عرض في الباب الأول مبدأ الطاعون , وأنه رجز على الأمم السابقة ورحمة لهذه الأمة , وجعله أربعة فصول .
ثم عرف بالطاعون في الباب الثاني , وذكر اشتقاقه اللغوي ,وأقوال الأطباء فيه , وقارنه بالوباء, وذكر من الأحاديث ما يفيد أنه وخز الجن , والحكمة من ذلك , ثم ألحق به الأحاديث التي تحرس قائلها من كيد الجن , وجعله تسعة فصول .
وذكر في الباب الثالث الأدلة على كونه شهادة للمسلمين , وتعرض لمعنى الشهيد ومراتب الشهداء وشروط الشهادة , وكذلك تعرض لعدم دخول الطاعون المدينة النبوية , وجعله عشرة فصول .
وضمن الباب الرابع ما يتعلق بالطاعون من أحكام ؛ كالخروج من البلد الذي يقع فيها أو دخوله , وذكر قصة رجوع عمر من " سَرْغ " , واختلاف الصحابة ومسألة العدوى , وجعله أربعة فصول , لكنها مطولة
.............................. .....
سبب تصنيفه :
يذكر الحافظ في المقدمة , أنه قد تكرر سؤال الإخوان له في جمع أخبار الطاعون وأحاديثه , مع شرح غريبها وتيسير معانيها على الأفهام , فأجاب رغبتهم في ذلك .
ومثل هذا السبب كان يحمل الكثير من المصنفين على التصنيف , كما نلاحظ من مقدمات الكتب , لكن الحافظ بعد أن أجاب سؤال الإخوان , توقف عن الكتاب فيما يظهر , وكان هذا في عام 819 هـ . ثم استأنف تبييضه وزاد عليه زيادات في عام 833 هـ .
يقول الحافظ بعد أن يعرض للبدعة التي حدثت عام 833 هـ في خروج الناس إلى الصحراء , بعد أن نودي بصيام ثلاثة أيام , كما في الاستسقاء , واجتماعهم ودعائهم وعودتهم ,
يقول : " ... و هذا من الأسباب الحاملة لي على تبييض هذا الكتاب , بعد أن كنت جمعت منه أكثر الأحاديث وبعض الكلام عليها , في سنة تسعَ عشرةَ وثمان مائة . وكنت امتنعت من الخروج في هذه المرة الأخيرة , ولا حضرت صحبة الملك المؤيد في تلك المرة , مع اختصاصي به , لهذا المعنى الذي أشرت إليه . وقد وقع ما تخيلته من الأمرين معًا في المرة الأولى وفي المرة الثانية , وقيل ما قيل , فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم "
لكن : لماذا توقف عنه بعد جمع أكثر أحاديثه والكلام عليها في سنة 819 هـ ؟ .
ما أظن أننا نملك إجابة واضحة , ولكن ثمة أحداث لها تأثير في ذلك لم يتعرض لها الحافظ إطلاقًا , وهي وفاة ابنتيه " عإلىة " و " فاطمة " في طاعون سنة 819 هـ , ووفاة ابنته الكبرى " زين خاتون " في طاعون سنة 833 هـ , كما ذكرنا في ترجمته .
فهل يمكن أن نقول : إن سؤال الإخوان , مضافًا إليه وفاة ابنتيه , كان دافعًا لتصنيف الكتاب ؟ وأنه توقف عنه لئلا يكون حزنه على ابنتيه سببًا في تصنيفه , فيكون عمله غير خالص لله ؟ وأن عودته لتبييض الكتاب بسبب البدعة التي حدثت في عصره سنة 833 هـ , مضافًا إليها وفاة ابنته الكبرى ؟ .
.....................
منهج الحافظ وموارده فيه :
إن أول عمل قام به عند شروعه في تصنيف هذا الكتاب , هو جمع مادته العلمية , وكان ذلك سنة 819 هـ , كما قدمنا . فهو يقول : " ... وهذا من الأسباب الحاملة لي على تبييض هذا الكتاب , وبعد أن كنت جمعت منه أكثر الاحاديث , وبعض الكلام عليها , في سنة تسع عشرة وثمان مائة "
..........................
قال المحقق ( ص 27)
والحافظ في جميع ذلك يرجع إلى الاصول في كل فرع من الفروع , إنْ في الأحاديث , أو في اللغة , أو في الطب , ولا يكتفي بالكتب المتأخرة , بل لا يرجع إليها إلا لفائدة , أو لضرورة ملحة , أو لزيادة خبر , أو لغير ذلك , بعد أن يكون قد استنفد الأصول .
ومن أمثلة ذلك ورود لفظة " إخوانكم " بدل " أعدائكم " في قوله _ صلى الله عليه وسلم _ في الحديث : " وخز أعدائكم من الجن " ؛ فهو يقول : " وقد راجعت كتاب أبي عبيد في " غريب الحديث " . ثم كتاب أبي محمد بن قتيبة في ذلك ؛ وهو كالذيل على كتاب أبي عبيد . ثم كتاب أبي
سليمان الخطابي في ذلك ؛ وهو كالذيل على كتاب ابن قتيبة . ثم كتاب قاسم بن ثابت السَّرْقسطي في ذلك , وهو كالذيل على كتاب ابن قتيبة أيضًا, فلم أره فيها أصلًا , ولا في " الفائق " للزمخشري , وكذلك " غريب الحديث " لإبراهيم الحربي ؛ وهو أوسع هذه الكتب كلها , ومع ذلك ما أكمله , فلم أجده فيه " ( ق 28/ب) .
وهو يتحرى في كل ذلك الدقة , ويتحرى صحة النسخ التي يتعمدها ما أمكن ؛ ففي صدد بحثه عن لفظة " إخوانكم " المذكورة , يرجع إلى أكثر من نسخة صحيحة من " مسند " الإمام أحمد , لأن بعضهم نسبها للمسند (ق27/أ_ وما بعدها ) . ويعزو الخطأ في أحد الأسانيد الواردة في " المعجم الأوسط "
للطبراني , إلى عدم صحة النسخة المعتمدة منه , فيقول : " وما أظن الوهم إلا من النسخة التي من " الأوسط " , فإنها غير مقابلة " (ق27/ب) .
وباعتبار أن الغالب على الكتاب الصنعة الحديثية , فقد استوعب الحافظ طرق أحاديث الطاعون والكلام عليها
( ص 47)