الحمد لله الذي من حكمته جعل الجزاء من جنس الأعمال، وأرى العباد من ذلك نموذجًا ليحدوهم به إلى أكمل الخصال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الكرم والجلال، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي فاق الخلق في كل كمال، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه خير صحب وأشرف آل، أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله، واعلموا أن الله بحكمته قضى أن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر؛ ليعرف العباد أنه حليم عليم رؤوف رحيم، وليرغبوا في الخير ويحذروا من أسباب العـذاب الأليم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)[1].
إن الله طيب لا يقبل من الأعمال والأقوال والنفقات إلا طيبًا، إن الله طيب نظيف يحب النـظافة، جواد يحب الجود، كريم يحب الكرم، وما نقصت صدقة من مال بل تزيده، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد إلا رفعه الله.
ومن أحسن إلى الخلق أحسن الله إليه، ومن عفا عنهم عفا الله عنه، ومن غفر لهم غفر الله له، ومن تكبر عليهم وضعه الله، ومن يسر عن معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن فرَّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا، فرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في حاجة العبد ما كان العبد في حاجة أخيه، ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهل الله له به طريقا إلى الجنة.
ومن أنفق لله أخلف الله عليه، ومن أمسك عما عليه أتلفه الله، وما ظهر الغلول وأكل المال بغير حق في قوم إلا، أوقع في قلوبهم الرعب وابتلاهم الله بالذل، وما نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع عنهم الرزق، وما نكث قوم العهد إلا سلط عليهم الأعداء، وما فشا في قوم الزنا إلا كثر فيهم الوباء والموت، وما حكم قوم بغير ما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم.
ومن وصل رحمه وصله الله، ومن قطعها قطعه الله، ومن أوى إلى الله آواه الله، ومن استحيا من الله استحيا الله منه، ومن أعرض عن الله أعرض الله عنه، ومن تقرَّب إلى الله تقرب الله منه أكثر من ذلك، ومن أشبع مسلمًا من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقاه على ظمأ سقاه من حلل الجنة، ومن نصر أخاه المسلم نصره الله، ومن خذله خذله الله، ومن تتبع عورات المسلمين تتبع الله عورته وأظهر عيوبه، ومن سترهم وأغضى عن معائبهم ستره الله، ومن يستعفف يعفه ومن يستغن يغنه الله، ومن يصبر يصبره الله، ومن أقال مسلمًا بيعته أقاله الله عثرته يوم القيامة، ومن أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله، ومن فرَّق بين والدة وولدها فرَّق الله بينه وبين أحبته، ومن جمع متحابين جمع الله بينه وبين أحبته.
منَّ الله علي وعليكم بالقيام بالأسباب النافعة، وحمانا وإياكم من الأسباب الضارة: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
(الفواكه الشهية في الخطب المنبرية)


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/139280/#ixzz6HQO2ObrI