حديث «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل»
يقول الدكتور خالد الدريس في كتابه "موقف الإمامين البخاري ومسلم من اشتراط اللقيا والسماع في السند المعنعن بين المتعاصرين" (ص416): "هذا الحديث أخرجه مسلم في "صحيحه" من طريق أبي عوانة عن أبي بشر - جعفر بن أبي وحشية - عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ("أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل").
ثم ذكر له متابعة من طريق جرير بن عبد الحميد وزائدة بن قدامة عن عبد الملك بن عمير عن محمد بن المنتشر عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عنه يرفعه بلفظ: (سئل: أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ وأي الصيام أفضل بعد شهر رمضان؟ فقال: "أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل، وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم")
فيكون رواه عن حميد بن عبد الرحمن اثنان هما محمد بن المنتشر، وأبوبشر، ورواية أبي بشر وقع فيها خلاف، إذ خالف شعبة بن الحجاج أبا عوانة فروى هذا الحديث عن أبي بشر عن حميد بن عبد الرحمن عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأرسل الحديث، ورجح النسائي والدارقطني رواية شعبة المرسلة.
وأما أبوحاتم الرازي ، ومسلم فقد رجحا الرواية الأخرى التي فيها ذكر أبي هريرة، وظاهر صنيع مسلم أنه يرجح ذلك بسبب أن المخالف لشعبة وهو أبوعوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري ثقة متقن، ولأن الحديث جاء من غير طريق أبي بشر الذي وقع فيه الخلاف على الاستواء من غير إرسال وذلك في رواية عبد الملك بن عمير التي رواها عن محمد بن المنتشر عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة مرفوعًا.
ولكن حتى ما رواه عبد الملك بن عمير اختلف عليه فيه فقد روى عبيد الله بن عمر الرقي عن عبد الملك بن عمير عن جندب سفيان البجلي قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ("أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر تدعونه المحرم") .
إلا أن أبا زرعة الرازي صحح رواية جرير وزائدة السابقة عن عبد الملك بن عمير عن محمد بن المنتشر عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة مرفوعًا، وهي رواية الأكثر.
ولشطر الحديث المتعلق بفضل صلاة الليل شواهد كثيرة ، ولكن كون صلاة الليل هي أفضل الصلاة بعد المكتوبة فلم أجد لذلك شاهدًا صريحًا صحيحًا، ولكن هناك بعض الأحاديث الصحيحة التي فيها إيماء إلى ذلك مثل حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ("أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، ويصوم يومًا ويفطر يومًا). ولاشك أن المقصود صلاة النافلة لا المكتوبة وفي النص إثبات أن صلاة الليل بالصفة الواردة أحب الصلوات النافلة إلى الله وهذا يقتضي الأفضلية.
وفي حديث آخر لعمرو بن عنبسة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ("أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن") .
وكذلك الأحاديث المتواترة في نزول الرب تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الآخر ذلك يقتضي أن أفضل الصلوات النافلة هي صلاة الليل.
وأما الشطر الآخر من الحديث والمتعلق بأن أفضل الصيام بعد رمضان شهر المحرم؛ فلم أجد له شاهدًا قويًا، وإنما ورد في حديث واه أخرجه الترمذي من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (سأله رجل فقال: أي شهر تأمرني أصوم بعد شهر رمضان؟ قال له: ما سمعت أحدًا يسأل عن هذا إلا رجلاً سمعته يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا قاعد، فقال: يا رسول الله أي شهر تأمرني أصوم بعد شهر رمضان؟ قال: "إن كنت صائمًا بعد شهر رمضان، فصم المحرم فإنه شهر الله، فيه يوم تاب فيه على قوم، ويتوب فيه على قوم آخرين) .
وسند هذا الحديث فيه ثلاث علل:
الأولى: أن عبد الرحمن بن إسحاق بن سعد أبو شيبة الكوفي ضعفه ابن معين، وأحمد بن حنبل، وابن سعد، ويعقوب بن سفيان، وأبو داود، والبخاري، وأبو زرعة الرازي، وأبو حاتم الرازي، والنسائي، وابن حبان، والبزار، وابن عدي، والساجي، والعقيلي ، وقد قال الإمام أحمد: (ليس بذاك، وهو الذي يحدث عن النعمان بن سعد أحاديث مناكير).
الثانية: أن النعمان بن سعد. قال فيه البخاري: (لم يرو عنه إلا عبد الرحمن بن إسحاق) ، وكذا قال أبو حاتم الرازي أيضًا ، وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات" ، وقال ابن حجر: (والراوي عنه ضعيف كما تقدم فلا يحتج بخبره).
الثالثة: لا يعلم هل أدرك النعمان بن سعد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أم لا؟ وهذه علة على رأي البخاري ومسلم مع اختلاف مذهبهما في السند المعنعن.
فهذا السند يعتبر ضعيفًا جدًا ... وهذا الحديث وإن كان في صحيح مسلم إلا أنه من الأحاديث المنتقدة على مسلم، فقد ذكره الدارقطني في كتابه "التتبع" ، فلا يكون من أحاديث صحيح مسلم التي تلقتها الأمة بالقبول، كما قال ابن الصلاح." انتهى.
وقال المعلمي عن حديث حميد الحميري الذي أخرجه مسلم: "وفي الحديث نظرٌ من وجوه:
الأول: ما ذكره مسلم من أنه لا يعلم لـ "حميد الحميري" لقاءٌ لأبي هريرة.
الثاني: ما سمعتَ من الاختلاف.
والثالث: أنه لا يُتابَعُ عن أبي هريرة، ولا عن جُندب، مع ما لأبي هريرة من الأصحاب الحفاظ المكثرين.
الرابع: أنه بالنسبة إلى الصوم ليس له شاهدٌ - فيما أعلم- إلاَّ ما رواه الترمذي من طريق عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد عن علي، وقال الترمذي: "حسن غريب".
وعبد الرحمن بن إسحاق هو: ابن شيبةَ الواسطيَّ، قال أحمد: ويحيى: "ليس بشيء"، وقال أحمد وغيره: "منكر الحديث"، وقال مرة: "ليس بذاك، وهو الذي يُحدّثُ عن النعمان بن سعد أحاديث مناكير"، وضعَّفه غيرهم أيضًا.
والنعمان بن سعدٍ تفرَّد عنه عبد الرحمن بن إسحاق، فيما قال أبو حاتم، وكذا قال البخاري (4/ 3/ 77)، كما ثبت في بعض نسخ "التاريخ". قال ابن حجر في "التهذيب": "والراوي عنه ضعيف فلا يحتجُّ بخبره".
أقول: وذكره ابن حبان في "الثقات" والثقة عنده: مَن روى عن ثقة، وروى عنه ثقة، ولم يروِ منكرًا. وهذا الشرط مع تساهله مفقودٌ هنا؛ لأنّ الراوي عنه غير ثقة، وروى عنه المناكير، كما مرَّ.
الخامسُ: أن الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يكن يصومُ شهرًا كاملًا إلا أنه كان يكثرُ الصيامَ في شعبان، والله أعلم."
انظر "اثار الشيخ المعلمي" (125/15).
فما توجيه هذا النقد من كل من الدكتور خالد الدريس ، والشيخ المعلمي ؟؟