كتاب الملخص الفقهي
صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
(21)
[باب في بيان أحكام الإمامة]
هذه الوظيفة الدينية المهمة التي تولاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه، وتولاها خلفاؤه الراشدون.
وقد جاء في فضل الإمامة أحاديث كثيرة؛ منها: قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة"، وذكر: "أن منهم رجلاً أم قوما وهم به راضون "، وفي الحديث الآخر: "أن له من الأجر مثل أجر من صلى خلفه ".
ولهذا؛ كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعلني إمام قومي؛ لما يعلمون في ذلك من
الفضيلة والأجر.
لكن مع الأسف الشديد؛ نرى في وقتنا هذا كثيرًا من طلبة العلم يرغبون عن الإمامة، ويزهدون فيها، ويتخلون عن القيام بها؛ إيثارًا للكسل وقلة رغبة في الخير، وما هذا إلا تخذيل من الشيطان.
فالذي ينبغي لهم بها بجد ونشاط واحتساب للأجر عند الله؛ فإن طلبة العلم أولى بالقيام بها وبغيرها من الأعمال الصالحة.و
كلما توافرت مؤهلات الإمامة في شخص؛ كان أولى بالقيام بها ممن هو دونه، بل يتعين عليه القيام بها إذا لم يوجد غيره:
فالأولى بالإمامة الأجود قراءة لكتاب
الله تعالى، وهو الذي يجيد قراءة القرآن؛ بأن يعرف مخارج الحروف، ولا يلحن فيها، ويطبق قواعد القراءة من غير تكلف ولا تنطع، ويكون مع ذلك يعرف فقه صلاته وما يلزم فيها؛ كشروطها وأركانها وواجباتها ومبطلاتها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله"، وما ورد بمعناه من الأحاديث الصحيحة، مما يدل على أنه يقدم في الإمامة الأجود قراءة للقرآن الكريم، الذي يعلم فقه الصلاة؛ لأن الأقرأ في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يكون أفقه.
فإذا استووا في القراءة؛
قدم الأفقه "أي: الأكثر فقها "؛ لجمعه بين ميزتين: القراءة والفقه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن كانوا في القراءة سواء؛ فأعلمهم بالسنة"؛ أي: أفقههم في دين الله، ولأن احتياج المصلي إلى الفقه أكثر من احتياجه إلى القراءة؛ لأن ما يجب في الصلاة من القراءة محصور، وما يقع فيها من الحوادث غير محصور.
فإذا استووا في الفقه والقراءة؛ قدم الأقدام هجرة، والهجرة الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام.
فإذا استووا في القراءة
والفقه والهجرة؛ قدم الأكبر سنا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "وليؤمكم أكبركم"، متفق عليه؛ لأن كبر السن في الإسلام فضيلة، ولأنه أقرب إلى الخشوع وإجابة الدعاء.
والدليل على هذا الترتيب الحديث الذي رواه مسلم عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء؛ فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء؛ فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء؛ فأقدمهم سنا".
قال شيخ الإسلام ابن
تيمية رحمه الله: "فقدم النبي صلى الله عليه وسلم بالفضيلة بالعلم بالكتاب والسنة، فإن استووا في العلم؛ قدم بالسبق إلى العمل الصالح، وقدم السابق باختياره إلى العمل الصالح "وهو المهاجر " على من سبق بخلق الله وهو كبر السن" انتهى.