرون بالإسلام، وبمحمد عليه السلام، وإنما يدعى من كان على بدعة من منتحلى الإسلام إلى الرجوع إلى السنة والجماعة، فإن رجع قبل منه، وإن أبى ضربت عنقه؛ وأما الكفار فإنما يدعون إلى الإسلام، فإن قبلوا كف عنهم، وإن أبو وبذلوا الجزية في موضع يجوز قبولها كف عنهم، وقبل منهم، وأما أن يناظروا على أن لا يحتج عليهم بكتابنا، ولا بنبينا، فهذا لا يجوز؛ ف " إنا لله وإنا إليه راجعون ".