موعظةُ الفَسِيلة.. والإنماءُ الاجتماعي ...!
حمزة بن فايع الفتحي
• إذا أحسست َبالكسل، وطوتكَ الهمومُ، وخالطتكَ البلايا من كل جهة، واستولى الشيطان على عزيمتك، فاستنهِضْ العزمَ "بحديث الفسيلة" ، وموعظة الجد، وحكمةِ التحرك، وترياق العطاء... إذا كنتَ مجهودًا من الهمّ والضَّنى... تذكر حديثاً للفسيلةِ مُبهرا ../ ففيه من البعد الجميل مدارسٌ...وفيه مزاميرٌ ومعنى تبخترا....!
• حتى لو عمّ الفساد، وكثُرت الجراح، وتضخمَ التكاسل، واستحوذَ الإحباط ... فثمة كنزٌ ينتظرك، وحدائقُ ذات بهجة لإسعادك ... يقول صلى الله عليه وسلم كما في المسند عن أنس رضي الله عنه بسند صحيح ( «إنْ قَامَتِ السَّاعَةُ، وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ-صغار النخل- فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَ» لْ ).
• افعل واغرسْ، وعش أملًا ، وإنماءً اجتماعيًا بقوة الخير، وتلذذ بصورة الإسلام الجمالية، في صورةٍ عزيزةِ النظائر، قليلة الأشباه..!
• وتذكّر مؤمنًا كئيبًا ، وهو في غَمرة الخطر، وشدةِ الكرب، ومداهمة الزلزلة، يشع النور، ويبذر الغرس، ويصنع الأمل والنماء، وأن الحركةَ محمودةٌ، واليأسَ مذموم، والثوابَ مذخور ...!
• وفِي هذه الموعظة النبوية : حكمةٌ ذهبية ، وموعظة حيوية ، حافزةٌ باعثة ، حريٌّ بمن وعاها التخلقُ بها ، واستلهامُها في كل الخطوط والمجالات .
• ففيها : الحضُّ على العمل في أحلكِ الظروف، وأن الإسلامَ دين ودنيا، وهذا ضربةٌ قاصمة للفكر العَلماني، الذي يقلّل من الشأن الديني في البناء المدني ، والتطور الحضاري...! ويحاولُ الفصل بين الدنيا والآخرة، ولو فقِهوا الإسلام ، وقرؤوه حق قراءته لما فاهُوا بضلالة ، أو تخرّصوا ببدعةٍ وغواية ...!
• وليُعلم أن الغرسَ الدنيوي يُحسنه كلُّ إنسان، ذكر وأنثى ، صغير وكبير، عالم وجاهل..! فليس لأحدٍ عذرٌ في هجرانِ المشاركة، ولو بغرسٍ صغير، أو نبتةٍ هزيلة، أو فسيلة متهالكة، فالغرسُ بناء، وفيه إيمانٌ وتوكل، وعمل وإنتاج ، وفعلٌ وانتظار ..!
• وهو مع مرور الأوقات يتطلب سَقياً ورَيّا ، ومتابعةٌ وحماية، وترقبٌ واستصلاح ، وإلا فإنّ الزرعَ سيموت، والنباتَ سيذبل ، والغراسَ سيضيع ويتهالك...!
• وفِي الموعظة : نافذةٌ لاستغلال الفرص، وانتهاز المغانم ، فاليومَ فسيلة، وغدًا بلا حيلة ، وفِي هذه الساعة صحة والتي تليها سقمٌ واختلاف ، فالمؤمن لا يأمنُ تغير الدهور، وطروءَ العواصف ..!
• وفيها : تغليبُ مصلحة العمل الأخروي على الذهول الدنيوي، وأن حسنةً تفوق المخاطر، واكتسابُ ثواب أعلا وأجل من كل خطر ، واستعداد ، وانشغال...!
• ونحمدُ الله أن هذا المعنى حاضر عند نسب غير قليلة في المسلمين ، ولكن يعكّرُ عليها فسْلٌ اجتماعي يدعو للراحة، ويحبذ الكسل، ويروج للتفاهة والفهاهة..!! فينتج جيل مهين ، غير قادر على العطاء، أو يبتدئ الطريق وينكص عن استكماله، وهما آفتان مشهورتان ، قال المتنبي : ولَم أرَ في عيوب الناس عيبًا...كنقصِ القادرين على التمامِ...!
• فسترى في الحياةِ قاعدين، ومثبطين ، ومنتقصين ، وعازفين، يلُمهم الفسلُ والفشل اجتماعيا وتفاعليًا ، والله المستعان .
• وهذه الفسولُ الاجتماعية غالبا تلقاها معظِّمة للكفار، مزهدةً في إنتاجية أهل الإسلام، وتُعرفُ بالتقاعس وضعفِ الرأي والإفادة...!
• فهذا الصنف قليلُ العمل، وناقدٌ للفاعلية، ومُشيع للسلبية ، ودَّ لو أوقفَ عجلةَ العمل والإنتاج ، واكتفى بالعيش الاستمتاعي الشخصي ، ومن منتجات الآخرين ، وصناعات الغرب والشرق ...!
