إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) "سورة آل عمران:102".
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا) "سورة النساء:1".
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما) "سورة الأحزاب:70-71".
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ، وبعد :
حياكم الله وبياكم في هذا اليوم الأغر ، وهذا المجلس المباركة ، التي تغشاه السكينة ، وتحفه الملائكة ، ويذكره ربنُا جل في علاه فيمن عنده إن شاء الله .
إحوتي أحبتي : كنا قد تدارسنا في الأسبوع الماضي عددا من المفسدات في العلاقة الزوجية التي ينبغي للزوجين أن يحذروها ، وفي هذه الساعة الطيبة نستأنف ما انتهينا به ، فأقول وبالله التوفيق المفسدة الثامنة هي:
ثامناً : عمل المرأة خارج بيتها
لقد شرع الله تعالى العمل كمهنة أساسية للرجل خارج المنزل وشرع وظيفة الأمومة وتدبير شؤون المنزل كوظيفة أساسية للمرأة ، وقد منح الله كِلا الجنسين خصائص نفسية وجسدية تتلاءم مع وظيفته.
ومع أننا نجيز للمرأة العمل بضوابط شرعية إلا أن اعتقادنا : أن بقاءها في البيت أولى وأفضل إلا للضرورة القصوى ؛ لما ينتج عن خروجها من سلبيات أسرية ، واجتماعية فضلا عن السلبيات الطبيعية والفسيلوجية التي تجنيها المرأة نفسُها في جسدها ونفسيتها .
وليس الغرض هنا أن نتوسع في هذا الموضوع ونستفيض في شرح هذه السلبيات ، فلو كنا نرغب بذلك لأصبح هذا الكتيب مجلدا كبيرا . وإنما الهدف بيان الأخطار التي تهدد الحياة الزوجية عند خروج المرأة للعمل ، ومن ذلك ما يلي:
1.اختلاط الجنسين : إن أول جناية جناها عمل المرأة على المجتمع الإسلامي هي : ( الاختلاط) فنزول المرأة إلى الميادين الخاصة بالرجال أدى - قطعا وبلا أدنى شك- إلى اجتماع الرجال بالنساء الأجنبيات في مكان واحد بحكم العمل . ومعلوم أن الاختلاط من أقوى الوسائل المؤدية إلى الوقوع بالمحرمات حيث إطلاق البصر والكلام مع الرجال وترقيقه لهم بحجة الزمالة والمشاركة في العمل ، والضحك والجلوس وتناول الفطور والمشروبات في المكتب ، ثم بعد ذلك التناغم والميل القلبي ثم التشوق بعد العودة إلى البيت والتعلق القلبي ؛ حيث قد تنشأ علاقة محبة وميل عاطفي يسميها الغافلون : ( صداقة عمل) أو ( زمالة بريئة ) !! .
وهذا أمر طبيعي وفطري إذ إن العِشرة لا تكون إلا : بالمجالسة والمحادثة والمُؤانسة . مما قد يؤدي ذلك كله إلى إفساد العلاقة الزوجية بأحد أمرين :
أولها : خراب البيوت والأسر وذلك بطلب الزوجة الطلاق من زوجها حتى ترتبط بزميلها في العمل ؛ لحصول التناغم والتجاذب والتفاهم والميل القلبي بينها وبين زميلها أكثر منه بينها وبين زوجها ، غير مكترثة بأولادها.
وثانيها : نشوء علاقات غير شرعية ولا أخلاقية إن فشلت المرأة في المطلب الأول- نسأل الله العافية - .
2. اختلال نظام الأسرة وحدوث المشاكل الأسرية : لما نجح أعداء هذا الدين بإخراج المرأة من بيتها ، وعزلها - أو شبه عزلها - عن وظيفتها الأصلية الصحيحة ، وتسليمها عمل غيرها(عمل الرجال) ، وتسليم عملها إلى غيرها( الخادمات الأجنبيات والحاضنات) ؛ أدى ذلك كله إلى اختلال نظام الأسرة .
فالمرأة تخرج مبكرا إلى العمل وتحمل أولادها- الذين أصبحوا مشردين - إلى الحضانة ، ويعود الرجل إلى البيت قبل المرأة فلا يجد طعاما مما يضطره إلى صنع الطعام أو تسخينه.... . وتأتي الزوجة بعدئذ متعبة ومرهقة من عناء العمل فتلقي نفسها فتنام ... .
