تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 25 من 33 الأولىالأولى ... 15161718192021222324252627282930313233 الأخيرةالأخيرة
النتائج 481 إلى 500 من 643

الموضوع: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

  1. #481
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

    الحلقة (478)
    تفسير السعدى
    سورة ص
    من الأية(56)
    الى الأية(66)
    عبد الرحمن بن ناصر السعدي

    تفسير سورة ص



    " جهنم يصلونها فبئس المهاد " (56)



    وهو النار يعذبون فيها, تغمرهم من جميع جوانبهم, فبئس الفراش فراشهم

    " هذا فليذوقوه حميم وغساق " (57)



    هذا العذاب ماء شديد الحرارة, وصديد سائل من أجساد أهل النار فليشربوه,

    " وآخر من شكله أزواج " (58)



    ولهم عذاب آخر من هذا القبيل أصناف وألوان.

    " هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار " (59)



    وعند توارد الطاغين على النار يشتم بعضهم بعضا, ولقول بعضهم لبعض: هذه جماعة من أهل النار داخلة معكم, فيجيبون: لا مرحبا بهم , ولا اتسعت منازلهم في النار, إنهم مقاسون حر النار كما قاسيناها.

    " قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار " (60)



    قال فوج الأتباع للطاغين: بل أنتم لا مرحبا بكم؟ لأنكم قدمتم لنا سكنى النار لإضلالكم لنا في الدنيا, فبئس دار الاستقرار جهنم.

    " قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار "(61)



    فال فوج الأتباع: ربنا من أضلنا في الدنيا عن الهدى فضاعف عذابه في النار-


    " وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار " (62)


    وقال الطاغون: ما بالنا لا نرى معنا في النار رجالا كنا نعدهم في الدنيا من الأشرار الأشقياء؟


    " أأتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار " (63)


    هل تحقيرنا لهم واستهزاؤنا بهم خطأ, أو أنهم معنا في النار, لكن لم تقع عليهم الأبصار؟

    " إن ذلك لحق تخاصم أهل النار "(64)



    إن ذلك من جدال أهل النار وخصامهم حق واقع لا مرية فيه.


    " قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار " (65)


    قل- يا محمد- لقومك: إنما أنا منذر لكم من عذاب الله أن يحل بكم; بسبب كفركم به, ليس هناك إله مستحق للعبادة إلا الله وحده, فهو الواحد في خلقه, القهار الذي قهر كل شيء وغلبه


    " رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار " (66)


    مالك السموات والأرض وما بينهما العزيز في انتقامه, الغفار لذنوب من تاب وأناب إلى مرضاته.


  2. #482
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

    الحلقة (479)
    تفسير السعدى
    سورة ص
    من الأية(67)
    الى الأية(77)
    عبد الرحمن بن ناصر السعدي

    تفسير سورة ص



    " قل هو نبأ عظيم " (67)



    فل- يا محمد- لقومك: إن هذا القرآن خبر عظيم النفع.

    " أنتم عنه معرضون " (68)



    أنتم عنه غافلون منصرفون, لا تعملون به.


    " ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون "(69)


    ليس لي علم باختصام ملائكة السماء في شأن خلق آدم, لولا نعيم الله إياي , وإيحاؤه إلي

    " إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين "(70)



    ما يوحي الله إلي من علم ما لا علم لي به إلا لأني نذير لكم من عذابه, مبين لكم شرعه.

    " إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين " (71)



    اذكر لهم- با محمد-: حين فال ربك للملائكة: إني خالق بشرا من طين

    " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " (72)



    فإذا سويت جسده وخلقه ونفخت فيه الروح , فدبت فيه الحياة, فاسجدوا له سجرد تحية وإكرام, لا سجود عبادة وتعظيم؟ فالعبادة لا تكون إلا لله وحده وقد حزم الله في شريعة الإسلام السجود للتحية.

    " فسجد الملائكة كلهم أجمعون " (73)



    فسجد الملائكة كلهم أجمعون طاعة وامتثالا

    " إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين " (74)



    غير إبليس; فإنه لم يسجد أنفة وتكبرا , وكان من الكافرين في علم الله تعالى

    " قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أأستكبرت أم كنت من العالين " (75)



    قال الله لإبليس: ما الذي منعك من السجود لمن أكرمته فخلقته بيدي؟ أستكبرت على آدم , أم كنت من المتكبرين على ربك؟ وفي الآية إثبات صفة اليدين لله تبارك وتعالى, على الوجه اللائق به سبحانه.

    " قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين "(76)



    قال إبليس معارضا لربه: لم أسجد له؟ لأنني أفضل منه, حيث خلقتني من نار , وخلقته من طين.
    (والنار خير من الطين).


    " قال فاخرج منها فإنك رجيم " (77)


    قال الله له: فاخرج من الجنة فإنك مرجوم بالقول , مدحور ملعون,


  3. #483
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

    الحلقة (480)
    تفسير السعدى
    سورة ص
    من الأية(78)
    الى الأية(88)
    عبد الرحمن بن ناصر السعدي

    تفسير سورة ص


    " وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين " (78)



    وإن لك طردي وإبعادي دائما.

    " قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون " (79)



    قال إبليس: رب فأخر أجلي , ولا تهلكني إلى حين تبعث الخلق من قبورهم

    " قال فإنك من المنظرين " (80)



    فال الله له: فإنك من المؤخرين

    " إلى يوم الوقت المعلوم " (81)



    إلى يوم الوقت المعلوم, وهو يوم النفخة الأولى عندما تموت الخلائق.

    " قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين " (82)



    فال إبليس: فبعزتك- يا رب- وعظمتك لأضلن بني آدم أجمعين,

    " إلا عبادك منهم المخلصين " (83)



    إلا من أخلصته منهم لعبادتك , وعصمته من إضلالي, فلم تجعل لي عليهم سبيلا

    " قال فالحق والحق أقول " (84)



    فال الله: فالحق مني , ولا أقول إلا الحق,

    " لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين "(85)



    لأملان جهنم منك ومن ذريتك وممن تبعك من بني آدم أجمعين

    " قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين "(86)



    فل- يا محمد- لهؤلاء المشركين من قومك: لا أطلب منكم أجرا أو جزاء على دعوتكم وهدايتكم, ولا أدعي أمرا ليس لي, بل أتبع ما يوحى إلي , ولا أتكلف تخرصا وافتراء.

    " إن هو إلا ذكر للعالمين " (87)



    ما هذا القرآن إلا تذكير للعالمين من الجن والإنس , يتذكرون به ما ينفعهم من مصالح دينهم ودنياهم

    " ولتعلمن نبأه بعد حين "(88)



    ولتعلمن- أيها المشركون- خبر هذا القرآن وصدقه , حين يغلب الإسلام , ويدخل الناس فيه أفواجا, وكذلك حين يقع عليكم العذاب, وتنقطع عنكم الأسباب.


  4. #484
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

    الحلقة (481)
    تفسير السعدى
    سورة الزمر
    من الأية(1)
    الى الأية(9)
    عبد الرحمن بن ناصر السعدي

    تفسير سورة الزمر

    " تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم " (1)




    تنزيل القرآن إنما هو من الله العزيز في فدرته وانتقامه, الحكيم في تدبيره وأحكامه


    " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين " (2)


    إنا أنزلنا إليك- يا محمد- القرآن يأمر بالحق والعدل, فاعبد الله وحده, وأخلص له جميع دينك.


    " ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار " (3)


    ألا لله وحده الطاعة التامة السالمة من الشرك,, الذين أشركوا مع الله غيره واتخذوا من دونه أولياء, قالوا: ما نعبد تلك الآلهة مع الله إلا لتشفع لنا عند الله, وتقربنا عنده منزلة, فكفروا بذلك؟ لأن العبادة والشفاعة لله وحده, إن الله يفصل بين المؤمنين المخلصين والمشركين مع الله غيره يوم القيامة فيما يختلفون فيه من عبادتهم, فيجازي كلا بما يستحق.
    إن الله لا يوفق للهداية إلى الصراط المستقيم من هو مفتر على الله, كفار بآياته وحججه.



    " لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار " (4)


    لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاختار من مخلوفاته ما يشاء, تنزه الله وتقدس عن أن يكون له ولد, فإنه الواحد الأحد, الفرد الصمد, القهار الذي قهر خلقه بقدرته, فكل شيء له متذلل خاضع.


    " خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار " (5)


    خلق الله السموات والأرض وما فيهما بالحق, يجيء بالليل ويذهب بالنهار, ويجيء بالنهار ويذهب بالليل, وذلل الشمس والقمر بانتظام لمنافع العباد, كل منهما يجري في مداره أي حين قيام الساعة ألا إن الله الذي فعل هذه الأفعال, وأنعم على خلقه بهذه النعم هو العزيز على خلقه, الغفار لذنوب عباده التائبين

    " خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون " (6)


    خلقكم ربكم- أيها الناس- من آدم, وخلق منه زوجه, وخلق لكم من الأنعام ثمانية أنواع ذكرا وأنثى من الإبل والبقر والضأن والمعز؟ يخلقكم في بطون أمهاتكم طورا بعد طور من الخلق في ظلمات البطن, والرحم, والمشيمة, ذلكم الله الذي خلق هذه الأشياء, ربكم المتفرد بالملك المتوحد بالألوهية المستحق للعبادة وحده, فكيف تعدلون عن عبادته إلى عبادة غيره من خلقه؟


    " إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور " (7)


    إن تكفروا- أيها الناس- بربكم ولم تؤمنوا به, ولم تتبعوا رسله, فإنه غني عنكم, ليس بحاجة إليكم, وأنتم الفقراء إليه, ولا يرضى لعباده الكفر, ولا يأمرهم به, وإنما يرضى لهم شكر نعمه عليهم.
    ولا تحمل نفس إثم نفس أخرى, ثم إلى ربكم مصيركم, فيخبركم بعملكم, ويحاسبكم عليه إنه عليم بأسرار النفوس وما تخفي الصدور.



    " وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار " (8)


    وإذا أصاب الإنسان بلاء وشدة ومرض تذكر الله, فاستغاث به ودعاه, ثم إذا أجابه وكف عنه ضره, ومنحه نعمه, في دعاءه لربه عند حاجته إليه, وأشرك معه غيره؟ ليضل غيره عن الإيمان بالله وطاعته, قل له- يا محمد- متوعدا: تمتع بكفرك قليلا حتى موتك وانتهاء أجلك, إنك من أهل النار المخلدين فيها.


    " أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب " (9)


    أهذا الكافر المتمتع بكفره خير, أم من هو عابد لربه طائع له, يقضي ساعات الليل في القيام والسجود لله, يخاف عذاب الآخرة, ويأمل رحمة ربه؟ قل- يا محمد-: هل يستوي الذين يعلمون ربهم ودينهم الحق والذين لا يعلمون شيئا من ذلك؟ لا يستوون.
    إنما يتذكر ويعرف الفرق أصحاب العقول السليمة.


  5. #485
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

    الحلقة (482)
    تفسير السعدى
    سورة الزمر
    من الأية(10)
    الى الأية(19)
    عبد الرحمن بن ناصر السعدي

    تفسير سورة الزمر



    " قل يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " (10)


    قل- يا محمد- لعبادي المؤمنين بالله ورسوله: اتقوا ربكم بطاعته واجتناب معصيته.
    للذين أحسنوا في هذه الدينا بعبادة ربهم وطاعته حسنة في الآخرة, وهي الجنة, وحسنة في الدنيا من صحة ورزق ونصر وغير ذلك.
    وأرض الله واسعة, فهاجروا فيها إلى حيث تعبدون ربكم, وتتمكنون من إقامة دينكم.
    إنما يعطى الصابرون ثوابهم في الآخرة بغير حساب منا, كما يحاسب غيرهم.



    " قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين " (11)


    قل- يا محمد- للناس: إن الله أمرني ومن تبعني بإخلاص العبادة له وحده دون سواه


    " وأمرت لأن أكون أول المسلمين "(12)


    وأمرني بأن أكون أول من أسلم من أمتي, فخضع له بالتوحيد, وأخلص له العبادة, وبرئ من كل ما دونه من الآلهة.

    " قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم "(13)


    فل- يا محمد- لناس: إني أخاف إن عصيت ربي فيما أمرني به من عبادته والإخلاص في طاعته عذاب يوم القيامة, ذلك اليوم الذي يعظم هوله.


    " قل الله أعبد مخلصا له ديني " (14)


    قل- يا محمد-: إني أعبد الله وحده لا شريك له مخلصا له عبادتي وطاعتي,

    " فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين " (15)


    فاعبدوا أنتم- أيها المشركون- ما شئتم من دون الله من الأوثان والأصنام وغير ذلك من مخلوقاته, فلا يضرني ذلك شيئا.
    وهذا تهديد ووعيد لمن عبد غير الله, وأشرك معه غيره قل- يا محمد-: إن الخاسرين- حقا- هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة, وذلك بإغوائهم في الدنيا وإضلالهم عن الإيمان.
    ألا إن خسران هؤلاء المشركين أنفسهم وأهليهم يوم القيامة هو الخسران البين الواضح.



    " لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون " (16)


    أولئك الخاسرون لهم يوم القيامة في جهنم من فوقهم قطع عذاب من النار كهيئة الظلل المبنية, ومن تحتهم كذلك.
    ذلك العذاب الموصوف يخوف الله به عباده; ليحذروه يا عباد فاتقوني بامتثال أوامري واجتناب معاصي.


    " والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عبادي " (17)


    والذين اجتنبوا طاعة الشيطان وعبادة غير الله, وتابوا إلى الله بعبادته وإخلاص الدين له, لهم البشرى في الحياة الدنيا بالثناء الحسن والتوفيق من الله, وفي الآخرة رضوان الله والنعيم الدائم في الجنة.
    فبشر- يا محمد- عبادي



    " الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب " (18)


    الذين يستمعون القول فيتبعون أرشده.
    وأحسن الكلام وأرشده كلام الله ثم كلام رسوله.
    أولئك هم الذين وفقهم الله للرشاد والسداد, وهداهم لأحسن الأخلاق والأعمال, وأولئك هم أصحاب العقول السليمة.



    " أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار " (19)


    أفمن وجبت عليه كلمة العذاب, باستمراره على غيه وعناده, فإنه لا حيلة لك- يا محمد- في هدايته, أفتقدر أن تنقذ من في النار؟ لست بقادر على ذلك.

  6. #486
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

    الحلقة (483)
    تفسير السعدى
    سورة الزمر
    من الأية(20)
    الى الأية(28)
    عبد الرحمن بن ناصر السعدي

    تفسير سورة الزمر



    " لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد " (20)


    لكن الذين اتقوا ربهم- بطاعته وإخلاص عبادته- لهم في الجنة غرف مبنية بعضها فوق بعض, تجري من تحت أشجارها الأنهار, وعدها الله عباده المتقين وعدا متحققا, لا يخلف الله الميعاد

    " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب " (21)


    ألم تر- يا محمد- أن الله أنزل من السحاب مطرا فأدخله في الأرض, وجعله عيونا نابعة ومياها جارية, ثم يخرج بهذا الماء زرعا مختلفا ألوانه وأنواعه, ثم ييبس بعد خضرته ونضارته, فتراه مصفرا ألونه, ثم يجعله حطاما متكسرا متفتتا؟ إن في فعل الله ذلك لذكرى وموعظة لأصحاب العقول السليمة.

    " أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين " (22)


    أفمن وسع الله صدره, فسعد بقبول الإسلام والانقياد له والإيمان به, فهو على بصيرة من أمره وهدى من ربه, كمن ليس كذلك؟ لا يستوون.
    فويل وهلاك للذين قست قلوبهم, وأعرضت عن ذكر الله, أولئك في ضلال بين عن الحق.



    " الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد " (23)


    الله تعالى هو الذي نزل أحسن الحديث, وهو القرآن العظيم, متشابها في حسنه وإحكامه وعدم اختلافه, تثنى فيه القصص والأحكام, والحجج والبينات, تقشعر من سماعه, وتضطرب جلود الذين يخافون ربهم؟ تأئرا بما فيه من ترهيب ووعيد, ثم تلين جلودهم وقلوبهم; استبشارا بما فيه من وعد وترغيب, ذلك التأثر بالقرآن هداية من الله لعباده والله يهدي بالقرآن من يشاء من عباده.
    ومن يضلله الله عن الإيمان بهذا القرآن, لكفر.
    وعناده, فما له من هاد يهديه ويوفقه



    " أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون " (24)


    أفمن يلقى في النار مغلولا- فلا بتهيأ له أن يتقي النار إلا بوجهه؟ لكفره وضلاله- خير أم من ينعم في الجنة؟ لأن الله هداه؟ وقيل يومئذ للظالمين: ذوقوا وبال ما كنتم في الدنيا تكسبون من معاصي الله.