• وفِي الحديث: أن عملَ الآخرة أجلُّ وأحسن عاقبةً من عمل الدنيا، لأنها الدارُ الباقية، والمصيرُ المحتوم، والمنزل الباقي ( {والآخرةُ خيرٌ وأبقى} ) [سورة الأعلى] .
• وفيه : أن العواصفَ والانهيارات لا تحولُ دون التفاؤل والعمل، والآثار الإيجابية ، فربَّ عملٍ أحدثَ خيرا، وربّ إنتاجٍ صنع صرحًا وقلاعا وبروجا .
• وفِي الموعظة : موعظةٌ للقلب بالمبادرة والتحرك، ونبذ النوم والهدوء والارتياح، وأن من آثرَ الراحة فاتته الراحة، ومن خلد للمنام، تكاثرت عليه الأوهام ...! تريدين لقيانَ المعالي رخيصةً... ولابدَّ دون الشهد من إبرِ النحلِ..!
• وفِي الموعظة : عدم احتقار العمل اليسير ولو (فسيلة) ، والتنبيه بالأصغر على الأكبر، وأن المبادرةَ بالصغير تهييج إلى استغلال الكبير الكثير، وأن كل متيسر للعمل، لا يُهمَل ولا يبدد..!
• وفيها : أن الحياةَ غراسٌ وعمل، وبناءٌ ونهضة، وإحياءٌ وتنمية، وإنماءٌ اجتماعيٌّ وهاج ، وهذا منطبق على منهجية ديننا الإسلامي ، وأنه جاء للبناء والإنتاج ، والصناعة والابتكار، والإحياء والإجادة ، وليس للتراخي ، والجفاء، والتباعد...!وفي الحديث الصحيح :( اعملوا فكلٌ ميسرٌ لما خُلق له ).
• وفِي الموعظة : حضٌّ على التفاعل الاجتماعي، والمنفعة الشعبية ، لأن الغرس ليس مصلحةً ذاتية، بل منفعة اجتماعية وحيوانية، يحيا بها الإنسان والجماد والكائنات ، وتنتجُ الثمرَ والظل والهواء ، ويُكتب به أجرٌ وصدقات ، لكل غارسٍ وزارع ، كما صح بذلك الحديث المشهور .
• وأن الإسلامَ دينُ الإيجابية والنفعية والجمالية والإثراء الدنيوي البهيج ، فأنت تعمل وتغدو ، وتجتهدُ وتعين، وتصنع وتمنح، ولو ساءت الحياة...! ولا تقلْ: ظهرت المناكر ، أو سادت المظالم، وقلّ الناصحون والزارعون...بل كن أنت الزارعَ والغارسَ والباني والنافع ...( {وجعلني مباركا أينما كنت} ) [سورة مريم] .
• وفِي الموعظة : أنْ لا يأسَ مع العمل، ولا إحباطَ مع الغرس، فما دمتَ يقظةَ عملٍ، وومضةَ غرس فأنت المُعظمُ الوقور، والفاعل المشكور ، ولَن تذهبَ أياديكَ سُدى، ولا نصبُك هراء ، وفِي المثل الصيني:" لأن توقدَ شمعةً خيرٌ من أن تلعنَ الظلامَ مائةَ لعنة..! فأوقدِ الشموع، واحشد الغِراس، وانثُرِ العطاء، وامنحِ البسمات، وزُفّ التحايا ، ولو كان الزمانُ مُجهما ، والليلُ حالكًا ، والأخطارُ واقعة، والساعة قائمة ..! أيّهذا الشّاكي وما بك داءٌ..كيف تغدو إذا غدوت عليلا؟.../ وترى الشّوكَ في الورود وتعمَى.. أن ترى فوقها النّدى إكليلا../ هو عبءٌ على الحياة ثقيلٌ.. من يظنّ الحياةَ عبئا ثقيلا.../ والذي نفسُه بغير جمالٍ... لا يرى في الوجودِ شيئا جميلا..!
• واعلمْ أن ما أُتيح لك، لم يُتَحْ لغيرك، واختصكَ الله بنعمة، لم يملكها سواك، وساق إليك أفضاله ، وغيرُك لم ينلها، فبادرها بالعمل، وحقّقها بالاقتناص ، وجسِّدها بالأفاعيل والمنافسات ( {وفِي ذلك فليتنافسِ المتنافسون} ) [سورة المطففين] .
• وحاذرْ أن تكون "فسْلاً اجتماعيا"، لا قيمة ولا عمل، ولا عقل ولا فائدة ، ولا شفعة ولا نفعة ، وقد قال الفاروق عمر رضي الله عنه :( إني لأكرهُ أن أرى الرجلَ سَبَهللا ، لا يُرى في عمل دنيا ولا دين )..!
• وفي الموعظة : فضلُ الأناة وذم الاستعجال ، لأن الغرس يطول، ويُلتمسُ له الصبر والانتظار ، فكل عمل ومشروع مبتغى ، لابد له من صبر طويل، وأناة مرتقبة ، فالنتائج والثمار لا تتم على وجه السرعة، بل لابد لها من تمهل، ويقين رباني بالإحياء والدوام، فالله مُحييها ومُغيثُها ، والسلام ...!