يا متعب الجســم كم تسعى لراحتـه * أتعبت جسـمك فيما فيه خسـران
أقبل على النفـــــس واستكمل فضائلها * فأنت بالنـفـــس لا بالجسم إنسان
بعض الرجال لا يرضى لأسرته هذا التفكك والاختلال العجيب في نظامها، ولا يجد السكن الروحي والنفسي الذي هو من أسس مقومات الحياة الزوجية، ويتفكر في قوله تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الروم : 21 .فيحاول أن يلتمس هذا السكن فلا يجد إلا إسكانا واحدا عنده فقط ألا وهو : تحول البيت إلى فندق للمبات والراحة ، حيث لم يعد هناك رباط يربط بين الرجل و المرأة بالعواطف و المشاعر المشتركة سوى جمع المال .
وينظر إلى زوجته فيجد أن الروابط الأسرية ضعفت في نفسيتها؛ فقد فقدت رباطها العاطفي و الوجداني الذي كان يمسك بالأطفال في ترابط , و يبذر في قلوبهم العطف والحنان ؛حيث أصبحت شيئا أقرب إلى الآلة منه إلى الإنسان ، آلة منتجة إذا فرغت من الإنتاج المادي في العمل عادت إلى الفندق لكي تأخذ قسطا من الراحة ، ولا تكاد تفكر أو تحس بمسؤولياتها اتجاه بيتها وزوجها وأطفالها , وإنما تعيش الحياة لحظة بلحظة , بلا هدف شامل إنما كل هدفها جمع الأموال لتحسين المعيشة . وبالتالي يدرك الزوج إدراكا جازما بأنها لم تعد امرأة كما خلقها الله ؛ فيطلب منها ترك العمل فترفض فتبدأ المشاكل الأسرية وسوء التفاهم مما يسبب في كثير من الأحيان الفراق بينهما أو البقاء على مضض ونكد .
و بعد هذا البيان : أنصح كل زوجة أن تؤدي واجباتها الأساسية , وتقوم بمسؤولياتها الأسرية على الوجه الذي رسمه وحدده لها رب البرية . وإياكِ إياكِ أن تكون الوظيفة سببا في زعزعة أسرتك . وسارعي ولا تتوانِ بالتخلي عنها إذا رأيتِ أنها تهدد حياة بيتكِ .
تاسعاً : الإعراض عن دين الله
بشكل عام فإن مفسدات العلاقة الزوجية سببها : الإعراض عن دين الله جل جلاله ، وذلك بالابتعاد عن المنهج الرباني في الحياة الزوجية , والوقوع بالمحذورات الشرعية من قبل الزوجين أو أحدهما ، وترك أوامر الله عز وجل : كترك الصلاة ،أو الصيام أو الصدق ، والأمانة …. ، والوقوع في المنهيات الشرعية : كالكذب ، والغيبة ، والنميمة ، وشرب الدخان , وشرب الخمر واليمين الفاجرة ، ومشاهدة التلفاز ، وسماع الأغاني ، والاختلاط والتبرج ، وحضور الحفلات المختلطة ، وأكل الحرام ، وأكل الربا …. . فهذا كله مما يتعس السعادة الزوجية ويعكر صفوها.
فسر السعادة الزوجية أن يقوم البيت على محبة الله وطاعته الذي بيده أن يوفق ويبارك ويجمع بين هذين القلبين ، فطاعة الله لها أثر كبير في الألفة والمحبة بين الزوجين ، والمعصية لها أثر عجيب في كثرة المشاكل والخلاف وعدم الوفاق بينهما قال أحد السلف:(إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي)
وقال تعالى : ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) الشورى :30 .
وقال تعالى: ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ) طه :124 .
ضنكا بكل صورها : في المنزل والعمل والشارع .... نفسية ومعنوية ، و جسدية أحيانا .
وإن التفريق بين المرء وزوجه وإفساد العلاقة بينهما ، وإحلال الخصام والنزاع بدلا من المحبة لهي رسالة الشيطان الأساسية ، وهي مهمة جنوده إذا الزوجان ابتعدا عن منهج الله عز وجل ؛ واسمع للنبي
وهو يقول : ( إن إبليس يضع عرشه على الماء ، ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة ، يجيء أحدهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا ، فيقول: ما صنعتَ شيئا . قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركتُه حتى فرقتُ بينه وبين امرأته . قال: فيدنيه منه ويقول: نِعْمَ أنتَ ) مسلم برقم : 2813 .
وإن أردت فاقرأ قوله تعالى: ( فَيَتَعَلَّمُون َ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ( البقرة : 102.
لذا ينبغي الحرص على الطاعات والنوافل كأداء الصلوات في وقتها ، وقيام الليل ، وذكر الله ، والتحصن بالأذكار وقراءة القرآن ، وقراءة الكتب الإسلامية خاصة كتب السير؛ حتى يعيشا مع النبي
وأصحابه :
لم أرَ الديــار بأم عينـــــــــي * فلعلي أرى الديار بطرف عيني