من صفات المتقين مع المعاصي وملاهي الحياة الدنيا وفتنها وبلائها: الإقلاع عنها ولو قَدَرَ على فعلها، والعزم على تركها وترك ما يوصِّل إليها.
قال الله تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 133 - 135].
قال الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم"، شرح حديث: «اتق الله حيثما كنت»:
وصف الله المتقين في كتابه بمثل ما وصَّى به النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الوصية في قوله تعالى: ﴿ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ ﴾ إلى قوله: ﴿ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾، فوصف المتقين بمعاملة الخَلْق بالإحسان إليهم بالإنفاق، وكظم الغيظ، والعفو عنهم، فجمع بين وصفهم ببذل الندى، واحتمال الأذى، وهذا هو غاية حسن الخلق الذي وصى به النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ، ثم وصفهم بأنهم: ﴿ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا ْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾.
فدل على أن المتقين قد يقع منهم أحيانًا كبائر، وهي الفواحش، وصغائر، وهي ظلم النفس، لكنهم لا يصرون عليها، بل يذكرون الله عقب وقوعها، ويستغفرونه، ويتوبون إليه منها.
والتوبة: هي ترك الإصرار على الذنب.
ومعنى قوله: ﴿ ذَكَرُواْ اللهَ ﴾؛ أي: ذكروا عظمته، وشدة بطشه، وانتقامه، وما توعد به على المعصية من العقاب، فيوجب ذلك لهم الرجوع في الحال، والاستغفار، وترك الإصرار، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 20]، ثم ساق أدلة قبول الله جل وعلا لتوبة العباد، وفرحه سبحانه وتعالى بها منهم، جعلنا الله من عباده المتقين.
وروى الإمام البخاري برقم (3465)، ومسلم (2743)، عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما ثلاثة نفر يمشون أخذهم المطر، فأووا إلى غارٍ في جبل، فانحطت عليهم صخرة، فسدت عليهم الغار»، الحديث، وفيه: «فقال أحدهم: اللهم إنك تعلم أنه كان لي بنت عم، وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، وإني راودتها، فأبت حتى آتيها بمائة دينار، فتعبت وجمعت ذلك، ثم جئتها بها، فلما وقعت بين رجليها، وجلست منها مجلس الرجل من امرأته؛ قالت يا عبد الله: اتَّق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت عنها، وتركت المال لها».
وروى الإمام أحمد برقم (20739) عن أبي قتادة وأبي الدهماء رضي الله عنه - قال عفان: وكانا يُكثران الحج - قالا: أتينا على أعرابي من أهل البادية، فقال البدوي: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، وقال: «إنك لن تدع شيئًا اتقاءً لله؛ إلا أتاك الله خيرًا منه». والحديث رجاله ثقات، وهو في "الصحيح المسند"؛ لشيخنا الوادعي، برقم (1489).


رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/138833/#ixzz6F5a3k0RL