هكذا علمنا السلف
يحيى بن إبراهيم اليحيى
الجزء رقم20
قواطع الطريق: شبهة المتقاعدين والمتقاعسين:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- راداً على أولئك المتقاعسين الذين يبحثون فيما وراء الحروف عن تبريرات يعتذرون بها أمام الناس عن سبب تخلفهم عن الركب وإيثارهم السلبية وعدم المشاركة في الخيرات، والعجب لهؤلاء أنهم نسوا حتى أنفسهم (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (الحشر:19)
قال تعالى: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ، وإنما يتم الاهتداء إذا أطيع الله وأدي الواجب من الأمر والنهي وغيرهما، ولكن في الآية فوائد عظيمة:
أحدها: أن لا يخاف المؤمن من الكفار والمنافقين، فإنهم لن يضروه إذا كان مهتدياً.
الثاني: أن لا يحزن عليهم ولا يجزع عليهم، فإن معاصيهم لا تضره إذا اهتدى، والحزن على ما لا يضر عبث، وهذان المعنيان مذكوران في قوله: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُون.
الثالث: أن لا يركن إليهم, ولا يمد عينه إلى ما أوتوه من السلطان والمال والشهوات, كقوله: لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ, فنهاه عن الحزن عليهم والرغبة فيما عندهم في آية, ونهاه عن الحزن عليهم والرهبة منهم في آية, فإن الإنسان قد يتألم عليهم ومنهم, إما راغباً وإما راهباً.
الرابع: أن لا يعتدي على أهل المعاصي بزيادة على المشروع في بغضهم أو ذمهم, أو نهيهم أو هجرهم, أو عقوبتهم, بل يقال لمن اعتدى عليهم: عليك نفسك لا يضرك من ضل إذا اهتديت, كما قال: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ الآية, وقال: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم ْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ, وقال: فَإِنِ انْتَهُوا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ, فإن كثيراً من الآمرين الناهين قد يعتدون حدود الله إما بجهل وإما بظلم, وهذا باب يجب التثبت فيه, وسواء في ذلك الإنكار على الكفار والمنافقين, الفاسقين والعاصين.
الخامس: أن يقوم بالأمر والنهي على الوجه المشروع, من العلم والرفق, والصبر, وحسن القصد, وسلوك السبيل القصد, فإن ذلك داخل في قوله: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ، وفي قوله: إِذَا اهْتَدَيْتُمْ .
والى لقاء قادم ان شاء الله