    " كذب الذين من قبلهم فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون "(25)


    كذب الذين من قبل قومك- يا محمد- رسلهم, فجاءهم العذاب من حيث لا يشعرون بمجيئه,


    " فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون " (26)


    فأذاق الله الأمم المكذبة العذاب, الهوان في الدنيا, وأعد لهم عذابا أشد وأشق في الأخرة لو كان هؤلاء المشركون يعلمون أن ما حل بهم, بسب كفرهم وتكذيبهم لاتعظوا.

    " ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون " (27)


    ولقد ضربنا لهؤلاء المشركين بالله في هذا القرآن من كل مثل من أمثال القرون الخالية تخويفا وتحذيرا; ليتذكروا فينزجروا عما هم عليه مقيمون من الكفر بالله.


    " قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون " (28)


    وجعلنا هذا القرآن عربيا واضح الألفاظ سهل المعاني, لا لبس فيه ولا انحراف; لعلهم يتقون الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.

  7. #487
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

    الحلقة (484)
    تفسير السعدى
    سورة الزمر
    من الأية(29)
    الى الأية(38)
    عبد الرحمن بن ناصر السعدي

    تفسير سورة الزمر



    " ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون "(29)


    ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لشركاء متنازعين, فهو حيران في إرضائهم, وعدا خالصا لمالك واحد يعرف مراده وما يرضيه, هل يستويان, مثلا؟ لا يستويان, كذلك المشرك هو في حيرة وشك, والمؤمن في راحة واطمئنان.
    فالثناء الكامل التام لله وحده, بل المشركون لا يحلمون الحق فيتبعونه.



    " إنك ميت وإنهم ميتون " (30)


    إنك- يا محمد- ميت وإنهم ميتون,

    " ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون " (31)


    ثم إنكم جميعا- أيها الناس, يوم القيامة عند ربكم تتنازعون, فيحكم بينكم بالعدل والإنصاف.

    " فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين " (32)


    لا أحد أظلم ممن افترى على الله الكذب: بأن نسب إليه ما لا يليق به كالشريك والولد, أو قال: أوحي إلي, ولم يوح إليه شيء, ولا أحد أظلم ممن كذب بالحق الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
    أليس في النار مأوى ومسكن لمن كفر بالله, ولم يصدق محمدا صلى الله عليه وسلم؟ بلى.



    " والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون " (33)


    والذي جاء بالصدق في قوله وعمله من الأنبياء وأتباعهم, وصدق به إيمانا وعملا, أولئك هم الذين جمعوا خصال التقوى, وفي مقدمة هؤلاء خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم والمؤمنون به, العاملون بشريعته من الصحابة, رضي الله عنهم, فمن بعدهم إلى يوم الدين.

    " لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين " (34)


    لهم ما يشاؤون عند ربهم من أصناف اللذات, المشتهيات؟ ذلك جزاء من أطاع ربه حق الطاعة, وعبده حق العبادة.

    " ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون "(35)


    ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا في الدنيا من الأعمال؟ بسبب ما كان منهم من توبة وإنابة مما اجترحوا من السيئات فيها, ويثيبهم الله على طاعتهم في الدنيا بأحسن ما كانوا يعملون, وهو الجنة.

    " أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد " (36)


    أليس الله بكاف عبده محمدا وعيد المشركين وكيدهم من أن ينالوه بسوء؟ بلى إنه سيكفيه في أمر دينه ودنياه, ويدفع عنه من أراده بسوء, ويخوفونك- يا محمد- بآلهتهم التي زعموا أنها ستؤذيك.
    ومن يخذله الله فيضله عن طريق الحق, فما له من هاد يهديه إليه.


    " ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام " (37)


    ومن يوفقه الله للإيمان به والعمل بكتابه واتباع رسوله فما له من مضل عن الحق الذي هو عليه أليس الله بعزيز في انتقامه من كفرة خلقه, وممن عصاه؟


    " ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون " (38)


    ولئن سألت- يا محمد- هؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله: من خلق هذه السموات والأرض؟ ليقولن: خلقهن الله, فهم يقرون بالخالق.
    قل لهم, هل تستطيع هذه الآلهة التي تشركونها مع الله أن تبعد عني أذى قدره الله علي, أو تزيل مكروها لحق بي؟ وهل تستطيع أن تمنع نفعا يسره الله لي, أو تحبس رحمة الله عني؟ إنهم سيقولون : لا تستطيع ذلك.
    قل لهم: حسبي الله وسيكفيني, كل ما أهمني عليه يعتمد المعتمدون في جلب مصالحهم ودفع مضارهم, فالذي بيده وحده الكفاية هو حبي, ريكفيني كل ما أمشي.



  8. #488
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

    الحلقة (485)
    تفسير السعدى
    سورة الزمر
    من الأية(39)
    الى الأية(47)
    عبد الرحمن بن ناصر السعدي

    تفسير سورة الزمر



    " قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون " (39)


    فل- يا محمد- لقومك المعاندين: اعملوا على حالتكم التي رضيتموها لأنفسكم, حيث عبدتم من لا يستحق العبادة, وليس له من الأمر شيء, إني عامل على ما أمرت به من التوجه لله وحده في أقوالي وأفعالي,


    " من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم " (40)


    فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يهينه في الحياة الدنيا, ويحل عليه في الآخرة عذاب دائم؟ لا يحول عنه ولا يزول.

    " إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل "(41)


    إنا أنزلنا عليك- يا محمد- القرآن بالحق هداية للعالمين, إلى طريق الرشاد, فمن اهتدى بنوره, وعمل بما فيه, واستقام على منهجه, فنفع ذلك يعود على نفسه, ومن ضل بعد ما تبين له الهدى, فإنما يعود ضرره على نفسه, ولن يضر الله شيئا, وما أنت- يا محمد- عليهم بوكيل تحفظ أعمالهم, وتحاسبهم عليها, وتجبرهم على ما تشاء, ما عليك إلا البلاغ.


    " الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " (42)


    الله- سبحانه وتعالى- هو الذي يقبض الأنفس حين موتها, وهذه الوفاة الكبرى, وفاة الموت بانقضاء الأجل, ويقبض التي لم تمت في منامها, وهي الموتة الصغرى, فيحبس من هاتين النفسين النفس التي قضى عليها الموت, وهي نفس من مات, ويرسل النفس الأخرى إلى استكمال أجلها ورزقها, وذلك بإعادتها إلى جسم صاحبها, إن في قبض الله نفس الميت والنائم وإرساله نفس النائم, وحبسه نفس الميت لدلائل واضحة على قدرة الله لمن تفكر وتدبر.

    " أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون " (43)


    أم اتخذ هؤلاء المشركون بالله من دونه آلهتهم التي يعبدونها شفعاء, تشفع لهم عند الله في حاجاتهم؟ قل- يا محمد- لهم: اتتخذونها شفعاء كما تزعمون, ولو كانت الآلهة لا تملك شيئا, ولا تعقل عبادتهم لها؟


    " قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون " (44)


    قل- يا محمد- لهؤلاء المشركين: لله الشفاعة جميعا, له ملك السموات والأرض وما فيهما, فالأمر كله لله وحده, ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه, فهو الذي يملك السموات والأرض ويتصرف فيهما, فالواجب أن تطلب الشفاعة ممن يملكها, وأن تخلص له العبادة, ولا تطلب من هذه الآلهة التي لا تضر ولا تنفع, ثم إليه ترجعون بعد مماتكم للحساب والجزاء.

    " وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون " (45)


    وإذا ذكر الله وحده نفرت قلوب الذين لا يؤمنون بالمعاد والبعث بعد الممات, وإذا ذكر الذين من دونه من الأصنام والأوثان والأولياء إذا هم يفرحون؟ لكون الشرك موافقا لأهوائهم.

    " قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون " (46)


    قل: اللهم يا خالق السموات والأرض ومبدعها على غير مال سبق, عالم السر والعلانية, أنت تفصل بين عبادك يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون من القول فيك, وفي عظمتك وسلطانك والإيمان بك وبرسولك, اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك, إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم وكان هذا من دعائه صلى الله عليه وسلم, وهو تعليم للعباد بالالتجاء إلى الله تعالى, ودعائه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى.


    " ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " (47)


    ولو أن لهؤلاء المشركين بالله ما في الأرض جميعا من مال وذخائر, ومثله معه مضاعفا, لبذلوه يوم القيامة؟ ليقتدرا به من سوء العذاب, ولو بذلوا وافتدوا به ما قبل منهم, ولا أغنى عنهم من عذاب الله شيئا, وظهر لهم يومئذ من أمر الله وعذابه ما لم يكونوا يحتسبون في الدنيا أنه نازل بهم.


  9. #489
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

    الحلقة (486)
    تفسير السعدى
    سورة الزمر
    من الأية(48)
    الى الأية(56)
    عبد الرحمن بن ناصر السعدي

    تفسير سورة الزمر



    " وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون " (48)


    وظهر لهؤلاء المكذبين يوم الحساب جزاء سيئاتهم التي اقترفوها, حيث نسبوا إلى الله ما لا يليق به, وارتكبوا المعاصي في حياتهم, وأحاط بهم من كل جانب عذاب أليم؟ عقابا لهم على استهزائهم بالإنذار بالعذاب الذي كان الرسول يعذبهم به, ولا يأبهون له.

    " فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون " (49)


    فاذا أصاب الإنسان شدة وضر, طلب من رده أن يفرج عنه, فإذا كشفنا عنه ما أصابه وأعطيناه نعمة منا عاد بربه كافرا, ولفضله منكرا, وقال: إن الذي أوتيته إنما هو على علم من الله أني له أهل ومستحق, بل ذلك فتنة يبتلي الله بها عباده؟ لينظر من يشكره ممن يكفره, ولكن أكثرهم- لجهلهم وسوء ظنهم وقولهم- لا يعلمون؟ فلذلك يحذون الفتنة منحة.


    " قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون " (50)


    قد قال مقالتهم هذه من قبلهم من الأمم الخالية المكذبة؟ فما أغنى عنهم حين جاءهم العذاب ما كانوا يكسبونه من الأموال والأولاد.

    " فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين " (51)


    فأصاب الذين قالوا هذه المقالة من الأمم الخالية وبال سيئات ما كسبوا من الأعمال, فعوجلوا بالخزي في الحياة الدنيا, والذين ظلموا أنفسهم من قومك يا محمد, وقالوا هذه المقالة, يصيبهم أيضا وبال سيئات ما كسبوا, كما أصاب الذين من قبلهم, وما هم بفاتنين الله ولا سابقيه.

    " أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون " (52)


    أو لم يعلم هؤلاء أن رزق الله للإنسان لا يدل على حسن حال صاحبه, فإن الله لبالغ حكمته يوسع الرزق لمن يشاء من عباده, صالحا كان أو طالحا, ويضيقه على من يشاء منهم؟ إن في ذلك التوسع والتضييق في الرزق لدلالات واضحات لقوم يصدقون أمر الله ويعملون به.


    " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم " (53)


    قل- يا محمد- لعبادي الذين تمادوا في المعاصي, وأصرفوا على أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه من الذنوب: لا تيئسوا من رحمة الله؟ لكثرة ذنوبكم, إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها مهما كانت, إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده, الرحيم بهم.

    " وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون "(54)


    وارجعوا إلى ربكم- أيها الناس- بالطاعة والتوبة, واخضعوا له من قبل أن يقع بكم عقابه, ثم لا ينصركم أحد من دون الله.


    " واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون " (55)


    واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم, وهو القرآن العظيم, وكله حسن, فامتثلوا أوامره, واجتنبوا نواهية من قبل أن يأتيكم العذاب فجأة, وأنتم لا تعلمون به.


    " أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين " (56)


    وأطيعوا ربكم وتوبوا إليه حتى لا تندم نفس وتقول: يا حسرتى على ما ضيعت في الدنيا من العمل بما أمر الله به, وقصرت في طاعته وحقه, وإن كنت في الدنيا لمن المستهزئين بأمر الله وكتابه ورسوله والمؤمنين به.


  10. #490
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

    الحلقة (487)
    تفسير السعدى
    سورة الزمر
    من الأية(57)
    الى الأية(66)
    عبد الرحمن بن ناصر السعدي

    تفسير سورة الزمر



    " أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين " (57)


    أو تقول: لو أن الله أرشدني إلى دينه لكنت من المتقين الشرك والمعاصي.

    " أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين " (58)


    أو تقول حين ترى عقاب الله قد أحاط بها يوم الحساب: ليت لي رجعة إلى الحياة الدنيا فأكون فيها من الذين أحسنوا بطاعة ربهم , والعمل بما أمرتهم به الرسل.

    " بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين " (59)


    ما القول كما تقول, فد جاءتك آياتي الواضحة الدالة على الحق, فكذبت بها, واستكبرت عن قبولها واتباعها, وكنت من الكافرين بالله ورسله.

    " ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين " (60)


    ويوم القيامة ترى هؤلاء المكذبين الذين وصفوا ربهم بما لا يليق به, ونسبوا إليه الشريك والولد وجوههم مسودة.
    أليس في جهنم مأوى ومسكن لمن تكبر على الله, فامتنع من توحيده وطاعته؟ بلى.



    " وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون " (61)


    وينجي الله من جهنم وعذابها الذين اتقوا ربهم بأداء فرائضه واجتناب نواهيه بفوزهم وتحقق أمنيتهم, وهي الظفر بالجنة, لا يمسهم من عذاب جهنم شيء, ولا هم يحزنون على ما فاتهم من حظوظ الدنيا.

    " الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل " (62)


    الله تعالى هو خالق الأشياء كلها, وربها ومليكها والمتصرف فيها, وكل تحت تدبيره وقهره, وهو على كل شيء وكيل.


    " له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون " (63)


    لله مفاتيح خزائن السموات والأرض, يعطي منها خلقه كيف يشاء والذين جحدوا بآيات القرآن وما فيها من الدلائل الواضحة, أولئك هم الخاسرون في الدنيا بخذلانهم عن الإيمان, وفي الآخرة بخلودهم في النار.

    " قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون "(64)


    قل- يا محمد- لمشركي قومك: أفغير الله أيها الجاهلون بالله تأمرونن أن أعبد, ولا تصلح العبادة لشيء سواه؟

    " ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين " (65)


    ولقد أوحي إليك- يا محمد- وإلى من قبلك من الرسل: لئن أشركت بالله غيره ليبطلن عملك, ولتكونن من الهالكين الخاسرين دينك وآخرتك, لأنه لا تقبل مع الشرك عمل صالح.


    " بل الله فاعبد وكن من الشاكرين " (66)


    بل الله فاعبد- يا محمد- مخلصا له العبادة وحده لا شريك له, وكن من الشاكرين لله نعمه


  11. #491
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

    الحلقة (488)
    تفسير السعدى
    سورة الزمر
    من الأية(67)
    الى الأية(75)
    عبد الرحمن بن ناصر السعدي

    تفسير سورة الزمر

    " وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون "(67)


    وما عظم هؤلاء المشركون الله حق تعظيمه; إذ عبدوا معه غيره مما لا ينفع ولا يضر, فسووا المخلوق مع عجزه بالخالق العظيم, الذي من عظيم فدرته أن جميع الأرض في فبضته يوم القيامة, والسموات مطويات بيمينه, تنزه وتعاظم سبحانه وتعالى عما يشرك به هؤلاء المشركون وفي الآية دليل على إثبات القبضة, واليمين, والطي, لله كما يليق بجلاله وعظمته, من غير تكييف ولا

    " ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون " (68)


    ونفخ في " القرن " فمات كل من في السموات والأرض, إلا من شاء الله عدم موته, ثم نفخ الملك فيه نفخة ثانية مؤذنا بإحياء جميع الخلائق للحساب أمام ربهم, فإذا هم قيام من قبورهم ينظرون ماذا يفعل الله بهم؟

    " وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون " (69)


    وأضاءت الأرض يوم القيامة إذا تجلى الحق جل وعلا للخلائق لفصل القضاء, ونشرت الملائكة صحيفة كل فرد, وجيء بالنبيين والشهود على الأم؟ ليسأل الله النبيين عن التبليغ وعما أجابتهم به أممهم, كما تأتي أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ لتشهد بتبليغ الرسل السابقين لأممهم إذا أنكرت هذا التبليغ, فتقوم الحجة على الأمم, وقضى رب العالمين بين العباد بالعدل التام, وهم لا يظلمون شيئا بنقص ثواب أو زيادة عقاب.

    " ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون " (70)


    ووفى الله كل نفس جزاء عملها من خير وضر, وهو سبحانه وتعالى أعلم بما يفعلون في الدنيا من طاعة أو معصية

    " وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين " (71)


    وسيق الذين كفروا بالله ورسله إلى جهنم جماعات, حتى إذا جاؤوها فتح الخزنة الموكلون بها أبوابها السبعة, وزجروهم قائلين: كيف تعصون الله وتجحدون ربوبيته؟ ألم يرسل إليكم رسلا منكم يتلون عليكم أيات ربكم, ويحذرونكم أهوال هذا اليوم؟ قالوا مقرين بذنبهم, بلى قد جاءت رسل ربنا بالحق, وحذرونا هذا اليوم, ولكن وجبت كلمة الله أن عذابه لأهل الكفر به.

    " قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين " (72)


    قيل للجاحدين إهانة لهم وإذلالا: ادخلوا أبواب جهنم ماكثين فيها أبدا, ففتح مصير المتعالين على الإيمان بالله والعمل بشرعه.

    " وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين " (73)


    وسيق الذين اتقوا ربهم بتوحيده والعمل بطاعته إلى الجنة جماعات, حتى إذا جاؤوها وجدوا أبوالها مفتوحة, فترحب بهم الملائكة الموكلون بالجنة, ويحيونهم بالبشر والسرور; لطهارتهم من آثار المعاصي قائلين لهم: سلام عليكم من كل آفة, طابت أحوالكم, فادخلوا الجنة خالدين فيها.

    " وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين " (74)


    وقال المؤمنون: الحمد لله الذي صدقنا وعده الذي, عدنا إياه على ألسنة رسله, وأورثنا أرض الجنة ننزل منها في أي مكان شئنا, فنعم ثواب المحسنين الذين اجتهدوا في طاعة ربهم.


    " وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين "(75)


    وترى- يا محمد- الملائكة محيطين بعرض الرحمن, ينزهون ربهم عن كل ما لا يليق به, وقضى الله سبحانه وتعالى بين الخلائق بالحق والعدل, فأسكن أهل الإيمان الجنة, وأهل الكفر النار, وقيل: الحمد لله رب العالمين على ما قضى به بين أهل الجنة وأهل النار, حمد فضل وإحسان, وحمد عدل وحكمة.


  12. #492
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

    الحلقة (489)
    تفسير السعدى
    سورة غافر
    من الأية(1)
    الى الأية(10)
    عبد الرحمن بن ناصر السعدي

    تفسير سورة غافر
    " حم " (1)



    (حم) سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة.


    " تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم " (2)


    تنزيل القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله- عز وجل- العزيز الذي قهر بعزته كل مخلوق, العليم بكل شيء.


    " غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير " (3)


    غافر الذنب للمذنبين, وقابل التوب من التائبين, شديد العقاب على من تجرأ على الذنوب, ولم يتب منها, وهو سبحانه وتعالى صاحب الإنعام والتفضل على عباده الطائعين, لا معبود تصلح العبادة له سواه, إليه مصير جميع الخلائق يوم الحساب, فيجازي كلا بما يستحق.


    " ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد " (4)


    ما يخاصم في آيات القرآن وأدلته على وحدانية الله, ويقابلها بالباطل إلا الجاحدون الذين جحدوا توحيده, فلا يغررك- يا محمد- ترددهم في البلاد بأنواع التجارات والمكاسب, ونعيم الدنيا وزهرتها.


    " كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب " (5)


    كذبت قبل هؤلاء الكفار قوم نوح ومن تلاهم من الأمم التي أعلنت حربها على الرسل كعاد وثمود, حيث عزموا على إيذائهم وتجمعوا عليهم بالتعذيب أو القتل, وهمت كل أمة من هذه الأمم المكذبة برسولهم ليقلوه, وخاصموا بالباطل؟ ليبطلوا بجدالهم الحق فعاقبتهم, فكيف كان عقابي إياهم عبرة للخلق, وعظة لمن يأتي بعدهم؟

    " وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار " (6)


    وكما حق العقاب على الأمم السابقة التي كذبت رسلها, حق على الذين كفروا أنهم أصحاب النار.


    " الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم " (7)


    الذين يحملون عرش الرحمن من الملائكة ومن حول العرش ممن يحف به منهم, ينزهون الله عن كل نقص, ويحمدونه بما هو أهل له, ويؤمنون به حق الإيمان, ويطلبون منه أن يعفو عن المؤمنين, قائلين: ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما, فاغفر للذين تابوا من الشرك والمعاصي, وسلكوا الطريق الذي أمرتهم أن يسلكوه وهو الإسلام, وجنبهم عذاب النار وأهوالها.


    " ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم " (8)


    ربنا وادخل المؤمنين جنات عدن التي وعدتهم, ومن صلح بالإيمان والعمل الصالح من أبائهم وأزواجهم وأولادهم.
    إنك أنت العزيز القاهر لكل شيء, الحكيم في تدبيره وصنعه



    " وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم " (9)


    واصرف عنهم سوء عاقبة سيئاتهم, فلا تؤاخذهم بها, ومن تصرف عنه السيئات يوم الحساب فقد رحمته, وأنعمت عليه بالنجاة من عذابك, وذلك هو الظفر العظيم الذي لا فوز مثله.


    " إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون " (10)


    إن الجاحدين بالله عندما يعاينون أهوال النار بأنفسهم, يمقتون أنفسهم أشد المقت, وعند ذلك يناديهم خزنة جهنم: لمقت الله لكم في الدنيا- حين طلب منكم الإيمان به واتباع رسله, فأبيتم- أكبر من بغضكم لأنفسكم الآن, بعد أن أدركتم أنكم تستحقون سخط الله وعذابه.

  13. #493
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

    الحلقة (490)
    تفسير السعدى
    سورة غافر
    من الأية(11)
    الى الأية(19)
    عبد الرحمن بن ناصر السعدي

    تفسير سورة غافر



    " قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل " (11)


    فال الكافرون: ربنا أمتنا مرتين: حين كنا في بطون أمهاتنا نطفا قبل نفخ الروح, وحين انقضى أجلنا في الحياة الدنيا, وأحييتنا مرتين: في دار الدنيا, يوم ولدنا, ويوم بعثنا من قبورنا, فنحن الآن نقر بأخطائنا السابقة؟ فهل لنا من طريق نخرج به من النار, وتعيدنا به إلى الدنيا؟ لنعمل بطاعتك؟ ولكن هيهات أن ينفعهم هذا الاعتراف.


    " ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير " (12)


    ذلكم العذاب الذي لكم- أيها الكافرون- بسبب أنكم كنتم إذا دعيتم لتوحيد الله وإخلاص العمل له كفرتم به, وإن يجعل لله شريك تصدقوا بذلك, وتعملوا به فالله سبحانه وتعالى هو الحاكم في خلقه, العادل الذي لا يجور, يهدي من يشاء ويضل من يشاء ويرحم من يشاء ويعذب من يشاء, لا إله إلا هو الذي له العلو المطلق, وله الكبرياء والعظمة.


    " هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب " (13)


    هو الذي يظهر لكم- أيها الناس- قدرته بما تشاهدونه من الآيات العظيمة الدالة على كمال خالقها ومبدعها, وينزل لكم من الماء مطرا ترزقون به, وما يتذكر بهذه الآيات إلا من يرجع إلى طاعة الله, ويخلص له العبادة.

    " فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون " (14)


    فأخلصوا- أيها المؤمنون- لله وحده العبادة والدعاء, وخالفوا المشركين في مسلكهم, ولو أغضبهم ذلك, فلا تبالوا بهم.


    " رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق " (15)


    إن الله هو العلي الأعلى الذي ارتفعت درجاته ارتفاعا باين به مخلوقاته, وارتفع به قدره, وهو صاحب العرش العظيم, ومن رحمته بعباده أن يرسل إليهم رسلا يلقي إليهم الوحي الذي يحيون به, فيكونون على بصيرة من أمرهم؟ لتخوف الرسل عباد الله, وتنذرهم يوم القيامة الذي يلتقي فيه الأولون والآخرون.

    " يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " (16)


    يوم القيامة تظهر الخلائق أمام ربهم, لا يخفى على الله منهم ولا من أعمالهم التي عملوها في الدنيا شيء, يقول الله سبحانه: لمن الملك والتصرف في هذا اليوم؟ فيجيب نفسه: لله المتفرد بأسمائه وصفاته وأفعاله, القهار الذي قهر جميع الخلائق بقدرته وعزته.


    " اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب " (17)


    اليوم تثاب كل نفس بما كسبت في الدنيا من خير وشر, لا ظلم لأحد اليوم بزيادة في سيئاته أو نقص من حسناته.
    إن الله سبحانه وتعالى سريع الحساب, فلا تستبطئوا ذلك اليوم؟ فإنه قريب.


    " وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع " (18)


    وحذر- يا محمد- الناس من يوم القيامة القريب, وإن استبعدوه, إذ قلوب العباد من مخافة عقاب الله قد ارتفعت من صدورهم, فتعلقت بحلوقهم, وهم ممتلئون غما وحزنا.
    ما للظالمين من قريب ولا صاحب, ولا شفيع يشفع لهم عند ربهم, فيستجاب له.



    " يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور " (19)


    يعلم الله سبحانه ما تختلسه العيون من نظرات, وما يضمره الإنسان في نفسه من خير أو شر.


  14. #494
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

    الحلقة (491)
    تفسير السعدى
    سورة غافر
    من الأية(20)
    الى الأية(28)
    عبد الرحمن بن ناصر السعدي

    تفسير سورة غافر



    " والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير " (20)


    والله سبحانه يقضي بين الناس بالعدل فيما يستحقونه, والذين يعبدون من دون الله من الآلهة لا يقضون بشيء؟ لعجزهم عن ذلك.
    إن الله هو السميع لما تنطق به ألسنتكم, البصير بأفعالكم وأعمالكم.



    " أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق " (21)


    أولم يسر في الأرض هؤلاء المكذبون برسالتك يا محمد, فينظروا كيف كان خاتمة الأمم السابقة قبلهم؟ كانوا أشد منهم بطشا, وأبقى في الأرض أثارا, فلم تنفعهم شدة قواهم وظم أجسامهم, فأخذهم الله بعقوبته بسبب كفرهم واكتسابهم الآثام, وما كان لهم من عذاب الله من واق يقيهم منه, فيدفعه عنهم.


    " ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب "(22)


    ذلك العذاب الذي حل بالمكذبين السابقين, كان بسبب موقفهم من رسل الله الذين جاؤوا بالدلائل القاطعة على صدق دعواهم, فكفروا بهم, وكذبوهم, فأخذهم الله بعقابه, إنه سبحانه قوي لا يغلبه أحد, شديد العقاب لمن كفر به وعصاه.


    " ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين " (23)


    ولقد أرسلنا موسى بآياتنا العظيمة الدالة على حقيقة ما أرسل به, وحجة واضحة بينة على صدقه في دعوته, وبطلان ما كان عليه من أرسل إليهم.


    " إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب " (24)


    إلى فرعون ملك مصرا, وهامان, وزيره, وقارون صاحب الأموال والكنوز, فأنكروا رسالته واستكبروا, وقالوا عنه: إنه ساحر كذاب, فكيف يزعم أنه أرسل للناس رسولا؟


    " فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال " (25)


    فلما جاء مؤسى فرعون وهامان وقارون بالمعجزات الظاهرة من عندنا, لم يكتفوا بمعارضتها وإنكارها, بل قالوا: اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه, واستبقوا نساءهم للخدمة والاسترتاق.
    وما تدبير أهل الكفر إلا في ذهاب وهلاك.



    " وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد "(26)


    وقال فرعون لأشراف قومه: اتركوني أقتل موسى, ليدع ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا, فيمنعه منا, إني أخاف أن يبدل دينكم الذي أنتم عليه, أو أن يظهر في أرض " مصر " الفساد.


    " وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب " (27)


    وقال موسى لفرعون وملئه: إني استجرت بربي وربكم- أيها القوم- من كل مستكبر عن توحيد الله وطاعته, لا يؤمن بيوم يحاسب الله فيه خلقه.


    " وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب " (28)


    وقال رجل مؤمن بالله من آل فرعون, يكتم إيمانه منكرا على قومه: كيف تستحلون قتل رجل لا جرم له عندكم إلا أن يقول ربي الله, وقد جاءكم بالبراهين القاطعة من ربكم على صدق ما يقول؟ فإن يك موسى كاذبا فإن وبال كذبه عائد عليه وحده, وإن يك صادقا لحقكم بعض الذي يتوعدكم به, إن الله لا يوفق للحق من هو متجاوز للحد, بترك الحق, والإقبال على الباطل, كذاب بنسبته ما أسرف فيه إلى الله.


  15. #495
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

    الحلقة (492)
    تفسير السعدى
    سورة غافر
    من الأية(29)
    الى الأية(38)
    عبد الرحمن بن ناصر السعدي

    تفسير سورة غافر



    " يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد "(29)


    يا قوم لكم السلطان اليوم ظاهرين في الأرض على بني إسرائيل, فمن يدفع عنا عذاب الله إن حل بنا؟ قال فرعون لقومه مجيبا: ما أريكم- أيها الناس- من الرأي والنصيحة إلا ما أرى لنفسي ولكم صلاحا وصوابا, وما أدعوكم إلا إلى طريق الحق والصواب.


    " وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب " (30)


    وقال الرجل المؤمن من آل فرعون لفرعون, وملئه واعظا ومحذرا: إني أخاف عليكم إن قتلتم موسى, مثل يوم الأحزاب الذين تحزبوا على أنبيائهم.

    " مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد " (31)


    مثل عادة قوم نوح وعاد وثمود ومن جاء بعدهم في الكفر والتكذيب, أهلكهم الله بسبب ذلك.
    وما الله سبحانه يريد ظلما للعباد, فيعذبهم بغير ذنب أذنبوه تعالى الله عن الظلم والنقص علوا كبيرا.



    " ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد " (32)


    ويا قوم إني أخاف عليكم عقاب يوم ينادي فيه بعض الناس بعضا; من هول الموقف يوم القيامة.

    " يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد " (33)


    يوم تولون ذاهبين هاربين, ما لكم من الله من مانع يمنعكم وناصر ينصركم.
    ومن يخذله الله ولم يوفقه إلى رشده, فما له من هاد يهديه إلى الحق والصواب.



    " ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب " (34)


    ولقد أرسل الله إليكم النبي الكريم يوسف بن يعقوب عليهما السلام من قبل موسى, بالدلائل الواضحة على صدقه, وأمركم بعبادة الله وحده لا شريك له, فما زلتم مرتابين مما جاءكم به في حياته, حتى إذا مات ازداد شككم وشرككم, وقلتم : إن الله لن يرسل من بعده رسولا, مثل ذلك الضلال يضل الله كل متجاوز للحق, شاك في وحدانية الله تعالى, فلا يوفقه إلى الهدى والرشاد.


    " الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار " (35)


    الذين يخاصمون في أيات الله وحججه لدفعها من غير أن يكون لديهم حجة مقبولة, كبر ذلك الجدال مقتا عند الله وعند الذين آمنوا, كما ختم بالضلال وحجب عن الهدى قلوب هؤلاء المخاصمين, يختم الله على قلب كل مستكبر عن توحيد الله وطاعته, جبار بكثرة ظلمه وعدوانه.


    " وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب " (36)


    وقال فرعون مكذبا لموسى في دعوته إلى الإقرار برب العالمين والتسليم له: يا هامان إبن لي بناء عظيما; لعلي أبلغ أبواب السموات وما يوصلني إليها,


    " أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب " (37)


    فأنظر إلى إله موسى بنفسي, وإني لأظن موسى كاذبا في دعواه أن لنا ربا, وأنه فوق السموات, وهكذا زين لفرعون عمله السيء فرآه حسنا, وصد عن سبيل الحق؟ بسبب الباطل الذي زين له, وما احتيال فرعون وتدبيره لإيهام الناس أنه محق, وموسى مبطل إلا في خسار وبوار, لا يفيده إلا الشقاء في الدنيا والآخرة.


    " وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد " (38)


    وقال الذي آمن معيدا نصيحته لقومه : يا قوم اتبعون أهدكم طريق الرشد والصواب.


  16. #496
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

    الحلقة (493)
    تفسير السعدى
    سورة غافر
    من الأية(39)
    الى الأية(47)
    عبد الرحمن بن ناصر السعدي

    تفسير سورة غافر



    " يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار " (39)


    يا قوم إن هذه الحياة الدنيا حياة يتنعم الناس فيها قليلا, ثم تنقطع وتزول, فينبغي ألا تركنوا إليها, وإن الدار الآخرة بما فيها من النعيم المقيم هي محل الإقامة التي تستقرون فيها, فينبغي لكم أن تؤثروها, وتعملوا لها العمل الصالح الذي يسعدكم فيها.


    " من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب "(40)


    من عصى الله في حياته وانحرف عن طريق الهدى, فلا يجزى في الآخرة إلا عقابا يساوي معصيته, ومن أطاع الله وعمل صالحا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه, ذكرا كان أو أنثى, وهو مؤمن بالله موحد له, فأولئك يدخلون الجنة, يرزقهم الله فيها من ثمارها ونعيمها ولذاتها بغير حساب.


    " ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار " (41)


    ويا قوم كيف أدعوكم إلى الإيمان بالله واتباع رسوله موسى, وهي دعوة تنتهي بكم إلى الجنة والبعد عن أهوال النار, وأنتم تدعونني إلى عمل يؤدي إلى عذاب الله وعقوبته في النار؟


    " تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار "(42)


    تدعونني لأكفر بالله, وأشرك به ما ليس لي به علم أنه يستحق العبادة من دونه- وهذا من أكبر الذنوب وأقبحها- وأنا أدعوكم إلى الطريق الموصل إلى الله العزيز في انتقامه, الغفار لمن تاب إليه بعد معصيته.

    " لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحاب النار " (43)


    حقا أن ما تدعونني إلى الاعتقاد به لا يستحق الدعوة إليه, ولا يلجأ إليه في الدنيا ولا في الآخرة لعجزه ونقصه, واعلموا أن مصير الخلائق كلها إلى الله سبحانه, وهو يجازي كل عامل بعمله, وأن الذين تعدوا حدوده بالمعاصي وسفك الدماء والكفر هم أهل النار.


    " فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد " (44)


    فلما نصحهم ولم يطيعوه قال لهم: فستذكرون أني نصحت لكم وذكرتكم, وصوت تندمون حيث لا ينفع الندم, وألجأ إلى الله, وأعتصم به, وأتوكل عليه.
    إن الله سبحانه وتعالى بصير بأحوال العباد, وما يستحقونه من جزاء, لا يخفى عليه شيء منها.



    " فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب " (45)


    فوقى الله سبحانه ذلك الرجل المزمن الموفق عقوبات مكر فرعون وآله, وحل بهم سوء العذاب حيث أغرقهم الله عن آخرهم.

    " النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب " (46)


    لقد أصابهم الغرق أولا, وملكوا, ثم يعذبون في قبورهم حيث النار, يعرضون عيها صباحا ومساء إلى وقت الحساب, ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون النار؟ جزاء ما اقترفوه من أعمال السوء وهذه الآية أصل في إثبات عذاب القبر.

    " وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار " (47)


    وإذ يتخاصم أهل النار, ويعاتب بعضهم بعضا, فجتبي الأتباع المقلدون على رؤسائهم المستكبرين الذين أضلوهم, وزينوا لهم طريق الشقاء, قائلين لهم: هل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار بتحملكم قسطا من عذابنا؟

  17. #497
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

    الحلقة (494)
    تفسير السعدى
    سورة غافر
    من الأية(48)
    الى الأية(57)
    عبد الرحمن بن ناصر السعدي

    تفسير سورة غافر



    " قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد " (48)


    قال الرؤساء المتكبرون مبينين عجزهم: لا نتحمل عنكم شيئا من عذاب النار, وكلنا فيها, لا خلاص لنا منها, إن الله قد قسم بيننا العذاب بقدر ما يستحق كل منا بقضائه العادل.


    " وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب " (49)


    وقال الذين في النار من المستكبرين والضعفاء لخزنة جهنم: ادعوا ربكم يخفف عنا يوما واحدا من العذاب؟ كي تحصل لنا بعض الراحة.


    " قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال " (50)


    قال خزنة جهنم لهم توبيخا: هذا الدعاء لا ينفعكم في شيء, أولم تأتكم رسلكم بالحجج الواضحة من الله فكذبتموهم؟ فاعترف الجاحدون بذلك وقالوا: بلى فتبرأ خزنة جهنم منهم وقالوا: نحن لا ندعو لكم, ولا نشفع فيكم, فادعوا أنتم, ولكن هذا الدعاء لا يغني شيئا؟ لأنكم كافرون وما دعاء الكافرين إلا في ضياع لا يقبل, ولا يستجاب.


    " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد " (51)


    إنا لننصر رسلنا ومن تبعهم من المؤمنين, ونؤيدهم على من آذاهم في حياتهم الدنيا, ويوم القيامة, يوم تشهد فيه الملائكة والأنبياء والمؤمنون على الأمم التي كذبت رسلها, فتشهد بأن الرسل قد بلغوا رسالات ربهم, وأن الأمم كذبتهم.

    " يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار " (52)


    يوم الحساب لا ينتفع الجاحدون الذين تعدوا حدود الله بما يقدمونه من عذر لتكذيبهم رسل الله, ولهم الطرد من رحمة الله, ولهم الدار السيئة في الآخرة, وهي النار.


    " ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب "(53)


    ولقد آتينا موسى ما يهدي إلى الحق من التوراة والمعجزات, وجعلنا بني إسرائيل يتوارثون التوراة خلفا عن سلف,


    " هدى وذكرى لأولي الألباب " (54)


    هادية إلى سبيل الرشاد, وموعظة لأصحاب العقول السليمة.

    " فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار " (55)


    فاصبر- يا محمد- على أذى المشركين, فقد وعدناك بإعلاء كلمتك, ووعدنا حق لا يتخلف, واستغفر لذنبك, ودم على تنزيه ربك عما لا يليق به, في آخر النهار وأوله.

    " إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير " (56)


    إن الذين يخاصمون في آيات الله ودلائل قدرته, ويخلطون الدلائل الواضحة بالباطل من غير أن تكون لديهم حجة بينة, ما في صدور هؤلاء إلا كبر يحملهم على تكذيبك, وحسد منهم على الفضل الذي خصك الله به, ما هم ببالغيه, فاعتصم بالله من شرهم؟ إنه هو السميع لأقوالهم, البصير بأفعالهم.


    " لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون " (57)


    لخلق الله السموات والأرض أكبر من خلق الناس وإعادتهم بعد موتهم, ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن خلق جميع ذلك هين على الله.

  18. #498
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

    الحلقة (495)
    تفسير السعدى
    سورة غافر
    من الأية(58)
    الى الأية(66)
    عبد الرحمن بن ناصر السعدي

    تفسير سورة غافر



    " وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون " (58)


    وما يستوي الأعمى والبصير, وكذلك لا يستوي المؤمنون الذين يهتدون بهدي الله ويقزون بوحدانيته, والجاحدون الذين يغضبونه وينكرون دلائله البينة.
    قليلا ما تذكرون- أيها الناس- حجج الله, فتعتبرون, وتتعظون بها.



    " إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون " (59)


    إن الساعة لآتية لا شك فيها, فأيقنوا بمجيئها, كما أخبرت بذلك الرسل, ولكن أكثر الناس لا يصدقون بمجيئها, ولا يعملون لها.


    " وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين " (60)


    وقال ربكم- أيها العباد-: ادعوني وحدي وخصوني بالعبادة أستجب لكم, إن الذين يتكبرون عن إفرادي بالعبودية والألوهية, سيدخلون جهنم صاغرين حقيرين.


    " الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون " (61)


    الله وحده هو الذي جعل لكم الليل؟ لتسكنوا فيه, وتحققوا راحتكم, والنهار مضيئا؟ لتصرفوا فيه أمور معاشكم إن الله لذو فضل عظيم على الناس, ولكن أكثرهم لا يشكرون له بالطاعة وإخلاص العبادة.

    " ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون " (62)


    الذي أنعم عليكم بهذه النعم إنما هو ربكم الذي أوجد الأشياء كلها, لا إله يستحق العبادة غيره, فكيف تعدلون عن الإيمان به, وتعبدون غيره من الأوثان, بعد أن تبينت لكم دلائله؟


    " كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون " (63)


    كما صرفتم عن الحق مع قيام الدليل عليه وكذبتم به, يصرف عن الحق والإيمان به الذين كانوا بآيات الله يجحدون .


    " الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين "(64)


    الله الذي جعل لكم الأرض, لتستقروا فيها, ويسر لكم الإقامه عليها, وجعل السماء سقفا للأرض, وبث فيها من العلامات الهادية, وخلقكم في أكمل هيئة وأحسن تقويم, وأنعم عليكم بحلال الرزق ولذيذ المطاعم والمشارب, ذلكم الذي أنعم عليكم بهذه النعم هو ربكم, فتكاثر خيره وفضله وبركته, وتنزه عما لا يليق به, وهو رب الخلائق أجمعين.


    " هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين " (65)


    هو الله سبحانه الحي الذي له الحياة الكاملة التامة لا إله غيره, فاسألوه واصرفوا عبادتكم له وحده, مخلصين له دينكم وطاعتكم.
    فالحمد لله والثناء الكامل له رب الخلائق أجمعين.


    " قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين " (66)


    قل- يا محمد- لمشركي قومك: إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله, لما جاءني الآيات الواضحات من عند ربي, وأمرني أن أضع وأنقاد بالطاعة التامة له, سبحانه رب العالمين.

  19. #499
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

    الحلقة (496)
    تفسير السعدى
    سورة غافر
    من الأية(67)
    الى الأية(76)
    عبد الرحمن بن ناصر السعدي

    تفسير سورة غافر



    " هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون " (67)


    هو الله الذي خلق أباكم آدم من تراب, ثم أوجدكم من المني بقدرته, وبعد ذلك تنتقلون إلى طور الدم الغليظ, ثم تجري عليكم أطوار متعددة في الأرحام, إلى أن تولدوا أطفالا صغارا, ثم تقوى بنيتكم إلى أن تصيروا شيوخا, ومنكم من يموت قبل ذلك, ولتبلغوا بهذه الأطوار المقدرة أجلا مسمى تنتهي عنده أعماركم, ولعلكم تعقلون حجج الله عليكم بذلك, تتدبرون آياته, فتعرفون أنه لا إله غيره يفعل ذلك, وأنه الذي لا تنبغي العبادة إلا له.

    " هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون " (68)


    هو سبحانه المتفرد بالإحياء والإماتة, فإذا قضى أمرا فإنما يقول له: " كن " , فيكون, لا راد لقضائه.


    " ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون " (69)


    ألا تعجب- يا محمد- من هؤلاء المكذبين بآيات الله يخاصمون فيها, وهي واضحة الدلالة على توحيد الله وقدرته, كيف يعدلون عنها مع صحتها؟ وإلى أي شيء يذهبون بعد البيان التام؟

    " الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون " (70)


    هؤلاء المشركون الذين كذبوا بالقرآن والكتب السماوية التي أنزلها الله على رسله لهداية الناس, فسوف يعلم هؤلاء المكذبون عاقبة تكذيبهم

    " إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون " (71)


    حين تجعل الأغلال في أعناقهم, والسلاسل في أرجلهم, وتسحبهم زبانية العذاب

    " في الحميم ثم في النار يسجرون " (72)


    في الماء الحار الذي اشتد غليانه وحره, ثم في نار جهنم يوقد بهم.

    " ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون " (73)


    ثم قيل لهم توبيخا, وهم في هذه الحال التعيسة: أين الآلهة التي كنتم تعبدونها من دون الله؟ هل ينصرونكم اليوم؟ فادعوهم, لينقذوكم من هذا البلاء الذي حل بكم إن استطاعوا,


    " من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين " (74)


    قال المكذبون: غابوا عن عيوننا, فلم ينفعونا بشيء, ويعترفون بأنهم كانوا في جهالة من أمرهم, وأن عبادتهم لهم كانت باطلة لا تساوي شيئا, كما أضل الله هؤلاء الذين ضل عنهم في جهنم ما كانوا يعبدون في الدنيا من دون الله, يضل الله الكافرين به.

    " ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون " (75)


    ذلكم العذاب الذي أصابكم إنما هو بسبب ما كنتم عليه في حياتكم الدنيا من غفلة, حيث كنتم تفرحون بما تقترفونه من المعاصي والآثام, وبما أنتم عليه من الأشر والبطر والبغي على عباد الله.


    " ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين " (76)


    ادخلوا أبواب جهنم عقوبة لكم على كفركم بالله ومعصيتكم له خالدين فيها, فبئست جهنم نزلا للمتكبرين في الدنيا على الله.

  20. #500
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    47,898

    افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

    الحلقة (497)
    تفسير السعدى
    سورة غافر
    من الأية(77)
    الى الأية(85)
    عبد الرحمن بن ناصر السعدي

    تفسير سورة غافر



    " فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون " (77)


    فاصبر يا محمد, وامض في طريق الدعوة, إن وعد الله حق, وسينجز لك ما وعدك, فإما نرينك في حياتك بعض الذي نعد هؤلاء المشركين من العذاب, أو نتوفينك قبل أن يحل نلك بهم, فعلينا مصيرهم يوم القيامة, وسنذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون.

    " ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون " (78)


    ولقد أرسلنا من قبلك- يا محمد- رسلا كثيرين إلى قومهم يدعونهم, ويصبرون على أذاهم: منهم من قصصنا عليك خبرهم, ومنهم من لم نقصص عليك, وكلهم مأمورون بتبليغ وحي الله إليهم.
    وما كان لأحد منهم أن يأتي بآية من الآيات الحسية أو العقلية إلا بإذن الله ومشيئته, فإذا جاء أمر الله بعذاب المكذبين قضي بالعدل بين الرسل ومكذبيهم, وخسر هنالك المبطلون, لافترائهم على الله الكذب, وعبادتهم غيره.



    " الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون " (79)


    الله سبحانه هو الذي جعل لكم الأنعام؟ لتنتفعوا بها: من منافع الركوب والأكل وغيرها من أنواع المنافع,

    " ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون " (80)


    ولتبلغوا بالحمولة على بعضها حاجة في صدوركم من الوصول إلى الأقطار البعيدة, وعلى هذه الأنعام تحملون في البرية, وعلى الفلك في البحر تحملون كذلك.


    " ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون " (81)


    ويريكم الله تعالى دلائله الكثيرة الواضحة الدالة على قدرته وتدبيره في خلقه, فأي آية من آياته تنكرونها, لا تعترفون بها؟

    " أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون " (82)


    أفلم يسر هؤلاء المكذبون في الأرض, يتفكروا في مصارع الأم المكذبة من قبلهم, كيف كانت عاقبتهم؟ وكانت هذه الأمم السابقة أكثر منهم عددا وعدة وآثارا في الأرض من الأبنية والمصانع والغراس وغير ذلك, فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبونه حين حل بهم بأس الله.

    " فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون " (83)


    فلما جاءت هؤلاء الأمم المكذبة رسلها بالدلائل الواضحات, فرحوا جهلا منهم بما عندهم من العلم المناقض لما جاءت به الرسل, وحل بهم من العذاب ما كانوا يستعجلون به رسلهم على سبيل السخرية والاستهزاء.
    وفي الآية دليل على أن كل علم يناقض الإسلام, أو يقدح فيه, أو يشكك في صحته, فإنه مذموم ممقوت, ومعتقده ليس من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم.



    " فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين " (84)


    فلما رأوا عذابنا أقروا حين لا ينفع الإقرار, وقالوا: آمنا بالله وحده, وكفرنا بما كنا به مشركين في عبادة الله.


    " فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون " (85)


    فلم يك ينفعهم إيمانهم هذا حين رأوا عذابنا; وذلك لأنه إيمان قد اضطروا إليه, لا إيمان اختيار ورغبة, سنة الله وطريقته التي سنها في الأمم كلها أن لا ينفعها الإيمان إذا رأوا العذاب, وهلك عند مجيء بأس الله الكافرون بربهم, الجاحدون توحيده وطاعته.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •