بسم الله، الحمد لله، و الصلاة و السلام على رسول الله، و آله و صحبه و من والاه، أما بعد:
فبعض العرب و المسلمين يعظمون المتنبي و يحيطونه بهالة من القداسة و العصمة و لا يريدون من أحد أن ينتقده أو يشير إلى أخطائه فضلاً عن أن يصحح تلك الأخطاء.
و هذا خلاف منهاج أهل السنة الذي يمثله قول الإمام مالك رحمه الله: (كل يؤخذ من قوله و يرد إلا صاحب هذا القبر -أي نبينا محمد صلى الله عليه و سلم-).
فأهل السنة يزنون الأقوال بميزان القرآن الكريم و السنة الشريفة، فما وافقهما أخذوه و قبلوه، و ما خالفهما تركوه و ردوه.
و في هذا الموضوع أرد على المتنبي أبطولة من أباطيله و هي قوله:
أبوكم آدم سن المعاصي *** و علمكم مفارقة الجنان
في هذا البيت أساء المتنبي الأدب مع نبي الله آدم أبينا عليه السلام من وجوه:
الوجه الأول: قال (أبوكم) و لم يقل (أبونا) فلم ينسب نفسه إلى أبينا آدم عليه السلام.
الوجه الثاني: الأنبياء عليهم السلام لا يسنون المعاصي و إنما يسنون الخير و الهدى و إن بدرت معصية من أحدهم فسنتهم هي التوبة و الإنابة.
الوجه الثالث: لم تكن نية أبينا آدم عليه السلام تعليمنا مفارقة الجنان و إنما كان مطلبه الخلود في الجنة كما قال الله تعالى حاكياً عن إبليس: (... و قال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) [سورة الأعراف: آية 20].
لذلك أرد على المتنبي بيته هذا كما يلي:
أبونا آدم سن المعالي *** بتوبته ارتقى أعلى الجنان
شرح البيت:
كيف سن آدم عليه السلام المعالي؟ التوبة معلاة و هي صورة من صور طلب المعالي من مغفرة الذنوب و علو الدرجات.
ما الدليل على أن آدم عليه السلام في أعلى الجنان؟
كما هو معلوم فإن الفردوس أعلى درجات الجنان و الأنبياء عليهم السلام جميعاً في الفردوس الأعلى بدليل نقلي عقلي.
الدليل هو أن الصحابي الجليل حارثة بن سراقة رضي الله عنه شهد له النبي عليه الصلاة و السلام بالفردوس الأعلى، فدل ذلك على أن كل من هو أفضل من حارثة بن سراقة من أهل الفردوس الأعلى من باب أولى، و أي نبي أفضل من أي صحابي كما هو معلوم في العقيدة.
و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.